حقيبة المتعلم (l’e-portfolio): وسيلة مهمة لا زالت غير مستعملة بين صفوف المتعلمين، رغم أن الحديث حولها بدأ منذ مدة لابأس بها، من طرف الفاعلين التربويين، على المستويين المدرسي والجامعي، وأصبحت هذه الوسيلة تفرض نفسها في الآونة الأخيرة، لأنها تستجيب للحاجات المعبر عنها عبر طرق التفكير الجديدة حول التكوين وتقاسم المعلومات المجمعة والمنظمة، التي تعكس حصيلة الكفاياتbilan de compétence ، والملكات المعبرة عن الحوافز والمهارات التي تحدد وتبلور معالم المشروع الشخصي والمهني.
إن القدرة على اتخاذ قرار الاختيارات التربوية و المهنية يعتبر من بين الكفايات الأساسية بالنسبة لكل متعلم، الذي يجب أن يكون مسؤولا عن اختياراته عبر مشاركته النشيطة والفعالة في بناء وتنظيم المعلومات حول الدراسة والتكوين، وحول المهن، وكذا التفكير كفاعل في مساره المستقبلي، حول الذات فيما يرتبط بالشخصية، بالذوق وبإمكانات التوجيه المتاحة.
و من بين مكونات حقيبة المتعلم(l’e-portfolio): حصيلة الكفايات bilan de compétence، والتي تتضمن مختلف الكفايات المكتسبة، واتجاهات التفكير المعلنة، والهوية اعتمادا على معلومات متنوعة و ذات أبعاد مختلفة: معرفية، عاطفية، اجتماعية، ثقافية وعملية.
و يقر بيرزونسكي Berzonsky (2003) في أحد مقالاته ما يلي:” يلعب الأفراد نفس الدور في البناء لما يعتقدونه واقعا معاشا، بحيث أن التأويلات الشخصية للتجارب المعاشة، هي التي تشكل واقع الأشخاص وليس ما يقع من أحداث”، فالوسط المهني مثلا يتطور بشكل سريع وفي بعض الأحيان بشكل مفاجئ ومثير، ويتطلب مهارات التكيف و التموقع مع المتغيرات الطارئة، واليوم نلاحظ أن المهن التي يتم التوظيف فيها أكثر لم تكن موجودة في سنة 2000، مما يدل على أن إشكالية التوجيه لا يمكن حصرها في اختيار مهنة معينة مدى الحياة، مما يتطلب اكتساب كفايات أخرى لمواجهة التغيرات السريعة والمتتالية والمعقدة وغير المتوقعة.
وإذا نظرنا إلى التكوين الأساس، نجد أنه لا يهيئ المتعلمين بكيفية كافية، لأنه يرتكز على تمرير المعرفة النظرية فقط، إلا أن الكفاءة اليوم تقاس بالقدرة على نسج علاقات تفاعلية ديناميكية بين مختلف المعارف النظرية و العملية، لأن تنمية الكفايات المكتسبة تبقى محدودة، إذا كانت لا تمكن بالموازاة مع ذلك من التفكير في الذات من أجل وضوح الرؤيا، و من خلال تبني مبادرات شخصية تطوعية تتطلب الالتزام والفعل الذي يغري المشغل بالاهتمام.
غالبا ما تكون الصورة حول الذات غير مكتملة، بحيث نجهل الكثير عن قدراتنا وإمكاناتنا، وعندما نعمق الاشتغال على استكشاف عوالم الذات، يتم اكتساب الكثير، وسيساهم ذلك في تحقيق الأهداف وتدبير جيد للمشروع الشخصي والمهني.
هناك جوانب متعددة تتعلق باستكشاف الذات، من أجل إبراز الملكات، الحوافز، الإمكانات ومكانيزمات النجاح يمكن تسخيرها لخدمة سيرورة التوجيه، كما يمكن العمل على تحديد الجوانب التي تحتاج إلى تطوير، وتحسين، وتجاوز، وإدراجها ضمن خطة تنفيذ المشروع الشخصي.
وعلى العموم فإن ما يعرفه المتعلم عن آرائه، أفكاره، أذواقه، قدراته، مبادئه، معتقداته وقيمه يبقى محدودا وثانويا، ولا تعطى لهذه المعرفة ما يكفي من الاهتمام اللازم، ويتم التصرف دون استحضار الأشياء التي تحفز، و الاكتفاء بالتقديرات العشوائية التي تدخل في إطار الاتجاه العام، كما يجد المتعلم صعوبة في تقبل نقط ضعفه، وكذا الصورة التي يعكسها الآخر تجاهه.
وتعتبر المعرفة الجيدة حول الذات، سبيلا لاكتشاف موقع ومكانة الفرد داخل المجموعة التي ينتمي إليها، وهذا يحدد ويحفز المتعلم على الفعل وعلى تحديد الاختيارات، ويشجع على الرفع من المعنويات، وتحسين طرق الاشتغال، وتكوين صورة إيجابية حول الذات، والدخول في تفاعل اجتماعي مع المحيط، مما يشجع على الاندماج في الوسط السوسيومهني، والتأقلم مع مستلزمات وشروط ومتطلبات هذا الوسط.
و يعرف الجميع ومنذ مدة أن الخريجين الحاملين للديبلومات والشهادات الخاصة بالتعليم الأساس، والتي تكون غير مرتبطة بواقع عالم الشغل وبثقافة المقاولة، يتخرجون وهم في وضعية هشاشة على مستوى الكفايات المهنية، ويواجهون صعوبات في التكيف مع مستجدات، وتغيرات الواقع، فسيجدون أنفسهم في حيرة تجاه عوالم تتميز بعلاقات تنظيمية وبشرية جديدة، لها متطلبات ومستلزمات أخرى، تبرز جليا من خلال شروط التوظيف، التي تجعل الباحث عن الشغل غير مسلح بما فيه الكفاية، لتلبية هذه الشروط، و عند العبور إلى عالم الشغل والاندماج السوسيومهني، تصبح إمكانات التجاوز صعبة التحقق، و ممزوجة بالشعور بالقلق، والضغوطات النفسية، والشك في القدرات الذاتية، ويبرز البون الشاسع بين الأستاذ في القسم، والرئيس المباشر في المقاولة، لأن الأول وجد للتكوين، والثاني للقيادة، والفرق بينهما شاسع.
و في هذا الاتجاه، تعتبر معرفة الذات، ورد فعلها تجاه تعقيدات المحيط، من بين شروط التأقلم مع عالم الشغل: وهنا يتعلق الأمر بتحديد الموارد، وتوقع الاستراتيجيات، لذلك لابد من إضافة التربية على التوجيه بالموازاة مع التعلمات النظرية، لأن التربية على التوجيه تتيح الفرصة للتفكير العملي التطبيقي، والموضوعاتي المرتبط بالبيئة المهنية وبالشغل، من أجل استكشاف المهن وملامسة واقع عالم الشغل.
إن ارتياد المقاولة من خلال التداريب، يساعد المتعلم وكذا الباحث عن الشغل، على إعداد مشروع مهني، يتضمن مشروع تكويني وكذا بلورة خطة للعبور إلى عالم الشغل الذي يتطور باستمرار، مما يفتح الباب أمام اللا متوقع، ومن الحكمة تغيير ألبراديكم حول التعامل مع سيرورة تطور الذات، و ومع التطور السريع للمجتمع.
وحتى يتسنى مسايرة الركب، من الأفيد الاشتغال على أسلوب مواكبة المتعلمين، ليس فقط من أجل دعوتهم للتفكير انطلاقا من التمثلات حول مختلف المهن، ولكن دعوتهم أيضا لمراجعة سيرتهم الذاتية، وما راكموا من تجارب لاستنتاج المعلومات الخاصة بهم، والتي يمكن أن ترسم معالم أنشطتهم المهنية في المستقبل.
في الختام يمكن القول أن حصيلة الكفاياتbilan de compétence تعد سيرورة ديناميكيتا من خلالها يتمكن المتعلم من تعبئة موارده، مستفيدا من خدمات المواكبة التربوية الملائمة، والتي تساعد على إنضاج مشروعه الشخصي والمهني، وفي هذا الصدد تعد حقيبة المتعلم (l’e-portfolio)، وسيلة لترصيد الكفايات والممارسات الجيدة على مختلف المستويات بالنسبة للمتعلم وكذلك بالنسبة للباحث عن الشغل.
ويبرز التطور التكنولوجي في مجال استعمال وسائل الاتصال والتواصل وكذا في مجال التعلم الرقمي، مظاهر التجديد المختلفة في سيرورة تدبير المسارات الاجتماعية، والمهنية المتعلقة بالمتعلم، و التي يمكن أن تنتظم وفق ثلاثة مراحل:
– مرحلة أولية موجهة للمصادقة على التزام المتعلم بالاستعلام حول شروط مجريات حصيلة الكفايات؛ – مرحلة الاستقصاء تمكن المتعلم من التفكير في الذات لتحديد وتحليل حوافزه ميولاته، وتوضيح كفاياته ، و إمكانات التطور والتكوين لديه؛ – – مرحلة نهائية تمكن من التعرف على المعطيات المجمعة خلال مرحلة الاستقصاء، وتحديد اختيارات مشاريع التكوين.

المراجع:

  • Astolfi, J.-P. (1996). Mettre l’élève au centre, oui, mais au centre de quoi ?, dans Sens du travail scolaire et construction des savoirs : quelle place pour lesenseignants ? Quelle place pour les élèves ?, Actes duForum 1995 de l’enseignement primaire (p. 11-32), Genève, Département de l’instruction publique.
  • Berzonsky, M. (2003). The structure of identity: Commentary on Jane Kroger’s view of identity status transitions. Identity. An International Journal of Theory and Research, 3, 231-245.
  • Cohen-Scali, V. et Guichard, J. (2008). L’identité : perspectives développementales. L’orientation scolaire et professionnelle, 37(3), 321-345.
  • Hamdi, A. (2010). Éducation à l’orientation et TIC. Berlin : Éditions universitaires européennes.
  • Lafortune, L. et Deaudelin, C. (2001). Accompagnement socioconstructiviste. Pour s’approprier une réforme en éducation, Sainte-Foy : Presses de l’Université du Québec.
  • Perrenoud, Ph. (2001). Former à l’action, est-ce possible ?, Université de Genève, Faculté de psychologie et des sciences de l’éducation.♦