في ظل الانفتاح الذي يشهده العالم الحديث، وفي ظل التطورات والاختراعات والابتكارات المتجددة، أصبح التعليم بوجه عام بحاجة إلى استراتيجية جديدة لإحداث طفرة فعّالة في مجال العلم والتعلم.

ولأنَّ مرحلة التعليم العالي هي مرحلة تشكيل وتكوين الخبرة والمهارة اللازمة لمواجهة احتياجات سوق العمل، ففي الواقع أمامنا دربين متباينين على الطالب أن يختار أيهما أفضل من حيث الاستفادة، واكتساب الخبرات، ومتطلبات العمل في المستقبل.

وينقسم التعليم العالي في كثير من الدول العربية إلى شقين وهما: التعليم المهني والتعليم الجامعي.

فيكون على الطالب أن يتريث قليلًا ويفكّر، ما هي متطلبات سوق العمل؟ كيف يكون التعليم العالي فعالًا؟ هل يجب أن ننخرط في التعليم المهني أم التعليم الجامعي؟

وقبل أن نبدأ، نود التعرف على ماهية التعليم المهني والتعليم الجامعي حتى يتيسر لنا الاختيار، والتعرف على كلٍّ منهما بصورة أوضح.

التعليم المهني أو الفني:
المقصود بالتعليم المهني هو علم يهدف إلى إكساب الفرد قدرًا عاليًا من المهارات والمعلومات الفنية والثقافة التي تمكّنه من إنجاز المهام بدقة وعلى أكمل وجه، حيثُ تتضمن الخطة الدراسية للتعليم المهني موادًا نظريةً وفنيةً، تطبيقات وتدريبات عملية واضحة.

عادةً يبدأ التعليم المهني في الدول العربية بعد إتمام الشهادة الإعدادية، حتى وإن كنت تحصل على شهادة الثانوية العامة، فيمكنك الانتساب لإحدى دراسات التعليم المهني. كذلك، يمكن للفرد أن يلتحق بالدراسة المهنية أثناء مزاولة عمله.

تكمن أهمية التعليم المهني في قدرته على تأهيل الأفراد والمتدربين لشغل مهن أو وظائف لكافة المستويات، سواءً بالتجارة أو أعمال حرفية أو وظائف بالمحاسبة والهندسة والطب والإدارة والقانون والصيدلة، وغيرها من المجالات الواسعة.

وفي الآونة الأخيرة أصبح سوق العمل أكثر طلبًا للحرف والمهن، واشتد التنافس في المجتمع، وبدأ الاقتصاد يتطلب أعلى مستويات من المهارة، حيثُ تقوم الشركات والحكومات والمؤسسات بدعم التعليم المهني لاستثمار نتائجه في المستقبل.

وبناءً عليه، في مستوى ما بعد الدراسة الثانوية، تدعم كليات المجتمع المحلي والمعاهد الفنية المتخصصة ومعاهد التكنولوجيا وغيرها كافة مستويات التدريب المهني في الحقول الميدانية المتخصصة المختلفة.

ولذلك يُعتبر التعليم المهني هو طوق النجاة من البطالة التي تجتاح بعض الدول العربية، ويمثل أيضًا كنزًا ثمينًا لمن يرغب بإبراز مواهبته وحرفته لمنافسة دول العالم الغربي.

وبالرغم من النظرة المجتمعية السلبية عن أهمية التعليم المهني، إلَّا أنَّ هناك الآلاف من الطلاب سنويًا يلتحقون بالتعليم المهني، بالرغم من التفوق الأكاديمي لما للتعليم المهني من أهمية كبيرة تقي الفرد من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها بعض الدول.

ولعلّ استراتيجية التعليم المهني بحاجة إلى تطوير ودعم وتغيير المعتقدات السائدة تجاهه. تلك، المعتقدات والأفكار التي شوهت فكرة التعليم المهني والتقليل من أهميته، مما جعل الكثير من الطلاب يرفضون الانتساب بأيِّ طريقة للتعليم المهني، بالرغم من حاجة الدول دومًا إلى الصناعات والمهارات والخبرات لتخفيف نسب البطالة، وتقليل العمالة الوافدة، ولمنافسة سوق العمل بقوة.

التعليم الجامعي أو الأكاديمي:
يُعتبر التعليم الجامعي هو مرحلة التعليم الحقيقي، حيثُ أنَّه من المفترض أنَّ مراحل التعليم قبل الجامعي تسمى مرحلة التعليم الأساسي، وهي مرحلة تدريب الطالب على تلقي المعلومات واستيعابها وكيفية البحث عنها، حتى يتأهل الطالب فيما بعد للخوض في المرحلة الجامعية. كذلك، تُعتبر مرحلة التعليم الجامعي هي مرحلة التثقيف الذاتي، والقدرة على التعلّم، والبحث عن المعلومات.

يتميّز التعليم الجامعي أو الأكاديمي بتعدد فروعه وتخصصاته بين الطب والهندسة والصيدلة والقضاء والمحاسبة وغيرها، والتي هي أساس قيام الدول والشعوب.

وبالرغم من تعدد مزايا التعليم الجامعي أو الأكاديمي، إلَّا أنَّ المنظومة التعليمية الجامعة ككل افتقرت لكلِّ أشكال التعليم الصحيح، حيثُ أصبح التعليم يعتمد أيضًا على التلقين والحفظ والدرجات، وللأسف لا تساعد هذه الطريقة على الإبداع والابتكار والتحليل، فربما نجد الكثير من الخريجين بدرجات تفوّق لا يفقهون شيئًا عما تمّ دراسته لمدّة 4 سنوات أو أكثر.

وللأسف يتسم التعليم الأكاديمي في كثير من الدول العربية بمحدوديته، حيثُ أصبح التعليم الأكاديمي يقتصر على قبول نسبة معينة من الطلاب القادرين والراغبين في التعلّم الجامعي.

ونظرًا لأهمية التعليم الأكاديمي، فإنّنا بحاجة ملحة لتطوير وتنظيم العملية التعليمية أكثر وأكثر، ومراقبة جودة التعليم باستمرار لتلائِم احتياجات سوق العمل ومتطلبات المستقبل، فالدول لا تقتصر احتياجاتها على خريجين جامعيين أكاديميين فقط، أو خريجي جامعات مهنية فقط، بل باستقامة الفرعين سويًا.