لا يستقيم الأداء الصفي دون امتلاك الممارس البيداغوجي، أساسيات التدريس النظرية والتطبيقية، ودون التكوين الأساس والمستمر والذاتي؛ ودون الوعي المهني؛ من حيث هذه الأساسيات هي المدخل الحقيقي لفعل بيداغوجي هادف وعقلاني وعلمي، ومضبوط جيدا، ومخطط له بحكمة، وناجح وفعال. غير أنه إذا افتقد وفقد الممارس البيداغوجي هذه الأساسيات؛ دخل أداؤه الصفي، وممارسته التعليمية في الارتجالية والعشوائية والضبابية والتخبط، وتشابكت مفاصل وتفاصيل الأداء عنده إزاء تشابك الحقول المعرفية بنظرياتها المختلفة لديه وأدواتها التصريفية والتدبيرية والإجرائية، وأصبحت سحابة إلكترونية لا يدري مكوناتها وجزيئاتها وكيفية تناولها، فضلا عن النتائج السلبية والعائد المرضي لهذه الممارسة العشوائية، الذي يظهر بعد مرور السنوات والعقود والأجيال والحقب التاريخية، حيث يفوت أوان إصلاحها. ويصبح الإنسان الذي مر من تلك العملية مشوها عقليا وعمليا وحضاريا وإنسانيا.

فالعملية التعليمية التعلمية لا تعني قط التعامل مع حقول معرفية عبر مناهج تدريسها، بعيدا عن عائدها التربوي والسيكولوجي والاجتماعي والوظيفي والثقافي والاقتصادي والحضاري. وإنما هذه العوائد، هي المقصودة من عمق تلك العملية، من خلال المعرفة التي تشكل الرؤوس وأداء هذه الرؤوس، وهي إما رؤوس بانية أو رؤوس فانية. ومنه كان من مسلمات التدريس التكوين الأساس والمستمر، المفضيان إلى التكوين الذاتي؛ بما يفيد تكوين الممارس البيداغوجي المبدع والمبتكر، والباحث والناقد، الذي يسائل حقوله المعرفية ضمن قديمها وحديثها ومستجداتها النظرية والتطبيقية، وخلفياتها الفلسفية والعقائدية والمعرفية، كما يسائل أداءه الصفي ضمن مستجداته التطبيقية عن فعاليته وفاعليته وعائده وناتجه عند النشء المتعلم، ولا يركن إلى ثبات المعرفة ثباتا مطلقا قهريا، وإنما يستحضر النسبية في المعرفة وأدواتها وتجددها عبر العصور، خاصة في وقتنا هذا الذي يقع فيه الانفجار المعرفي عبر ما تم تطويره من نظم إلكترونية وشبكات عنكبوتية وأجهزة متنوعة مرتبطة بالحقول المعرفية. بجانب استحضار الممارس البيداغوجي التغير السريع للمعرفة، وتقادمها بزمن الضوء وسرعته بل أسرع من ذلك، خاصة في الثورة الثالثة التي نعيشها، وهي ثورة سرعت المتغيرات وتدفق المعلومات وتقادمها المتسارع. وهي ثورة قوامها التعليم والتعلم، ومركزها المعرفة، وناتجها التنمية البشرية والحجرية. ذلك أن: ( التربية والتنمية صنوان في مجتمع المعرفة، واقتصاد قائم على المعرفة يعني اقتصادا قائما على التعليم، وذلك نظرا إلى كون العنصر البشري يعد أهم مقوماته بلا منازع، والتعليم كما قيل هو أهم عوامل التغيير على وجه الأرض، وهو مصدر الرفاه والتقدم الاقتصادي والرقي الاجتماعي، والمعرفة كما خلص الكثيرون هي سبيل بلوغ الغايات الإنسانية العليا: الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وإن كانت المعرفة هي محرك مجتمع المعرفة فالتعليم هو وقودها ) . ومن ثم تكمن خطورة ممارسة الفعل البيداغوجي خارج إطار التكوين الأساس والمستمر والذاتي، وخارج إطار النقد بما هو: ( مظهر من مظاهر استيقاظ الوعي، فالحضارات حين تدخل في مرحلة التراجع والأفول يسيطر على مثقفيها الانشغال ببيان الإنجازات التي حققها عظماؤها بدل البحث في مسألة استعادة ما فقدوه وتعويض ما فات. يعني النقد وعي الوعي بذاته وقدرته على تجاوز النماذج الشائعة، والعودة إلى الأصول والأهداف الكبرى في كل المسائل التي تحتاج إلى إعادة نظر. ويعني النقد كذلك أن الوعي ما زال يحتفظ بطاقة التمنع على الاندماج في الموضوع، كما يعني أنه متحرر إلى حد ما من أسر البرمجة )، ولأنه مناط أنسنة الإنسان وبنائه، ومدخل وعي الإنسان وحضارته بل وجوده الحقيقي.

والفعل البيداغوجي المغربي يحمل في بنيته محطات بنائية وإعدادية وتخطيطية وإجرائية وأدائية، أسست خارج أساسيات المعرفة الدقيقة بالمعطيات الواقعية للمدرسة المغربية وللمتعلم المغربي وبالغايات المستقبلية، وبالتحولات المتسارعة في المجال الإنساني والحضاري. وخارج الأسس المهنية، التي يتأسس عليها المنطق التربوي. وشهد الفعل البيداغوجي المغربي ظواهر سلبية ونتائج كارثية تمثلت على الأقل في عدم القفز النوعي بالمتعلم المغربي نحو تحقيق البعد الإنساني من شخصيته، من حيث الاستقلالية في التفكير وإيجابيته. ومن حيث الإبداع والحرية في الخلق، ومازال يشهدها ضمن ما يسمى أجرأة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي استدعى البرنامج الاستعجالي لتسريع وتيرتها وتخفيض سلبياتها. ومازلنا في ذات الوقت نلمس في تطبيق البرنامج الاستعجالي إجراءات لا تستقيم مع منطوق الإصلاح، قامت على رؤى خاطئة من السياسة التربوية الحائرة؛ لسد ثغرات السياسة العامة للبلاد، وكثيرا ما نزل الضغط الاجتماعي المتمظهر في الاحتجاجات والاعتصامات والاضرابات على الحقل التربوي والتكويني المغربي بالارتجال في تقدير قيمة التربية والتكوين في المجتمع، سواء من داخل المنظومة التربوية والتكوينية أو من خارجها. وهو ما لا يجد في بعض الدواعي مبررات موضوعية للاحتجاج، لأنها تتنافى مع منطق التطور الطبيعي للأنظمة التعليمية، وتتنافى مع متطلبات المرحلة من تضحية وإيمان بالمصلحة العامة للتلميذ قبل الإيمان بمكتسب ضيق متهافت الفترات البينية عطلة ضدا على بنود القانون مثالا . مما أفقد هذا الحقل قيمته العلمية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية عند المجتمع، وأصبح متهما أمامه بسلسلة من الاستفهامات؛ آخرها: هل نضع في الاعتبار مصلحة المتعلم في السياسة التعليمية وفي برامج الهيئات والمنظمات المهنية أم لا؟ وإلى أي حد نؤمن بذلك ونعمل على تحقيق تلك المصلحة؟ وأصبح حقل التربية والتكوين يشكل عبئا كبيرا على الدولة كما على المجتمع.

و الفكر التربوي الذي يمثل في مدلوله الحضاري الشهادة الصادقة على العصر بشتى أوضاعه المجتمعية وأحواله الإنسانية، وفي مدلوله العميق الأداة الأساسية للتنمية والتحديث، أضحى في الآونة الأخيرة يتخبط في متاهات ودوائر لا متناهية من المشاكل والصعوبات التي تعبر لدى أغلب المهتمين بالفعل التربوي عن وضعية من التردي وحالة من التأزم الواضحة المعالم. وإذا كانت بعض البلدان، خاصة المتقدمة منها، قد أولت هذه الوضعية كل ما تستحقه من عناية بالغة واهتمام كبير على مستوى إيجاد الحلول المناسبة لتجاوزها والحد من عوامل استمرارها واستفحالها )، فإن منحنى حقل التربية والتكوين لدينا ينحدر من الذروة إلى المحور السيني مقتربا من درجة الصفر رغم كل المجهودات الجبارة المبذولة لإصلاحه. الشيء الذي أصبح معه هذا الحقل في أحسن أحواله حقلا لمحو الأمية الأبجدية بامتياز. وأصبح عاجزا في نظر المجتمع على ريادة هذا الأخير نحو التقدم والازدهار والنمو والتنمية. بل حتى الحفاظ على مكتسباته الإيجابية! فدفع ذلك بالمسؤولين التربويين إلى تأسيس احتفالية جديدة لهذا الحقل، تعبر عن نفسها من خلال نوافذ كبيرة للعزف، بما يجلب الناشئة وأولياء أمورهم إلى التعامل مع هذا الهيكل العظمي، بدل خلق نفس جديد في هذا الحقل، بل تكسيره بثورة علمية جديدة تعرف المنطلقات والغايات والسيرورة الفعلية لما تقوم به من فعل تربوي والتكويني، تدخ فيه دما نقيا مشبعا بالأكسجين لا بالكاربون، مؤسسة على النقد والوعي. بل على الجرأة واقتحام المجهول بكل شجاعة ومسؤولية، من منطلق حسن التدبير والمعرفة المتخصصة المفضيين إلى الإمساك بمواطن الداء وعلاجها. وقد أشار إلى هذه الأزمة التي يعيشها الحقل التربوي انطلاقا من واقعها الرث القول ( بأن السياسة التعليمية المتبعة سوف تظل تتقلب على سرير من الأشواك المسمومة التي توجع الحاضر الأليم، وتقضي بالغباوة والإقعاد والبؤس على الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي بعد سنة 2000، فلا يبقى للتعليم بعد ذلك أي جدوى إلا تخريج الآلاف من القاعدين العاطلين .

والثورة الجديرة بتطوير وتجديد الحقل التربوي، هي ثورة منبعثة من العقول المجتهدة والمجددة لا المقلدة والساكنة التي ترى في كل جديد حربا على المكتسبات. وثورة تنقل التعليم من الصيانة إلى الوظيفية، بما يعني، نقل الممارس البيداغوجي من ناقل معرفة إلى مبدع معرفة، ومتدخل فاعل في المعرفة والقيم والسلوك والعلاقات البينية الواقعة بين أطراف الفعل التعليمي. وشتان بين النقل والإبداع في الممارسة البيداغوجية! فالأولى هي مناط تعليمنا المغربي، الذي مازال تقليديا لم يبرح في أحسن أحواله السبورة والطباشير رغم التبشير بدخوله عالم المعلوميات والتقانة الإلكترونية! وأما في أرقى مظاهره لم يخرج من قاعة مجهزة بالحواسيب في غياب تفعيلها أو غياب برامج تعتمد عليها، ومازال المسكين حبيس الكتاب المدرسي المقرر من طرف الوزارة والمشدد عليه بالمواثيق الغليظة (المذكرات المركزية والجهوية والإقليمية)، ومازال يستهدف المعرفة في ذاتها معلومات ومعارف رغم تخلي الفكر التربوي عنها؛ حيث ( إن هدف التربية لم يعد هو تحصيل المعرفة، فلم تعد المعرفة هدفا في حد ذاته، بل الأهم من تحصيلها، هو القدرة على الوصول إلى مصادرها الأصلية وتوظيفها في حل المشاكل، لقد أصبحت القدرة على طرح الأسئلة في هذا العالم المتغير الزاخر بالاحتمالات والبدائل تفوق أهمية القدرة على الإجابة عنها ). ومازال يعاني المسكين ظواهر النقص والتخلف عما وصل إليه التعليم في البلدان المتقدمة؛ التي ترى أن (لا نهضة للكائن الإنساني، فردا كان أو جماعة، بدون المعرفة، إذ هي محدد من محددات الإنسانية، وكلما انخفضت المعرفة انخفضت درجة ارتقاء الكائن البشري نحو إنسانيته)، والتي أي تلك النظم التعليمية المتقدمة تعد الممارس البيداغوجي أحد مصادر المعرفة لا وحيدها. ونحن في تعليمنا المغربي مازلنا نشدد على هيئة التدريس بأن الكتاب المدرسي هو مصدر المعرفة بالنسبة لها وللمتعلم، في حين أن هذا الكتاب ما هو إلا موجه وأنيس في الأداء، لا قدسية له، ولا حصانة له من النقد التربوي والمعرفي والمنهجي، خاصة إذا كان من قبيل كتبنا المدرسية المؤلفة خارج إطار نظرية المنهاج، والنظريات المعرفية. والمليئة كذلك بالأخطاء الإملائية والعلمية والمنهجية، وذات الثقافة الهجينة والهشة واللفظية المستغرقة في المعلومة لأجل ذاتها، ف (الكتاب المقرر، والذي كثيرا ما يكون مرادفا للمنهج الدراسي، لايزال مكتظا بالوصف والسرد التقريري الممل، ومفتقرا إلى التحليل والربط والتعليل) مما يؤطر للحكي الخرافي غير الواقعي، المستمد من القول التُوتَوِيُّ ( نسبة إلى الطائر توتو إن صحت النسبة لغويا ). والذي يعيد إنتاج نفس المخرج التعليمي المؤمن بالخرافة والسذاجة والمتشابه في السحنة وطريقة التفكير والتناول العملاني في الحياة! بل ينتج نسخا رديئة مما كان قبله.؟! رغم علمه اليقين بخطورة هذا الاتجاه في التربية والتكوين، الذي ( تسعى المدرسة النقدية لعلم اجتماع التربية إلى استحداث أساليب بديلة للتفكير، وأشكال جديدة للفهم، وأنماط مختلفة للسلوك، وأبعاد جديدة للمعرفة ). ورغم أنه (لم يعد هدف التربية، هو خلق عالم من البشر المتجانس المتشابه، بل بشر متميز متمسك بهويته الحضارية وبقيمه، قادر على التواصل مع الغير، يتقبل الواقع المختلف عن واقعه، والرأي المغاير لرأيه. إن التمادي في عملية التجنيس الحضاري التي نشهدها حاليا، تهدد خصوصية الإنسان التي سرعان ما يفقدها، تحت وطأة الشائع والغالب، الذي يكتسب سلطته من شيوعه وغلبته لا من أصالته وتميزه ). ومازلنا نعيش زمن السياسة لا زمن التربية والتكوين!؟

لهذا؛ علينا بثورة تعليمية / تعلمية (تدعو إلى احترام الطالب وتقديره والاعتراف بخبراته وتمكينه من التفكير وممارسة النقد البناء لمعلمه ولإدارته ومجتمعه وتحث الطالب كذلك على الجرأة المؤدبة في طرح الرأي والدفاع عنه في مناقشته وبيانه، وتجعل المعلم واحدا من المصادر التي يتعلم منها الطالب وليس المصدر الوحيد للتعليم). بما تصقل شخصية المتعلم وتوسع مداركه وتفتح أفاق المستقبل أمامه، وتؤهله للانخراط في المجتمع عضوا حيا وفاعلا فيه. و( لابد أن تسعى لإكساب الفرد أقصى درجات المرونة، وسرعة التفكير وقابلية التنقل mobililty بمعناه الواسع، التنقل الجغرافي لتغيير أماكن العمل والمعيشة، والتنقل الاجتماعي تحت فعل الحراك الاجتماعي المتوقع، والتنقل الفكري كنتيجة لانفجار المعرفة وسرعة تغير المفاهيم).

وإذا كان الممارس البيداغوجي أحد مصادر التعليم / التعلم بل محركه الدينامي. وجب أن تمكن المؤسسة التعليمية المتعلم من كفايات البحث والدراسة ومناهجهما وأدواتهما، ولن تستطيع ذلك ما لم تكن هيئة التدريس متمكنة من تلك الكفايات، التي توجب في حقها على الأقل امتلاك الأبجديات العلمية المنوطة بها. ومنه؛ فما هي الأبجديات التي يجب أن تمتلكها الممارسة الصفية كفعل مؤهل للنشء؟ وقبل الإجابة لابد من القول بأن ما نراه في مضماره جد متعدد ومتطور ومتفاعل ضمن نسق التربية والتكوين في مستوى البنية والوظيفة، وفي مستوى الكينونة والوجود.

من بين أبجديات الممارسة الصفية:
الوعي الابستيمي بالذات وبالآخر وبالموضوع:
الوعي بالذات، ويقتضي هذا الوعي التعريف به قبل تحديد كناه بالنسبة للمدرس. وهو في اللغة من المدخل المعجمي ” و ع ي ” ويعني من بين ما يعني جمع الشئ وحواه، ووعى الحديث والقول إذا قبله وتدبره وحفظه. امتلاك الممارس البيداغوجي النظرية:
بما يفيد دلالة النظرية لغويا، والتي تعني النظر والتفكر والتأمل العقلي فضلا عن دلالتها الاصطلاحية. وبما يعني معرفة ما النظرية وأسسها الفكرية والعلمية، ومقوماتها المقولية، وتضميناتها العلمية، وحقائقها المعرفية، وحمولتها القيمية، وتجلياتها السلوكية بما يفيد بعدها الأنطلوجي، وبما يفيد جهازها المفاهيمي، وأدوات اشتغالها على حقلها المعرفي المختصة بهوبما يفيد تطبيقاتها العملية والميدانية وبما يفيد بعدها الوظيفي..
فهذا الامتلاك للنظرية، سيمكن الممارس البيداغوجي من تأسيس صرح ابستيمولوجي وميتودولوجي متمكن من مادته العلمية، ومتمكن من أدائها، فضلا عن نقدها وتصحيحها، وواع بمهنته. كما سيمكنه من تنمية ملكاته الذهنية؛ التي تجعله حاذق النظر والفكر والاجتهاد والإبداع في مادته العلمية المدرسة من جهة أولى. ومن جهة ثانية حاذق النظر في الإطار العلمي الذي يدرس به هذه المادة العلمية، والمجال الذي يشتغل فيه؛ بمعنى امتلاكه للنظرية موضوع الحقل المعرفي المدرس، والنظرية التي تبني هذا الحقل عند المتعلم، والظروف المشكلة لسياق التدريس، كما يمكنه امتلاك النظرية من تنمية وتطوير ملكاته التقنية والفنية؛ التي يغدو بها ماهرا وكفء وفنانا في أدائه الصفي، وفي إتقانه. وما يعانيه تعليمنا الحالي من اختلالات كبرى، ناتج عن غياب توطين وتبييئ النظرية المعرفية والتطبيقية في برامج التكوين الأساس لهيئة التدريس وهيئة التفتيش التربوي، مما يجعل المهنة تتخبط في الارتجال والفوضى في المقاربات العرجاء. ولسنا هنا في موقف تعداد وجوه التخبط، وإنما نذكر أن الفعل التعليمي فعل خطير جدا، والأخطر منه الارتجال فيه.
فالنظرية هي المدخل الحقيقي للممارسة الواعية؛ ذلك أن الفلسفة والفكر التربوي والسيكولوجي والاجتماعي تؤكد/يؤكد على ربط النظرية بالممارسة، وتؤمن/يؤمن بالبعد الإبستيمي لأي عمل تطبيقي أو أداء ميداني أو إجراء إمبريقي. وهذا مالينوفسكي يرى العمل اليدوي يتضمن تفكيرا نظريا غائيا، ذا أبعاد بيداغوجية وعلمية، وقبله ( منهج البحث والتفكير يقوم في المفهوم الإسلامي على التأليف بين العقل والواقع، ويعول في اكتساب المعرفة على العقل والحواس وباقي الملكات الإدراكية التي وهبها الله للإنسان ) و( اعتبار التجربة أساسا لتقدم العلم وطريقا لاكتشاف المعرفة وهذا كان من الأسباب الرئيسة للتقدم الحضاري التقني الذي نشهد انفجاره اليوم ). وكما تنطلق التجربة في بناء النظريات من حيثيات الواقع ومجموع التساؤلات المطروحة على هذا الواقع لتعريته وتشريحه، وغدا في عرفها المنطق مرتكزا على اختبار المحسوس في ضوء النظرية، واختبار النظرية في ضوء الواقع، ومنه نبع التساؤل حول علاقة النظرية بالواقع؟ ولكن ليس مثار جدال عندنا، وإنما نؤمن بأن هذه الرؤية النفعية لهذه العلاقة هي الأقرب إلى طبيعة العملية التربوية والتكوينية.

بقلم : المختار الشعالي