للأسف، وصلنا للقرن الحادي والعشرين وما زلنا ننظر إلى التعليم المهني نظرة دونية مختلفة عن نظرتنا للتعليم الجامعي أو الأكاديمي.

فيعتقد كثير من أولياء أمور الطلاب في الدول العربية أن التعليم المهني لا قيمة له، وأن من يلتحق به طالب فاشل لم يتمكن من الحصول على درجات عالية، فلم يجد أمامه سبيل سوى الالتحاق بالتعليم المهني، ونتيجة لذلك يلجأ الكثير من الطلاب إلى الالتحاق بالتعليم الجامعي أو الأكاديمي، فنحصد في النهاية جيل كبير من الطلاب في الجامعات بعضهم تخرج والبعض الآخر متكدس في مقاعد الدراسة لم يتمكن من التخرج.

ولم يقتصر الأمر على نظرة أولياء الأمور السلبية للتعليم المهني فقط، بل يمتد الأثر إلى مؤسسات الدولة التي يجب أن تراعي كلا الجانبين المهني والأكاديمي معًا. ولكن للأسف تهتم المؤسسات التعليمية بالتعليم الجامعي وتتغافل عن أهمية الكنز المدفون “التعليم المهني”، فيا ترى ما السبب؟ ولمصلحة مَن تحجيم الدور العظيم الذي يلعبه التعليم المهني في اقتصاد وتنمية المجتمعات؟، ولماذا نتعمد تجاهل دور التعليم المهني في إحياء المجتمع وقوامه؟.. فلنلق نظرة ونبذة بسيطة عن دور التعليم المهني، لعلنا نعيد النظر إلى الأمر مرة أخرى..

هل تعلم أن التعليم المهني كان حجر الأساس الذي ساهم في بناء عدة دول انتكست في الحروب العالمية مثل: اليابان وبريطانيا وألمانيا؟

ألم تدرِ بأن سوق العمل في الآونة الأخيرة أصبح بحاجة ملحة إلى العثور على فنيين من مختلف التخصصات الفنية والتقنية لنهضة البلاد؟

ألا زلت بحاجة إلى دعم أفكارك لتغيير وجهتك السلبية عن التعليم المهني؟، لا بأس، فقط دعني أصطحبك في جولة متعمقة لدراسة مفهوم التعليم المهني، وأهم مميزاته التي يغفل عنها الكثير، ومتطلبات سوق العمل الحالي، ولماذا يهرب منه الكثير من الطلاب العرب؟..

أولًا: مفهوم التعليم المهني أو الفني
يعد التعليم المهني أو التقني نوع من أنواع التعليم النظامي، الذي يهتم بالمقام الأول بالإعداد التربوي للطلاب وإكساب المهارات والمعرفة المهنية، والذي يقوم به عدة مؤسسات تعليمية نظامية من أجل إعداد جيل من العمال المهرة في شتى التخصصات التجارية والصناعية والصحية والفنية والزراعية.

فيهتم التعليم المهني بإعداد الطلاب من أجل تدريسهم حرفة أو عمل مهني وفني معين، مثل: الهندسة والطب والتمريض والمعمار وإتقان بعض الحرف كالنجارة والزراعة والكهرباء وصناعة الحلي والمجوهرات والحدادة والسباكة وجميع أنواع الحرف التي تستند إلى أنشطة يدوية أو عملية غير تقليدية ذو طابع أكاديمي.

وعادة يبدأ التعليم المهني في المرحلة الثانوية ويستمر إلى ما بعد الثانوية أي مرحلة التعليم العالي، فغالبًا ما يتم توفير كليات ومعاهد متخصصة لتشمل التعليم المهني وتخصصاته. ويقوم بتدريس الطلاب باقة من أفضل الأساتذة المعتمدين والفنيين لتعليمهم الحرف المختلفة.

ثانيًا: أسباب عزوف الطلاب عن التعليم المهني
بحسب بعض الدراسات والأبحاث والمناقشات التي أجريت في الآونة الأخيرة حول المشكلات التي تعاني منها أنظمة التعليم في الدول العربية، قد تبين عدة أسباب أدت إلى عزوف الطلاب عن الالتحاق بالتعليم التقني والمهني منها:
1- لا يلتحق غالبية الطلاب العرب إلى التعليم المهني أو التقني عن قناعة ورغبة لكونهم يشعرون بالحرج، ويرجع ذلك إلى الفصل القسري بين التعليم العام (الأكاديمي) والتعليم المهني أو الفني اعتمادًا على درجات الشهادة الإعدادية.
2- يجهل الكثير ماهية التعليم المهني والفني ومفهومه الصحيح، ودوره في بناء المجتمع، وذلك بسبب غياب الوعي والإرشاد والتوجيه المهني.
3- في غالبية الدول العربية، لا ترتبط المناهج الدراسية للتعليم المهني بالواقع العملي للمهنة، علاوةً على عدم ملائمة البرامج التعليمية المختلفة لمتطلبات سوق العمل الملحة، وبالتالي يتخرج الطالب من التعليم المهني غير قادر على مواكبة سوق العمل الحر.
4- ارتباط التعليم المهني في معتقد الكثير بفكرة الفشل الدراسي، وأنه لا يؤمن المستوى الاجتماعي والدخل المادي المرجو.
5- لم توفر طبيعة نظم التربية والتعليم المرونة الكافية لإفساح المجال أمام الخريجين من نظم التعليم الفني والمهني بمتابعة دراستهم لمراحل أعلى. فعلى سبيل المثال: في أنظمة التعليم المهني بالدول العربية، لم يتمكن خريجي التدريب المهني من التقديم لامتحان الثانوية المهنية، وبالنسبة لخريجي الثانوية المهنية فإن فرصهم محدودة جدًا لإكمال دراستهم الجامعية.

ثالثًا: مشكلات التعليم المهني في الدول العربية
1- تعدد الجهات المشرفة على التعليم المهني والفني والتقني: حيث تقوم أكثر من وزارة أو هيئة بالإشراف على التعليم والتدريب المهني وإدارته في المرحلة الثانوية، بالإضافة إلى وزارة التربية والتعليم عادةً، وبلا شك تعدد الجهات والمراكز والهيئات المشرفة على المدارس والمعاهد الفنية يؤثر بشكل كبير على مستوى الخريجين.
2- متطلبات سوق العمل: حيث تعاني الكثير من الدول العربية من عدم توافر برامج قوية وأنظمة لسوق العمل ليغطي الطلب على القوى العاملة والعرض منها، أو عدم توافر نظام معلوماتي قوي ييسر عملية الموازنة بين العرض والطلب.
3- نظرة المجتمعات العربية لنظام التعليم المهني أو الفني: حيث ساهمت أنظمة التعليم في الدول العربية بشكل كبير على تكوين تلك النظرة السلبية للمجتمع نحو التعليم الفني أو المهني، فيشكل خيار التعليم الفني أو المهني خيار من لا خيار له بناءًا على الدرجات التي قام بتحصيلها الطالب في المرحلة الابتدائية، حيث يلتحق الطلاب ذوي الدرجات المرتفعة بالتعليم الثانوي الأكاديمي، بينما يلتحق من لم يستطع تحصيل درجات عالية بمدارس التعليم المهني أو الفني.
4- لا يتسم نظام التعليم التقني والمهني في الدول العربية بالمرونة، إذ لم يوفر فرصة للتناوب أو الدراسة المسائية للجمع بين العمل والدراسة أو التعليم الموازي للعاملين في قطاع الخدمات والإنتاج على سبيل المثال.

5- لا تتعاون مؤسسات العمل الحر والإنتاج بالقطاع الخاص في تمويل التعليم والتدريب المهني، حيث غالبًا لا يسمح للطلاب بالتدريب في مرافقها المختلفة.

رابعًا: اقتراحات وتوصيات إلى مؤسسات التعليم المهني في الوطن العربي
نداء إلى جميع مؤسسات التعليم والتدريب المهني، لعل من مستجيب إلى الواقع الفعلي والعملي ومتطلبات سوق العمل لنهضة البلاد، شجعوا طلابكم على الالتحاق بالتعليم المهني والتقني من خلال المقترحات التالية:

يجب رفع نسبة الخريجين الأوائل لطلاب التعليم الفني والمهني لدخول الجامعات، بدلًا من اقتصار الأمر على التحاق الخمسة الأوائل فقط من كل محافظة بالجامعات.
يجب تشريع عدة مؤهلات وقرارات تنفيذية تضمن لخريجي التعليم المهني وظائف مناسبة في سوق العمل.
يلزم التنسيق بين مؤسسات التعليم والتدريب المهني وبين شركات ومؤسسات القطاع الخاص لتدريب الطلاب المهنيين من خلال عقد ورشات صيفية للطلاب لإكسابهم الخبرات اللازمة والتعرف على متطلبات سوق العمل، ويفضل أن يتم توفير أماكن لهم للعمل بعد التخرج.
ضرورة التفكير في تقليل حجم البطالة من منظور آخر، فبدلًا من تضخم المشكلة يومًا تلو الآخر دون جدوى، فكر في استقطاب الشباب وتطويعهم لدراسة التعليم الثقني والمهني حتى يتخرج طالب ذو حرفة قادر على العمل في أي مؤسسة تتطلب تخصصه.

المصدر: “كتاب واقع التعليم المهني والتقني ومشكلاته في الوطن العربي”

أماني نبيل arageek