جيل المستقبل: أي خصائص؟ أي حاجات؟ رؤية استشرافية

بقلم: نهاري امبارك(*)

مقدمة:

تعتبر الأسرة اللبنة الأولى لقيام جميع المجتمعات على وجه البسيطة، ومهد التنشئة الاجتماعية، حيث ينشأ الأطفال وينهلون من التربية الأبوية، من رعاية واهتمام، بهدف إعدادهم لمواجهة متطلبات الحياة المدرسية والمهنية والاجتماعية.

فما هو واقع الطفل المغربي حاضرا؟ وما هي خصائصه وحاجاته الأسرية والتربوية والاجتماعية مستقبلا؟

استنادا إلى الواقع المعيش والمراجع المتوفرة، نحاول مناولة السؤالين المحوريين أعلاه، بهدف سبر واقع الطفل المغربي. وانطلاقا من هذا الواقع يتم، في قدر الإمكان، استشراف المستقبل بغية صياغة، بشكل مركز، مجموعة من التنبؤات والتوقعات المشروطة، اعتمادا على المعطيات المتوفرة، والمعالم الأساسية لأوضاع الطفل ومتغيراته الحاضرة، تطلعا للغد، من أجل إلقاء نظرة فاحصة على الحياة المستقبلية للطفل المغربي، وملامسة خصائصه، ومواصفاته وحاجاته الأسرية والتربوية والاجتماعية، من أجل وضع الأصبع على مقوماته، ومؤهلاته، ومدى قدراته الذاتية والتربوية، للغوص في المستقبل، وانسجامه واندماجه ومسايرته التطور التكنولوجي والتغيير المهني والاجتماعي والاقتصادي، وذلك من خلال الفقرات التالية:

1. واقع الطفل المغربي:

وعلى العموم، ومن خلال الوثائق المتوفرة، يظهر جليا، تباين مستويات العيش لدى الأسر المغربية، وبأشكال جد متفاوتة، ومتعارضة الأوضاع الاجتماعية، حيث إن أغلب الأسر ذات الدخل المتوسط أو الضعيف تعاني الهشاشة والفقر والبطالة والأمية والأمراض والتخلف الاجتماعي، الشيء الذي يقف حجر عثرة أمام تنشئة أغلب الأطفال، وتربيتهم التربية القويمة نظرا لعجزها البين عن توفير شروط العيش اللازمة، والضامنة لظروف معيشية وصحية. فديموغرافيا واجتماعيا، وفي أغلب الأحياء الحضرية الشعبية والقرى بالبوادي والمناطق النائية المهمشة، يعيش أفراد الأسرة الواحدة في بيت واحد أو اثنين، في ظروف صحية صعبة، مصادر الماء الشروب بعيدة، الإنارة الكهربائية غير معممة، قنوات صرف المياه غير موجودة. كما يعجز الأمهات والآباء عن توفير الملبس والمأكل والمشرب واللوازم المدرسية، ومتطلبات العلاج والتطبيب، فماذا ينتظر تربويا من عار وجائع ومريض صحيا ونفسيا، إلا العجز عن إحاطة الأبناء بالعاطفة اللازمة والحنان الأبوي الضامن للتربية القويمة؟

إن الأسر الفقيرة والمعوزة تنشغل أساسا بمتطلبات العيش، وتشتغل لتوفير الحاجيات الأساسية للحياة اليومية من أكل وشرب ولباس، معتمدة، غالبا، على أطفالها ذكورا وإناثا، ومنذ نعومة أظافرهم، حيث منهم، سواء في البوادي أو الحواضر، من يساعد أبويه في مختلف متطلبات الحياة، أو يعمل مقابل أجر هزيل في أي مجال كان، لتخفيف عبء المصاريف اليومية المتزايدة.

ونظرا للمستوى الثقافي الهزيل للأمهات والآباء بأغلب الأسر، وعدم وعيهم بقواعد التربية السليمة، فإنهم، من شدة معاناتهم الأمية والجهل، يجهلون أبسط أساليب الاحتضان والعاطفة الأبوية.

ومن ناحية أخرى، ونظرا لغياب التأطير التربوي والتوعية والتأهيل الاجتماعي ، وغياب الأدوار الحقيقية التربوية والاجتماعية للمؤسسات الثقافية والاجتماعية، ووسائل الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب، وعدم تحقيق برامج محو الأمية أهدافها، فإن الأطفال يعانون تصادم أساليب التربية الأسرية إلى حد التناقض والتعارض بين التربية الأبوية لمختلف الأسر من جهة، وبين التربية الأبوية لمختلف الأسر والتربية المدرسية من جهة أخرى، لنجدهم( الأطفال) تتجاذبهم ما يطلق عليه التربية التقليدية الأصيلة، وما يسمى بالتربية الحديثة المعاصرة، من ممارسات وتمظهرات متنافرة تؤثر سلبا في المسار التربوي والحياتي للطفل والمراهق والشاب والراشد على حد سواء، إلى درجة الحيرة والتشكيك والمعاناة النفسية.

إن الطبقة الاجتماعية المسحوقة، التي تعاني الفقر والأمية والتهميش، والمحرومة من الخدمات الاجتماعية الأساسية، الطبية والاستشفائية، حيث لا تتوفر على عمل رسمي، ولا ضمان اجتماعي، ولا تأمين صحي، ولا تحصل على تعويضات أو مساعدات عائلية أو إعانات صحية، وليس لها نظام تقاعد، ولا تستفيد من دعم اجتماعي، يعاني أطفالها الأمراض والحرمان، ليصبحوا عرضة للانحراف والانحلال الخلقي، من تسكع وتشرد ودعارة وشذوذ وتناول المخدرات والإدمان على التدخين، جراء تفاحش ظواهر الانحلال والتفسخ الخلقي، والطلاق وتفسخ العلاقات الزوجية، هذه الآفات تشكل العوامل الأساسية لصد الآباء والأمهات عم القيام بأدوارهم التربوية على أحسن وجه، وكبح جماحهم للقيام بواجباتهم، حيث يجدون أنفسهم مكتوفي الأيدي أمام مختلف الصعوبات الضاغطة في مختلف الميادين.

في ظل هذه الأوضاع المأزمية إعلاميا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا، والتحولات العميقة لأنماط العيش، والتطورات العلمية والتكنولوجية المتسارعة، والنمو الديموغرافي المتزايد، هل تمتلك مختلف الأسر المغربية عموما، الفقيرة منها والمعوزة على الخصوص، مؤهلات التنشئة الاجتماعية السليمة والتربية القويمة لإعداد جيل قادر على مواجهة التقلبات الاقتصادية والاجتماعية؟ وهل لديها من القدرات المادية والمعنوية ما يلزم لتوفير الحاجات الضرورية لجيل الغد لتحفيزه على التفاعل والتأقلم مع مختلف الوضعيات والاندماج في الحياة المدرسية والمهنية، والتسلح بالعلم والمعرفة ومواجهة متطلبات الحياة والانخراط في التنمية البشرية الشمولية؟

2. الأوضاع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية: نظرة استشرافية.

وتفيد ذات الوثائق المرجعية، أن فئة عريضة من الأشخاص البالغين من العمر خمسة وعشرين سنة فأكثر، لا يتوفرون على أي مستوى دراسي، وأن نسبة معينة غادرت المؤسسة التعليمية بمستويات دراسية هزيلة، ما ينذر أن ظاهرة الأمية قد تزداد تفاقما وبشكل مضطرد نتيجة الأوضاع الاجتماعية، من جهة، وطبيعة التمدرس ونوعية خدمات المدرسة، والبرامج الدراسية، وعدم نجاعة وفعالية الإصلاحات التعليمية المتوالية، ونسب الهدر المدرسي عبر مختلف الأسلاك الدراسية، من جهة أخرى.

وإذا علمنا أن هذه الفئات من الأشخاص هي التي سوف تشكل أمهات وآباء جيل الغد، فما يمكن قوله حول أطفالهم من حيث الجوانب التربوية والاجتماعية؟

أما نسب البطالة عموما، وبطالة حاملي الشواهد والدبلومات، فرغم عدم استقرارها في نسب محددة، فإن الظاهرة لا تعدو أن تؤثر على المستوى المعيشي والحياتي لدى الأسر التي لا يجد أربابها أو أفراد منها عملا قارا مدرا لدخل يفي بمختلف حاجيات هذه الأسر ويضمن لها عيشا كريما.

وتحت وطأة عوامل متعددة مادية ومعنوية ضاغطة متجلية عموما، من جهة، في ارتفاع المصاريف اليومية وارتفاع تكاليف متطلبات العيش، وتفاقم العلاقات الزوجية، جراء ظواهر التسيب والانحلال الخلقي وعدم وضوح وفعالية النصوص القانونية، من جهة أخرى، فإن ظاهرة الطلاق أضحت تغزو أسرا شتى يذهب ضحيتها أطفال أبرياء.

وأمام الانخفاض المهول للخدمات الطبية والاستشفائية ومعاناة المواطن البسيط والمستضعف في الأحياء الشعبية والقرى والمناطق النائية، من صعوبات وإجراءات التطبيب وغلاء الأدوية والخدمات الطبية جراء التدبير اللاعقلاني للشؤون الصحية، فقد أضحى الوضع ذا تأثير سلبي في فعالية نوع التربية الأبوية وجودتها وفعاليتها، حيث يرتبط بالأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للأسر.

إن مختلف المؤشرات الإحصائية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية تنذر بأوضاع أسرية غير مشجعة على عدة أصعدة، وقد تزداد تفاحشا وتفاقما ما لم يتم اتخاذ تدابير فعالة وناجعة لانتشال الأسر من براثن الفقر المتزايد والأمية المنتشرة والأمراض المنهكة، وذلك بمحاربة كل مظاهر التخلف والقضاء عليها وتوفير مختلف الخدمات الإدارية والاجتماعية، وجعلها في متناول المواطنين دون صعوبات ولا عراقيل، وشق الطرق وفك العزلة على جميع المناطق النائية وبناء الجسور والقناطر، وإرساء مشاريع وبرامج التنمية الاجتماعية والبشرية جهويا ومحليا، وربط جميع المداشر والقرى بجميع وسائل النقل والاتصال.

3. جيل المستقبل: أي خصائص؟ أي حاجيات؟

في ظل التطورات العلمية والتكنولوجية المتسارعة، والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، التي قد تزداد تباينا وتفاقما، وفي ظل التغييرات المتواترة الاجتماعية والتحولات الثقافية المتجلية في اندثار عادات وتقاليد وحلول أخرى، فإن التنشئة الاجتماعية على الصعيد الأسري قد تطرأ عليها تغيرات تختلف بين اليوم وغد، وقد تكون ذات تأثيرات على أساليب وممارسات التربية الأبوية على الأطفال، ما قد يطبعهم بخصائص ومواصفات نفسية واجتماعية وثقافية مغايرة لما تربى وترعرع عليها أمهاتهم وآباؤهم.

وقد تبرز حاجات ملحة للأطفال مادية ومعنوية تساير مختلف التحولات وعلى جميع المستويات.

فما خصائص ومواصفات أطفال الغد، التي يجب اعتبارها لتربيتهم تربية سليمة وإعدادهم للحياة المستقبلية المدرسية والمهنية والاجتماعية؟ وما هي حاجاتهم التي يجب توفيرها من أجل إقدارهم على التجاوب مع مختلف صعوبات الحياة وتجاوزها والقدرة على تحمل المسئوليات في مختلف الميادين؟

ففي ظل التحولات الاجتماعية والثقافية والمهنية المتواترة، تتجاوز الآباء والأمهات أحيانا أدوارهم الأبوية الحقيقية تجاه أبنائهم في المراحل الأولى للطفولة بخصوص التنشئة الاجتماعية، التي تتسم بحساسية مفرطة، وتلعب أدوارا هامة في تشكيل شخصية الطفل، وهذا لن يتأتى إلا بإشباع حاجاته المادية والعقلية والاجتماعية والنفسية، وغرس القيم والاتجاهات والأخلاق والسلوك القويم. وحيث إن الأمية وعدم معرفة القراءة والكتابة تنتشر بنسب هامة في صفوف الأشخاص البالغين سن خمسة وعشرين سنة فأكثر، وتحت ضغط متطلبات الحياة المتزايدة، وعدم وضوح الرؤية المستقبلية، وغياب إستراتيجية واضحة لمواجهات الطوارئ والأحداث، وعدم توفر الوسائل والأدوات اللازمة للتصدي للهشاشة والفقر، فإن الأمهات والآباء قد يجدون أنفسهم مكبلين ماديا ومحاصرين اجتماعيا، وعاجزين أحيانا نفسيا وماديا عن تأمين الرعاية الأبوية، وتوفير جميع الحاجات الاجتماعية والنفسية والعقلية والمعرفية للأطفال، من عاطفة وحنان، ولعب وتسلية، وأمان عاطفي ورعاية، وحب وتقبل الآخرين، والنجاح والتفوق، والتقدير الاجتماعي، والحرية والاستقلالية، وإثبات الذات، واكتساب المهارات اللغوية والانفتاح، وحب المعرفة والاكتشاف والاستطلاع والتعايش وسط أفراد المجتمع والاندماج في الحياة المدرسية والمهنية والاجتماعية؛

وأمام استفحال ظاهرة البطالة بشكل عام، وتدهور القدرة الشرائية لأغلب الأسر، يبدي الأمهات والآباء تخوفا ملموسا وجليا حول مدى قدراتهم المادية لتوفير الحاجات الملحة والأساسية لأطفالهم، من رعاية طبية واستشفائية، في ظل استفحال النقص الحاد في الخدمات الطبية، وضعف التغطية الصحية، خصوصا بالمناطق النائية، ونقص تغذية صحية ومتوازنة، ولباس ووسائل اللعب والتسلية من أدوات الكترونية وحواسيب ولوحات، ووسائل الاتصال من هواتف عادية وأخرى ذكية، مسايرة التطور التكنولوجي والنمو الاجتماعي. هذه الوسائل والأدوات تحدد نوع العلاقات بين الأطفال وأمهاتهم وآبائهم، وأساليب التربية، وترتبط ارتباطا قويا بالممارسات التربوية والحفاظ على المقومات الأخلاقية والقيمية والدينية، من أجل توفير الحماية اللازمة من وقع الانحرافات والممارسات السيئة وتنامي الفواحش والموبقات؛

إن عدم رضا الأمهات والآباء على غزو وسائل الاتصال واقع مختلف الأسر، من هواتف نقالة متطورة ولوحات إلكترونية وأثرها على وجود أطفالهم والاستحواذ على نفسيتهم والتأثير في تربيتهم، يقلق راحتهم ويعقد وضعهم تجاه أبنائهم، حيث إن عجز الأمهات والآباء على توفير هذه الأدوات والوسائل المتطورة، يؤثر سلبا في تعاملهم مع أبنائهم، وينمي مظاهر الحقد والتنافر والرعونة، إذ يشعر الأطفال بالاحتقار والتهميش والدونية والحرمان والنقص بالنسبة لأقرانهم، فيتمردون على آبائهم ويشقون عصا الطاعة، إلى حين توفير الحاجات المرغوب فيها ليشعروا بالاطمئنان ومضاهاة زملائهم؛

وهكذا يعتبر التطور التكنولوجي والإعلاميائي سيفا ذا حدين، حيث ينعكس سلبا على جميع الأطفال، خصوصا على أبناء الطبقة الاجتماعية المعوزة، فتؤثر هذه الوضعية على تربيتهم وتنشئتهم الاجتماعية، كما تؤدي إلى توتر علاقاتهم بأمهاتهم وآبائهم، خصوصا في ظل غياب المراقبة وحسن الاستعمال وغياب الوسائل التكنولوجية الحديثة بالمؤسسات التعليمية، حيث تصرف الأطفال عن الأهم في حياتهم الدراسية والمعرفية. إن هذه الوضعية المتناقضة تحرج الأمهات والآباء وتقلقهم وتجعلهم في حيرة من أمرهم، فيرون الغد بمنظار شؤم، خصوصا مع عدم التوافق والتناغم بين استعمال الأطفال لهذه الأجهزة والأدوات الديداكتيكية والتعليمية، التي يتراءى لهم أنها قد تبقى عتيقة ولا تساير التطور التكنولوجي والعلمي، ما قد يضع الأطفال في وضعيات التناقض المؤدي إلى فقدانهم الثقة في واجبات الأمهات والآباء، وأدوار المدرسة والحط من قيمتها التربوية والتعليمية؛

وقد أدى التطور التكنولوجي والإعلاميائي إلى تنامي تخوفات الأمهات والآباء من عزلة أبنائهم وانطوائهم وشعورهم بالاغتراب داخل أسرهم، جراء استعمالهم المفرط للأدوات الإعلاميائية والإلكترونية من حواسيب وهواتف مرتبطين بمواقع جذابة ومتعددة الاهتمامات على الأنترنيت، حيث يقضون معظم أوقاتهم في التعامل معها يوميا، دون اجتماعهم حول طاولة، أو تبادل الحديث والإنصات إلى تجارب وخبرات أفراد الأسرة الأكبر منهم سنا، أو التعاون في المجال المدرسي على تبادل المعرفة وإنجاز التمارين وإعداد الدروس بكيفية جماعية؛

كما أضحى الأمهات والآباء يبدون قلقا جليا حول النقص الملموس في خدمات التعليم الأولي، والتناقض الواضح الحاصل بين الممارسات التربوية الأسرية، وممارسات مؤسسات التعليم الأولي، الموزعة بين التقليدي منها والعصري، حيث لا بنيات ولا برامج ولا خطابا ولا طرائق ولا لغة موحدة، ما يؤثر سلبا، من جهة، على التربية الأسرية والممارسات التربوية للأمهات والآباء، وعلى مستوى التحصيل الأولي عند الأطفال الذي يظهر جليا منذ التحاقهم بالسنة الأولى من السلك الابتدائي من جهة أخرى؛

ويظهر جليا الاستياء المتزايد للأمهات والآباء من وسائل الإعلام المرئية، التي تؤثر، في اعتقادهم، سلبا على التربية الأسرية والمتعارضة مع ممارسات ورثوها عن أجدادهم، والتي تسهم في نشر العنف والانحلال الخلقي والسلوكات الخشنة والمعاملات السيئة، من خلال أفلام أو وصلات إشهارية تمس القيم والأخلاق السليمة؛

وقد تتنامى النظرة التشاؤمية للأمهات والآباء حول تفشي ظواهر مشينة وموبقات تتجلى في استفحال ظواهر العنف والانحلال الخلقي، وتناول المخدرات، وانتشار الفساد، والنصب والاحتيال، وهضم الحقوق، ما يزيد من هاجس تخوفات الأمهات والآباء، حيث يرافق أغلب الأمهات أطفالهن إلى المدرسة، ومنهن من يقضين زمن الحصة الدراسية بباب المؤسسة ينتظرن خروج التلاميذ، ليعدن مرة أخرى رفقة أبائهن إلى المنزل. هذه الوضعية قد تنذر بمصير لا يبعث على الارتياح مستقبلا، ما يجعل نظرة الأمهات والآباء تتسم بالغموض وعدم وضوح الرؤية المستقبلية وتنامي هاجس الخوف والذعر، وما قد يشكل عوامل إحباط واضطرابات نفسية لدى الأمهات والآباء جراء الأوضاع الحالية وتصوراتهم المبهمة التي يخيم عليها الغموض وعلى الأوضاع القادمة ومدى آثارها على أطفالهم ومستقبلهم التربوي والمدرسي والمهني والاجتماعي؛

ويبدي المجتمع قاطبة والجمعيات المدنية والتنظيمات الاجتماعية قلقا جليا حول مصير الأطفال ضحايا الطلاق، والأطفال المتخلى عنهم والمتسكعين، الذين يجوبون الشوارع ويعيشون على التسول والقمامة، ينهكهم التدخين وتناول المخدرات، خصوصا، إن مؤشرات إحصائية تبين ارتفاع نسب الطلاق والأمهات العازبات، مع عدم قدرة المؤسسات الاجتماعية على استيعاب هذه الأعداد، وعدم توفر المؤسسات الخيرية الكافية لاحتضان جميع الأطفال، وتوفير لهم التربية والعناية اللازمتين، لتربيتهم وإعدادهم للاندماج في الحياة المدرسية والتكوينية والمهنية، من أجل انتشالهم من براثن الاستغلال أو الارتماء بين أحضان التهريب والانحراف المؤثرين سلبا على التنمية البشرية والاجتماعية؛

خاتمة:

من خلال رؤية استشرافية تندرج في إطار تخيل وحلم وأحكام استباقية واستعداد لمعانقة غد غير بعيد، وتغوص في مسارات زمنية مستقبلية، وانطلاقا من أوضاع أسرية واجتماعية قد تزيد تفاقما، لا يسع المرء إلا التساؤل، بكثير من الأمل والتفاؤل، حول مصير أطفال الغد ومستقبلهم التربوي والاجتماعي، الذي قد تعلوه ضبابية سحب ملبدة أكثر مما هو عليه، حيث لا توجد بوادر ومؤشرات مشجعة وملموسة تبشر بالقضاء على وضعيات الأمية والفقر والهشاشة والعطالة، لتحسين الأوضاع المادية للأسر، آباء وأمهات أطفال الغد، جيل الغد، وبالتالي تحسين أوضاع أطفالهم التربوية والاجتماعية، وتوفير لهم مختلف الحاجات النفسية والمادية، وإعداد العدد الكافي من المؤسسات الاجتماعية التي تحتضنهم وتؤطرهم، وترسخ خصائصهم النفسية والتربوية والقيمية، كما يسجل بشكل جلي ضعف العرض التربوي من خلال محدودية عدد الأطر الإدارية والتربوية، وعدد المؤسسات التعليمية والمهنية المؤهلة بنايات وتنظيما تربويا وإداريا وتقنيا، التي قد تسهم بشكل أو بآخر في إنقاذ جيل الغد من براثن الجهل والأمية وتؤهلهم مهنيا واجتماعيا لمواجهة الحياة وتجعل منهم مواطنين صالحين لأنفسهم ولمجتمعهم.

المراجع:

  •  الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014، المندوبية السامية للتخطيط، الرباط، المغرب؛
  • محمد مومن، الأسرة المغربية بين تحديات العولمة وتحولات المجتمع، جريدة التجديد، 2012؛
  • تقرير الخمسينية، المغرب الممكن، إصدار اللجنة المديرية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، إصدار مطبعة دار النشر المغربية، 2006، الدار البيضاء؛
  • محمد مصطفى القباج، الطفل المغربي وأساليب التنشئة الاجتماعية بين الحداثة والتقليد، دفاتر في التربية، منشورات رمسيس،1997، الرباط؛

(*) مهتم بالقضايا التربوية والاجتماعية.