قلم : فيصل الزوداني

يتأرجح مفهوم المشروع بين مشروع عام يجسده المشروع المجتمعي بمختلف أطيافه ورؤاه ، ومشروع شخصي يترجم تصور الفرد للحياة .وإذا كان استبطان أبعاد المشروع يحيل على وصفه بأنه تلك القدرة على وضع وصياغة وتنزيل أفكار مستقبلية، والتخطيط لبلـورتها في الواقع بوسائل وطرق واستراتيجيات عمل، فإن المشروع ينأى بنفسه عن كونه مجرد نتاج لمجموعةمعلوماتغايتها تهييئ ظروف معينة لاتخاذ القرار. (1) ومع استحضار معطى الطفرات التي تطال أساليب التفكير والتخطيط والعمل والانتاج بالنظر إلى كونها عوامل تضع الانسان أمام تحديـات كبيرة، فإن التربية على الاختيار وعلى ثقافة المشروع تصبح أمرا لازما وضرورة حتمية ، سيما إذا علمنا أن من الانتقادات الأكثر حدة الموجهة لمنظومة التربية والتكوين هي تلك التي تؤاخذ عليها عدم ملائمتها المفترضة أو الحقيقية مع حاجات التنمية (2) .
وهنا تطرح تساؤلات عن مدى تقاطع مشروع الفرد مع مشروع المجتمع؟عن مدى احتضان المدرسة بكل أطيافها وشركائها لمشروع الفرد المتعلم ؟ عن مدى راهنية خدمات مؤسسة المدرسة،وعن مدى استشرافها لمتطلبات المجتمع المستقبلية؟ عن مدى قدرة الفرد المتعلم على التكيف وعلى إعادة موقعة نفسه في ظل كل المتغيرات ،مع ما يتطلب ذلك من ملائمة بين الاختيارات والانتظارات والإكراهات ؟كما تطرح تساؤلات أخرى أكثر التصاقا بالفرد ، بسيكولوجيته وباستعداداته وحاجاته المثارة .

فقد نتساءل عن مدى تأثير اتجاهاته وميوله على اختياراته وقراراته بشأن ما يستشرفه لمستقبله المهني، دون أن نغفل ما لإخفاقات الفرد ونجاحاته من أدوار في تعزيز أو كبح دافعيته نحو التفكير والتخطيط لمشروعه ؟

هي إذن تساؤلات ومسالك للتفكير، ارتأينا ملامستها من خلال تسليط الضوء على المشروع الشخصي للفرد المتعلم، وذلك عن طريق رصد اشكالات ورهانات بلورة هكذا مشروع في تقاطعه مع سيكولوجية الفرد ومحيطه ، ومع بيئة التعلم التي تجسدها مؤسسة المدرسة بمختلف أنظمتها.

وعلى هذا الأساس سنحاول سبر علاقة التأثير التي تربط سيكولوجية الفرد بإرساء وتنفيذ المشروع الشخصي، عبر مقاربة دور الميول والاتجاهات والتمثلات في إخراج المشروع إلى دائرة البناء و التنفيذ. كما سنقارب تأثير الصورة الذهنية التي يشكلها حامل المشروع عن نظام التكوين والتوجيه في زمن تتعمق فيه الهوة بين متطلبات سوق الشغل ومخرجات المدرسة .

المشروع الشخصي و سيكولوجية الفرد
تتأثر هندسة المشروع الشخصي للفرد، بسيكولوجيته وباستعداداته وحاجاته المثارة. ذلك أن ميول الفرد واتجاهاته نحو ممارسة مهنة ما أو التطلع إلى شغل منصب متميز، تصبح دافعا إلى التفكير في التخطيط للمشروع الشخصي وإرسائه على أرض الواقع.
هذا وإن ضعف هذه الميول أو انحسارها، بشكل ينم عن عدم الانجذاب، يصبح عامل تثبيط على المثابرة وعلى تحمل كل العراقيل التي قد تعترض تنزيل مشروعه على أرض الواقع.

ومن الأمور التي تستوقفنا في غمرة الحديث عن سيكولوجية الفرد قضية تمثلات الفرد حول المهن وتمثلاته لذاته هو.
فالفرد يدرك العالم من أفكاره، والتي تكون التمثلات جانبا مهما منها. وبالنظر إلى كونها شكلا من أشكال النشاط الذهني الذي يتم من خلاله تشكيل الفرد لملامح الواقع الذي يواجهه ، فإن التمثلات حول غالبا ما تكون عـبارة عن نسخ مبسطة ومشوهة للواقع، ومرتبطة بشكل وثيق بالأشكال النمطية التي يمررها الوسط (3) . وبهذا تصبح بعض المهن خارج دائرة اهتمامات الفرد قسرا لا اختيارا . كما يرتهن تخطيط الفرد لمشروعه بتمثلاته لذاته هو.

فعبر سلسلة من المقارنات الاجتماعية التي قد يجريها على الذات، سيما تلك التي تتخذ طابعا سلبيا نتيجة محطات من الخيبات والإخفاقات، يندفع الفرد المتعلم إلى تقييم ذاته سلبا، وبالتالي الحكم انتهاء بوقف تنفيذ مشروعه أو التخلي عنه في زحمةالإكراهات التي يحفل بها واقعه .

المشروع الشخصي والمدرسة

يرتبط المشروع الشخصي للفرد المتعلم بأنظمة المدرسة، والتي تتأثر بدورها بممارسات وظواهر تجعل صورتها في الأذهان صورة مهتزة. ذلك أن المدرسة في نظر المجتمع لم تعد قادرة على تبديد القلق تجاه المستقبل (4) ، سيما في ظل إسهام الهوة القائمة بين سوق الشغل وبين العرض المتزايد لحاملي الشهادات في تكريس هذا التمثل عن مخرجات المدرسة. ومما يجعل جاذبية المدرسة في مد وجزر، نظام التقـييم والامتحانات الذي تتم على أساسه عمليات الانتقاء سواء عند عتبات التوجيه المدرسي أو عند الالتحاق بالتكوين المهني في مختلف مستوياته أو عند ولوج مؤسسات تكوين الأطر. وهي كلها عوامل تساهم في تعطيل مسيرة نسبة لا يستهان بها من التلاميذ (5) . كما أن المتعلم حتى وإن هبت عليهم رياح التوجيه التربوي المرتكزة على الحملات الإعلامية الموسمية مع ما يطبعها من ارتجال ورتابة (6) ،فإنه يجد نفسه بعيدا عن المصاحبة والمواكبة الفردية التي تتيح له ملائمة مشروعه مع واقع انجازاته .

المشروع الشخصي وطفرات سوق الشغل
يصطدم إرساء المشروع الشخصي بواقع متغير ومتسارع . فقد أدى انحسار دور الدولة في النشاط الاقتصادي إلى بروز القطاع الخاص كفاعل رئيس في خلق وتوفير فرص للشغل. غير أن حركية التشغيل هاته لا تلبث أن تصطدم بواقع يرتهن فيه التشغيل بالظرفية الاقتصادية ، مع كل ما يعيق هذه الحركية من ضعف في الملائمة بين التكوين وحاجيات سوق الشغل .وهي كلها عوامل تنضاف إلى واقع المدرسة الراهـن، والمتمثل في ضعف الأداءالداخلي وكذاالأداءالخارجي للنظام التربوي بسبب ارتفاعمعدلالهدرالمدرسيومعدلالتكرار، ومحدوديةالولوجلسوقالشغل (7). كما أن التفاوت الحاصل بين مواصفات تكوين حاملي الشواهد وفرص الشغل المتاحة يخلق نوعا من الانتظارية لدى حاملي المشاريع الشخصية.مما يحتم عليهم إما الشروع في إدخال مشاريعهم إلى دائرة التصويب والتعديل والملائمة، مع ما يستلزم ذلك من جهد ووقت، أو الانخراط في برامج للتأهيل من أجل ملائمة تكوينهم مع المتطلبات الآنية لسوق الشغل. وهو أمر لا يرتضيه العديد من حاملي المشاريع ممن اصطدموا بواقع التشغيل وإكراهاته. إن إرساء الفرد لمشروعه الشخصي أصبح يستلزم من المدرسة اليوم أن تنشئ روادها على ثقافة المشروع وروح المبادرة، مع مساعدتهم على التخطيط لمستقبلهم، وذلك بتعبئتها لكل الامكانات والموارد والطاقات التي من شأنها مواكبة الفرد في التخطيط لمشروعه وفي إرسائه ، مع السعي لإكسابه” الكفاية التي تمكنه من التحليل الآني والمستقبلي عند كل عتبة توجيه ، لعناصر ذاته من حيث إمكانياتها وحدودها وبنية المحيط المهني بفرصه وإكراهاته “(8) .

————————————–
(*) :إطار إداري و تربوي.
1.: مشروع التلميذ الشخصي والمهني، برنامج ملائمة التعلم للحياة ،المجزوءة 11.ص : 9
2.:التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتعليم 2008، ص:72
(3) : عبد الكريم غريب، بيداغوجيا المشروع .ص201
(4) :التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتعليم 2008، ص:44
(5) :المشروع الشخصي للتلميذ بين الطموح و إكراهات الواقع، نهاري مبارك ، مقال منشور www.oujdacity.net
(6):المشروع الشخصي للتلميذ ، مصطفى شركي، مقال منشور بالمدونة الالكترونية tawjihsud.– # وصلة ممنوعة 1057 # –.
(7):ملخص التقرير الاقتصادي والمالي لسنة 2014، الصادر عن وزارة الاقتصاد والمالية ص:5
(8):المشروع الشخصي والمهني للتلميذ: المفهوم والوظائف ، منتديات