أكدت عدة نظريات في التعلم العلاقة القائمة بين النجاح الدراسي والاهتمام والمعنى الذي يمنحه المتعلم(ة) للمعرفة، باعتبار أن الاهتمام يشكل عاملا مؤثرا على الإقبال على المعرفة. لذا يبدو من الضروري التساؤل حول نوع المعرفة التي تكون لها معنى لدى المتعلم(ة) وتجلب اهتمامه. أي تحليل علاقة المتعلم(ة) بالمعرفة التي يقدم عليها أو يرغب في اكتشافها أو تجريبها. ولا ريب أن نفور أو جلب اهتمام المتعلم(ة) يرتبط بمدى التوافق أو التفاوت بين العلاقة بالمعرفة القائمة بالمدرسة والعلاقة بالمعرفة لدى المتعلم(ة).

إن العلاقة التي ينشئها المتعلم(ة) بالمعرفة تتأسس انطلاقا من مجموعة من الانتظارات والتصورات والأحكام حول المعنى والوظيفة الاجتماعية للمعرفة. إنه ينتظر المعرفة التي يثمنها وسطه وتجعله شبيها بالكبار المميزين في محيطه أو تحقيق أمنيته في الرشد والاستقلالية. هذا من جانب، أما من جانب آخر فانه يرغب في المعرفة التي تجيب عن تساؤلاته وتمكنه من تفسير وفهم الإشكالات المطروحة بمحيطة وتلك المتعلقة بذاته، من أجل بناء وتنمية إدراكاته وبنياته المعرفية، وذلك بغرض الرفع من قدراته على التفكير والفعل والتفاوض والتفاعل. تلك هي المعرفة التي تحدث لدى المتعلم(ة) توقا ورغبة واهتماما وبالتالي حافزا للتعلق بالمدرسة.

في مقابل ذلك فإن العلاقة بالمعرفة القائمة في المدرسة غالبا ما تتأسس بناء على تصورات عقلانية للحقول المعرفية. ذلك أن الخطاب المدرسي ينبني على معارف منظمة حسب تقطيع اصطناعي لحقول معرفية عقلية ومجردة ومطلقة، وتتأسس على نسق مضبوط قائم فقط على العلاقات الداخلية لمجالها. وينبني الافتراض الذي يقوم عليه التعلم المدرسي على الاعتقاد أن المعرفة تنبثق فقط عن البعد الأنطولوجي، حسب تعبير بياجي، أي تنبثق عن السؤال ما هو هذا الشيء؟ هكذا انحصرت مضامين المعرفة التي تروج لها المدرسة في البحث عن الطبيعة الحقيقية لكل شيء، مما يتشكل وما هي مكوناته وبنيته؟ واعتبرت أن النجاح (في المدرسة وفي الحياة) يتوقف على مدى استيعاب تلك المعرفة.

هكذا انصب الاهتمام أكثر في المدرسة على وضع تعارف لكل شيء، حيث أضحت كل الحقائق محصورة في تعاريف شكلت الأسس الثابتة للمعارف والاعتقادات. وبذلك يسود الاعتقاد أن معرفة المتعلم(ة) للشيء تكتمل حينما يسميه ويصف طبيعته ومكوناته. وتعتبر هذه المعرفة قطعية ونهائية، كون التعريف يعبر عن حقيقة الشيء الخالدة. لذلك فإنه يقتضي أجوبة وحيدة ويقينية تكاد لا تسمح للمتعلم(ة) أن يتناولها بتعابيره الخاصة خوفا من أن تفقد شكلها المجرد والموحد الذي وضعت به. هكذا أضحت تستعمل كمعيار لتقويم إنتاج المتعلم(ة) وإنجازه الدراسي.

عملت المدرسة إذن على تكريس هذا النوع من التفكير والإدراك والتفسير، حيث سعت من خلال برامجها ومناهجها وأساليب تقويمها على تمرير تلك التعاريف والمفاهيم الجاهزة وتقييم مدى استيعابها من خلال امتحانات زجرية تهدف إلى مراقبة مدى مطابقة إنتاج التلاميذ للمعرفة الرسمية والمقررات المرخص لها من طرف السلطات التربوية. هكذا إذن شكلت المحتويات الجاهزة والمطلقة محور العملية التربوية.

وقد سعت هذه العلاقة بالمعرفة إلى استقرار المجتمع والحفاظ على تراتبيته وإديولوجيته وسلطته. كما سعت هذه الطرق في الإدراك والفهم وإنتاج المعرفة إلى خلق مجتمع توافقي ذو البعد الواحد على حد تعبير “هربرت ماركوس”.

غير أنه من الناحية المنهجية، وبغض النظر عن الحقائق التي يريد نقلها، فان الخطاب المدرسي يأتي بإجابات عن أسئلة لم يقد المتعلم(ة) إلى طرحها، في حين ندرك أن ‹‹كل معرفة هي جواب عن سؤال›› كما يؤكد “باشلار”. وعليه تصبح المعرفة التي يروج لها هذا الخطاب خارجة عن اهتمامات المتعلم(ة) وتساؤلاته وأنشطته الذاتية، بل تنحصر في أنشطة مدرسية يتحكم فيها المدرس أساسا. هكذا قد ينتج الفشل المدرسي عن هذا التفاوت بين العلاقة بالمعرفة لدى المتعلم(ة) والعلاقة بالمعرفة القائمة بالمدرسة.

صحيح أنه سيكون للمعرفة معنى أيضا إذا ارتبطت بممارسة ونشاط مدرسي، سيما إذا كانت الأنشطة والمحتويات المدرسية تطرح إشكالات تتطلب معرفة جديدة وممفهمة تساعد على استيعاب أو حل هذه الإشكالات. لكنها ستكون غير كافية وغير محفزة إذا ظلت محتوياتها غريبة عن تجارب التلاميذ واهتماماتهم وإدراكاتهم، وظلت وظيفة المدرسة نفسها – التي تعتبر أداة للتنشئة والترقي الاجتماعي والشخصي – غير واضحة بالنسبة لكثير من التلاميذ.

ولتجاوز ذلك وليكون للمعرفة المدرسية معنى لدى التلاميذ ينبغي أن تعتمد مرجعيات نابعة عن ممارسة اجتماعية تموضع المتعلم(ة) في محيطه العائلي والاجتماعي والاقتصادي، ثم تنفتح تدريجيا على الأسئلة الكونية والأسئلة المتعلقة بالمستقبل والمآل. وبذلك ستجعل المدرسة من المعرفة موضوع اهتمام ورغبة وأداة للتحفيز والفعل، وتمكن المتعلم(ة) من إيجاد معنى لوجوده بالمدرسة وتجد له موقعا نشطا بها. وبذلك سنحد من تأثير أحد عوامل الفشل المدرسي الذي يتجلى في غياب الاهتمام وغياب التحفيز الملحوظ لدى أغلب تلامذتنا الناتج عن التفاوت بين العلاقة بالمعرفة القائمة بالمدرسة والعلاقة بالمعرفة لدى المتعلم(ة).