مقدمة:
لقد خص الميثاق الوطني للتربية والتكوين التعليم العالي بعدة بنود، مبينا ومؤكدا على أن الجامعة تعتبر قاطرة التنمية ومؤسسة منفتحة على جميع المستويات، حيث تناولت هذه البنود مختلف أبعاده الهيكلي منها والبيداغوجي والتدبير المالي والإداري والبحث العلمي، مركزة على تجميع مكوناته، وتحسين مردودية بنياته التحتية وموارده البشرية، وتنظيم أسلاكه الدراسية، وتحديدها في ثلاثة: السلك الأول والسلك الثاني وسلك الدكتوراه، وتوزيع السنة الجامعية إلى فصلين، يضاف إليهما فصل ثالث كلما كان ممكنا.
وقد أتى القانون رقم 01.00، ووضع مجموعة من الإجراءات والتدابير تخص التعليم العالي بنوعيه العام والخاص، حيث إن التعليم العام يتوزع إلى صنفين، تعليم عالي جامعي وتعليم عالي غير جامعي. كما عمل هذا القانون على وضع آليات إرساء أجهزة تناط بها مهام مراقبة وتقييم سير العمليات البيداغوجية، والتدبير الإداري والمالي ومشاريع البحث العلمي.
وبخصوص التوجيه والالتحاق بالتعليم العالي، ينص الميثاق الوطني للتربية والتكوين على أنه يمكن لكل مواطن ولوج الجامعة والعودة إليها كلما توفرت فيه الكفايات والشروط المطلوبة؛ وأن كل تلميذ حاصل على شهادة البكالوريا يلتحق بالجامعة والمؤسسات العليا المختصة، كلما توفرت فيه الشروط المطلوبة، مع التركيز على نتائج الامتحان الموحد الوطني.
أما القانون رقم 01.00، فينص على تطبيق أسلوب الانتقاء على التلاميذ الراغبين في التسجيل بالجامعة، بناء على نتائج الامتحان الموحد الوطني، والطاقة الاستيعابية، حسب المسالك المقررة بكل كلية.
وحيث إن البرنامج الاستعجالي يعتمد الميثاق الوطني للتربية والتكوين مرجعا أساسيا ومنطلقا للإجراءات والتدابير المعتمدة للنهوض بمنظومة التربية والتكوين، فقد عمل على إرساء وتفعيل مسطرة خاصة بالتوجيه النشيط تطبق على تلاميذ السنة الثانية من سلك البكالوريا الراغبين في متابعة دراستهم العليا بالمؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح.
فما هو التوجيه النشيط؟ وما هي العمليات التي يستند إليها؟ وكيف يمكن إنجازها؟ وما هي الأطراف المتدخلة والبنيات التحتية المساهمة؟ وما هي المهام المنوطة بها؟

I. التوجيه النشيط:
من المعلوم أن عدة مؤسسات تكوين الأطر تنتهج أسلوب الانتقاء المطبق على الطلبة الحاصلين على شهادة البكالوريا. كما أن مؤسسات أخرى تضيف ، إلى مسطرة الانتقاء، مباريات متعددة الأساليب، من كتابي إلى شفوي إلى تطبيقي وغيره، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع ملحوظ لعتبات قبول الطلبة بهذه المؤسسات، وأدى إلى تهافت التلاميذ على الحصول على معدلات عالية، تضمن لهم مقعدا مريحا بإحدى المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود.
وحيث إن الطاقة الاستيعابية للمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود لا تتسع لأكبر عدد من التلاميذ الحاصلين على شهادة البكالوريا، ولو بمعدلات مقبولة، فإن أعدادا هائلة من الطلبة الحاصلين على شهادة البكالوريا يتوجهون حتما إلى المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح(الكليات).
وفي إطار التدابير المعتمدة للنهوض بمنظومة التوجيه التربوي وتطويرها، نص المشروع E3P7 على إرساء وتفعيل مسطرة خاصة بالتوجيه النشيط، الذي يعتبر آلية لمساعدة تلاميذ السنة الثانية من سلك البكالوريا الراغبين في متابعة دراستهم بالمؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح. وتتجلى هذه المسطرة في التتبع والمواكبة الفردانية للتلاميذ من أجل بلورة مشاريعهم الشخصية والقيام باختيار المسالك الدراسية الجامعية الملائمة لقدراتهم وميولاتهم واستعداداتهم ضمانا لمتابعة دراستهم بنجاح.

II. العمليات التي يتأسس عليها التوجيه النشيط:
وتتأسس مسطرة التوجيه النشيط على مجموعة من العمليات التربوية والإدارية:

1. الإعلام الجامعي:
تنطلق عملية الإعلام الجامعي في صفوف تلاميذ السنة الثانية من سلك البكالوريا، مع بداية السنة الدراسية وتشمل كل ما يتصل بالدراسة الجامعية، وذلك كما يلي:

  • الكليات المعنية بالتوجيه النشيط جهويا ووطنيا؛
  • المسالك الجامعية حسب نوع البكالوريا المحصل عليها؛
  • محتويات المسالك الدراسية، من مواد ومجزوءات ومعاملات وحصص ؛
  • الأنشطة المرتبطة بالدراسة، من أشغال تطبيقية وموجهة ونظام الامتحانات؛
  • نظام المجزوءات ومسطرة النجاح والانتقال إلى المستوى الأعلى؛
  • المنح الجامعية ومنح التعاون؛
  • الأحياء الجامعية والحياة الطلابية؛
  • الآفاق الدراسية والمهنية المتاحة لكل نوع من الشهادات الجامعية المحصل عليها؛
    وحتى تفي عملية الإعلام الجامعي بالأغراض المنتظرة منها، يجب العمل على:
  • تحيين المعلومات وتنويع مصادرها؛
  •  توفير الدعائم الإعلامية بكل أشكالها، من دلائل إعلامية وكراسات ومطويات وملصقات وبرانم في شكل أقراص مدمجة؛
  •  تفعيل البوابة الوطنية للإعلام والتوجيه، وتوفير جميع المعلومات على موقعها بالشبكة العنكبوتية، وتسهيل ولوجها، حتى تكون المعلومات في متناول جميع التلاميذ؛
  •  تنظيم منتديات وموائد مستديرة ولقاءات وتظاهرات إعلامية، مع العمل على أن يستفيد منها جميع تلاميذ السنة الثانية من سلك البكالوريا؛
  • السماح للتلاميذ بالقيام بزيارات استكشافية للمؤسسات الجامعية، من أجل الحصول على معلومات ميدانية من طرف أطر متخصصة، بمن فيهم المستشار في التوجيه الجامعي؛
  • وضع رهن إشارة جميع الأطراف المتدخلة، من أمهات وآباء وأولياء التلاميذ والأطر الإدارية والتربوية، جميع وسائل ودعائم ومصادر الإعلام الجامعي؛
  • وغير ذلك من الوسائل والأساليب القمينة بتحقيق الأهداف المنتظرة من عملية الإعلام الجامعي.

2. التعبير عن الرغبة؛
أما تعبير التلاميذ عن رغباتهم، فيتطلب مدة زمنية وافرة، وذلك بعد استفادتهم من خدمات الإعلام الجامعي. حيث تخصص هذه الفترة لقيام التلاميذ باتصالات وتشاورات مع جميع الأطراف والفرقاء التربويين، من أمهات وآباء وأولياء ومدرسين منهم الأساتذة الكفلاء والأستاذ الرئيسي، وإداريين والمستشار في التوجيه التربوي وكل ذي صلة بالمجال.
وينهض التعبير عن الرغبة على ما يلي:

  • مدى بلورة التلميذ لمشروعه الشخصي ونضجه واقتناعه بالاختيارات التي استقر عليها شخصيا؛
  • مدى معرفة التلميذ للمسالك الجامعية ومتطلباتها والوسط الطلابي والجامعي والمناخ العام بالمؤسسة الجامعية؛
  • مدى معرفة التلميذ لقدراته الفكرية والجسمية من خلال نتائجه المدرسية ومشاوراته مع مدرسيه وأولياء أمره والمستشار في التوجيه التربوي؛
  • مدى تحديد التلميذ، بشكل موضوعي، توجهاته وميولاته من خلال نتائج الروائز المتخصصة والمقابلات الفردية مع المستشار في التوجيه التربوي، والفرقاء المتدخلين في مساعدة التلميذ على القيام باختيارات واعية؛
  • مدى معرفة التلميذ للمؤهلات المادية والسوسيومهنية لوسطه الأسري ومدى تجاوبها مع رغباته وميولاته؛
    أخذا بعين الاعتبار كل الحيثيات التربوية والمدرسية والسيكولوجية والمادية، يقبل التلميذ على تعبئة بطاقة الرغبات وذلك باختيار ثلاثة مسالك جامعية، تتلاءم وقدراته الفكرية والجسمية وميولاته الشخصية والمؤهلات المادية لأسرته التي سوف تتكفل بدراسته الجامعية من حيث المصاريف والمتطلبات المالية، لكل ما يرتبط بالحياة الطلابية.

3. انعقاد مجالس الأقسام؛
تنعقد مجالس الأقسام، في نهاية الدورة الأولى من السنة الدراسية، للبت في رغبات التلاميذ، وذلك من خلال دفتر التتبع الفردي للتلميذ، والملف المدرسي اللذين يشملان، كل حسب طبيعة المعلومات المدونة به، إضافة إلى بطاقة الرغبات، المشروع الشخصي للتلميذ، ونتائجه المدرسية، ونتائج الروائز التي خضع لها، ونتائج المقابلات الفردية التي عقدها مع المستشار في التوجيه التربوي، ونتائج المشاورات التي أجراها مع الأساتذة وأولياء أمره وآراء طبيب الصحة المدرسية والأخصائيين الاجتماعي والنفساني إن اقتضى الحال.
يدرس مجلس القسم رغبات كل تلميذ على حدة، بناء على المعلومات الواردة في دفتر التتبع الفردي والملف الشخصي للتلميذ، ويتم تدوين رأي المجلس على بطاقة الرغبات مصحوبة بملاحظات إن اقتضت الضرورة، ويتم إطلاع التلميذ عليها.
تتكفل، بعد ذلك، الثانوية التأهيلية بإرسال نسخة من ملف التلميذ، المتشكل من بطاقة الرغبات ونتائجه المدرسية ومشروعه الشخصي، إلى كل مؤسسة جامعية ذات الاستقطاب المفتوح التي وقع عليها اختياره.

4. مهام اللجان الجامعية؛
تنكب اللجان الجامعية على دراسة ملفات المترشحين مركزة على الرغبات المعبر عنها، وتتقدم بشأن ذلك بآرائها، إما بقبول اختيار التلميذ/الطالب وتشجيعه على التسجيل في المسلك المرغوب فيه، أو إصدار تعليمات بمراجعة رغباته أو اقتراح عليه مسالك جامعية توفر له حظوظا أوفر في النجاح ومسايرته دراسته.
ويمكن أن تنظم المؤسسة الجامعية حصصا إعلامية جماعية لفائدة التلاميذ/ الطلبة لمزيد من التوضيح والتبصير.
كما يمكن أن يخضع التلاميذ المعنيون لمقابلات فردية، تمهيدا لقبولهم النهائي بالمسالك الجامعية التي يرغبون فيها.
وبعد إنجاز مختلف العمليات، يتوصل التلاميذ بالقرارات والآراء التي أسفرت عنها أشغال اللجان الجامعية، ليتم تسجيلهم، بشكل نهائي، بالمسالك الجامعية التي وقعت عليها اختياراتهم، المقبولة منها والمراجعة والمقترحة عليهم.
وعلى أي، يبقى التلميذ/الطالب متمتعا بحرية التسجيل بالمسلك الجامعي الذي وقع عليه اختياره، شريطة أن تتوفر فيه الشروط المطلوبة التي تحددها المؤسسة الجامعية المحتضنة لهذا المسلك الجامعي.

III. الأطراف المتدخلة والمهام المنوطة بها:
تتوزع عمليات التوجيه النشيط بين عدة أطراف، كل يتدخل وفق المهام الموكولة إليه.

1. المستشار في التوجيه التربوي بالقطاع الاستشارة والمساعدة على التوجيه:
بتنسيق مع جميع المتدخلين في مجال التوجيه التربوي: الأطر التربوية والإدارية، كل حسب المهام المنوطة به، وطبيب الصحة المدرسية والأخصائيين النفسي والاجتماعي، يشرف المستشار في التوجيه التربوي على العمليات الهادفة إلى تزويد التلاميذ بكل المعلومات حول الدراسة الجامعية، ويستقبل التلاميذ الراغبين في مقابلات فردية لتعميق مشاوراتهم وتأسيس اختياراتهم بناء على دراية تامة بخصائصهم الذاتية ومؤهلاتهم الشخصية، وقدرات أسرهم المالية. كما يستقبل أمهات وآباء وأولياء التلاميذ ويشارك في أشغال مجالس الأقسام والتوجيه، بعد اطلاعه على ملفات الترشيح التي تقدم بها التلاميذ إلى إدارة المؤسسة الثانوية التأهيلية.

2. أطر التوجيه التربوي بالمركز الجهوي/الإقليمي للإعلام والمساعدة على التوجيه:
لمزيد من المعلومات وتوسيع قاعدة التشاور يمكن للتلاميذ وأولياء أمورهم زيارة المركز الجهوي/الإقلمي للإعلام والمساعدة على التوجيه، وطرح إشكالاتهم لتلقي أجوبة حول تساؤلاتهم لضمان استقرارهم النفسي وتجاوز حالات التردد والحيرة التي يمكن أن تستحوذ عليهم خلال مسار الاختيارات والحسم.

3. أساتذة المواد المدرسة:
يعتبر المدرس الفاعل التربوي الأقرب من التلميذ، حيث يعتبر أباه الروحي. كما يفترض فيه أن يكون الأكثر معرفة بقضايا التلاميذ ومميزاتهم الشخصية والنفسية، ومدى تمكنهم من مختلف الكفايات المعرفية والمهاراتية، وقدرتهم على الاستيعاب والتحليل والاستمرارية ومواصلة العمل. كما يفترض فيه أن يكون العنصر الأكثر إلماما برغبات التلاميذ وتوجهاتهم.
من هذه المنطلقات، يمكن أن يلعب المدرسون أدوارا حاسمة في مساعدة التلاميذ على التعبير عن رغباتهم واختياراتهم.

4. الأطر الإدارية:
من المعلوم أن الأطر الإدارية، الحراس العامين على الخصوص، يتوفرون على الملفات الكاملة للتلاميذ، يعملون بها ويشتغلون عليها يوميا: تتبع الغياب، السلوك، المردودية المدرسية ومدى التمكن من مختلف الكفايات. من هنا، واستثمارا للمعلومات الواردة والتي يتم تدوينها بملفات التلاميذ، يمكن أن يساهم الحارس العام في عمليات التعريف بالتلميذ من حيث الاجتهاد والسلوك والمواظبة، هذه العناصر التي تسم التلميذ وتعرف بشخصه ومدى انضباطه وقدرته على التواصل والتكيف ومواصلة الدراسة.

5. أمهات وآباء وأولياء التلاميذ:
يفترض في أمهات وآباء وأولياء التلاميذ تعلقهم بمصير أبنائهم وحياتهم الدراسية الراهنة والمستقبلية. من هذه المسلمة، يولون اهتماما ملحوظا لتتبع أبنائهم دراسة وسلوكا وتوجيها. فيقومون بزيارات للمؤسسة التعليمية واتصالات بالمدرسين والأطر الإدارية للاستفسار حول الوضعية التربوية والمدرسية لأبنائهم. كما يجرون مشاورات مع المستشار في التوجيه التربوي حول مدى توجهات أبنائهم وميولاتهم وقدراتهم من أجل اختيارهم المسلك الدراسي الأكثر ملاءمة لمميزاتهم وخصائصهم الشخصية.

6. الأساتذة الجامعيون:
خصت النصوص المنظمة الأساتذة الجامعيين بدراسة ملفات ترشيح التلميذ لولوج مسلك دراسي جامعي معين. كما خصتهم بإجراء مقابلات فردية مع التلاميذ/الطلبة من أجل ملامسة مدى ميولاتهم لهذا المسلك الجامعي، ومدى قدرتهم على مسايرة دراستهم الجامعية بنجاح إلى غاية حصولهم على شواهد جامعية تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية. كما يشرف الأساتذة الجامعيون على حصص إعلامية جماعية لفائدة بعض التلاميذ/الطلبة الذين جانبوا الاختيارات الصائبة، من أجل تعميق معرفتهم بالمسالك الدراسية المتاحة لهم، وتعديل اختياراتهم.

7. المستشار في التوجيه الجامعي:
يمكن للتلاميذ المقبلين على الدراسة الجامعية زيارة المستشار في التوجيه الجامعي وطلب مقابلة فردية معه لتدقيق معرفتهم بالمسالك الجامعية والآفاق المستقبلية، ومعرفة المناخ العام بالمؤسسة الجامعية، ومتطلبات الدراسة والحياة الطلابية، من دروس وتمارين وتطبقات وأشغال مخبرية، وكذا المنح والمأوى والمأكل والتنقل ومختلف القضايا الطلابية، حتى تتشكل لدى التلاميذ نظرة عميقة وشاملة حول المؤسسة الجامعية، دراسة وحياة ومستقبلا.

8. أطراف أخرى:
في حال ملامسة معاناة صحية أو نفسية أو اجتماعية منفردة أو مجتمعة لدى بعض التلاميذ، يمكن إحالتهم على طبيب الصحة المدرسية أو ممرض المؤسسة التعليمية، أو على أخصائي نفسي، أو على متخصص اجتماعي، لفحص حالاتهم ومعرفة الصعوبات التي يمر بها هؤلاء التلاميذ ومحاولة معالجة وضعيتهم بتنسيق مع أولياء أمورهم.

IV. البنيات والوسائل الخدماتية المساهمة:
تتوزع البنيات والوسائل الخدماتية المساهمة في التوجيه النشيط بين المحلي والجهوي والوطني، أي بين الثانوية التأهيلية وفضاء الإعلام والتوجيه المتواجد بها، والمركز الجهوي/الإقليمي للإعلام والمساعدة على التوجيه، والمؤسسة الجامعية، والبوابة الوطنية للإعلام والتوجيه.

V. التوجيه ليس وحده عاملا للنجاح الدراسي:
يبدو أن وضع الأصبع على عامل التوجيه الجامعي لإشكالية الفشل الدراسي بالمؤسسات الجامعية، اختزال لوضعية الطالب الجامعية ، وأن إرساء مسطرة خاصة بالتوجيه النشيط لفائدة التلاميذ المقبلين على التسجيل بالمؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح تدبير أحادي البعد، ما دام منعزلا عن الوسط الجامعي المتعدد الإشكالات والأبعاد، ويبقى إجراء يشكل جزء من كل.
فالفشل الدراسي الجامعي لن يعزى بالتأكيد، فقط، إلى إشكالية التوجيه الجامعي، حيث، وإن افترضنا أن التوجيه كان جيدا ما أمكن، فلن يعتبر وحده عاملا لنجاح الطالب ومسايرته الدراسة الجامعية، وحصوله على شواهد عليا، في ظل تخبطه في مشاكل تبقى عالقة ومن كل نوع تثقل كاهله وتثبط عزيمته.
فتدبير التوجيه النشيط، يجب أن تصاحبه عدة تدابير وإجراءات تغطي جميع مناحي وضعية الطالب، سواء قبل ولوجه المؤسسة الجامعية، وعند رغبته ولوجها، وخلال ولوجه لها، وهو يدرس ويستعد للالتحاق بالحياة العملية.
وحتى نلمس عن كثب أهمية التدابير والإجراءات المصاحبة لمسطرة التوجيه النشيط، يجدر بنا إثارة إشكالات ضاغطة وصعوبات تعترض المسار الدراسي للتلميذ والطالب وتسهم بالدرجة الأولى في فشله الدراسي بالمؤسسة الجامعية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، حيث تدرج مواد بالامتحان الموحد الجهوي، وتدرج أخرى بالامتحان الموحد الوطني، ألا يسهم نظام التقييم التربوي بسلك البكالوريا، الموزع على سنتين، في إضعاف التحصيل الدراسي عند التلاميذ؟
ألا تسهم عوامل متعددة في فشل الطالب بالجامعة، وذلك من قبيل المنحة الجامعية والأحياء الجامعية التي لا تستوعب أعداد الطلبة، وظروف السكن والتنقل بين الكلية ومحلات سكناهم البعيدة، غالبا عن المؤسسة الجامعية، وظروف الدراسة من تلقين ولغة التلقين وتدريب في ظل الاكتظاظ، وغير ذلك من الصعوبات والعقبات التي تعترض الطالب التي يجب اتخاذ تدابير ناجعة للتصدي إليها، ليحقق التوجيه النشيط الأهداف المنتظرة منه؟.

VI. ملاحظات وتساؤلات ومقترحات:
ومعلوم أن المستشار في التوجيه التربوي يضطلع، ضمن الأطراف المتدخلة، بالعمليات والأنشطة المنجزة في إطار التوجيه النشيط بالمؤسسة الثانوية التأهيلية، من إعلام جامعي، ودراسة الملفات المدرسية، والمقابلات الفردية مع التلاميذ وأولياء أمورهم، وإجراء اتصالات وتشاورات، وعقد لقاءات مع الأطر الإدارية والتربوية، وحضور أشغال مجالس الأقسام.
1. تجدر الإشارة، خصوصا بالمؤسسات الثانوية التي تضم أعدادا هائلة من تلاميذ السنة الثانية باكالوريا، إلى ضرورة تفعيل أدوار جميع الأطراف المتدخلة في عمليات التوجيه النشيط لمساعدة المستشار في التوجيه التربوي على إنجاز مختلف العمليات، وإرساء مناهج التربية على الإعلام موازاة مع التربية على الاختيار، وتخصيص فترة كافية لعمليات الإعلام الجامعي وتوفير الدعائم الإعلامية في الآجال المناسبة؛
2. وحتى يضطلع الأساتذة بالمهام المنوطة بهم كأطراف مساهمة في عمليات التوجيه المدرسي والجامعي، وفق ما تنص عليه النصوص المنظمة، وحتى تفي مجالس الأقسام بالأغراض المنتظرة منها، يجب توفير كل مستلزمات الإعلام الجامعي، والمعلومات الضامنة لمناقشات هادفة والإدلاء بآراء بناءة، من ملفات التلاميذ وبطاقات الرغبات والمسالك الدراسية الجامعية وخصوصياتها وآفاقها المستقبلية.
أما بخصوص أعمال اللجان الجامعية الموكول إليها دراسة ملفات التلاميذ/الطلبة، والقيام بالمقابلات الفردية، فيمكن تسجيل الملاحظات التالية:

  1. محدودية المعلومات المعتمدة وعدم معرفة أعضاء هذه اللجان للتلاميذ/للطلبة المترشحين، معرفة عميقة من حيث الجوانب النفسية والسوسيواقتصادية؛
  2. محدودية مجال الاختيارات، أي قلة المسالك المتاحة للتلاميذ/الطلبة، الشيء الذي يسهم، حتما، في وجود رغبات لا تستجيب للمعايير المطلوبة؛
  3. قابلية القرارات المتخذة لتأويلات وتفسيرات متعددة تتراوح بين الإيجاب والسلب:
  • في ظل الأعداد المرتفعة للطلبة الراغبين في ولوج المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المحدود وحتى المفتوح، ألا يتم الالتجاء إلى الترتيب الآلي للمترشحين حسب معدلاتهم في بعض المواد والإعلان الأوتوماتيكي عن لائحة الطلبة المقبولين؟
  • وكيف يمكن تفسير إجراء بعض مؤسسات تكوين الأطر عمليات الانتقاء والقبول بناء فقط على دراسة ملفات المترشحين، علما أن النقط الخام، وإن كانت مرتفعة، ليست معيارا للتوجيه، حيث إن تعزيز هذا الإجراء باعتماد روائز متخصصة، يمكن أن يسم هذه العمليات بالموضوعية والمصداقية؟
  • وماذا يعني قرار التحفظ القاضي بمراجعة التلميذ رغباته ؟ ألا يمكن أن يحدث اضطرابا نفسيا لدى التلميذ/الطالب، ويؤدي به إلى ترددات مستمرة تتحول إلى حالات مرضية؟
  • وماذا يعني قرار اقتراح توجه معين؟ أليس توجيها موجها؟
  • وماذا يعني “يبقى الطالب حرا في اختياراته” بعد كل هذه العمليات والمجهودات والطاقات المادية والبشرية المرصودة؟
  • وما هي الأهداف المبتغاة وراء المقابلة الفردية مع الطلبة؟ ومن هم الطلبة المعنيون بالمقابلة الفردية؟ ألا يمكن أن تسير مجريات المقابلة الفردية نحو التأثير والإقناع؟
  • وضمانا لمبدأ تكافؤ فرص ولوج المؤسسات الجامعية ومؤسسات تكوين الأطر، ألا يمكن تطبيق مسطرة موحدة على جميع حاملي شهادة البكالوريا، أخذا بعين الاعتبار مدى توفر الشروط المطلوبة في المترشحين ورغباتهم والطاقة الاستيعابية لكل مؤسسة ؟
  • وفي حال تنظيم حصص إعلامية استثنائية لفائدة الطلبة المقترح عليهم إعادة النظر في اختياراتهم، وأولئك المقترح عليهم مسالك جامعية معينة، كم مدة زمنية تستغرق هذه العملية قبل الانطلاق الفعلي للدراسة الجامعية؟

خاتمة:
في الختام أود التركيز على أهم النقاط القوية المتوصل إليها، والتي أفرزتها مناقشة مختلف وضعيات التلميذ/الطالب المدرسية والجامعية، مع تقديم بعض المقترحات التي تبدو أساسية للارتقاء بالجودة التعليمية وتمكين التلاميذ/الطلبة من توجيه سليم وتلقائي نحو المسالك الجامعية الملائمة لقدراتهم ومؤهلاتهم الشخصية:
1. إعادة النظر في منظومة التقييم التربوي بسلك البكالوريا باعتماد أساليب تمكن التلاميذ من ترسيخ محتويات المقررات واستيعابها من أجل تقوية التحصيل الدراسي لديهم منهجا ومعرفة ومهارات؛
2. إصدار نصوص تنظيمية تحدد بجلاء موقع مختلف المتدخلين المؤطرين للتلاميذ في مجال التوجيه التربوي عموما، وتدبير التوجيه النشيط، على الخصوص، وتطوير وتفعيل الأدوار المنوطة بهم؛
3. تعزيز ملف ترشيح التلميذ/الطالب لولوج المؤسسة الجامعية بمعلومات نوعية نفسية وسوسيواقتصادية من أجل اتخاذ اللجان الجامعية قرارات أكثر نجاعة ومصداقية؛
4. إعادة النظر في لغة التدريس، وتقوية المستوى المعرفي للتلاميذ في اللغات: اللغة العربية واللغة الفرنسية واللغة الأنجليزية، وخصوصا اللغتين الفرنسية والأنجليزية، بالنسبة للتخصصات العلمية؛
5. تحسين ظروف الحياة الطلابية الدراسية، وعلى الخصوص الاجتماعية، من حل مشكل الاكتظاظ لتحسين ظروف الدروس والأشغال الموجهة والتطبيقية، إلى تعميم المنح الكاملة، ورفع الطاقة الاستيعابية للأحياء الجامعية، وتوفير النقل ومرافق الأنشطة الموازية والترفيهية؛
6. الإدماج المباشر للطلبة في الحياة العملية بعد حصولهم على الشواهد الجامعية.

بقلم نهاري امبارك،

المراجع:

  • الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 2000، المغرب؛
  • البرنامج الاستعجالي 2009-2012، المغرب؛
  • تقرير تركيبي، أجرأة المشروع E3P7، دجنبر 2008؛ المغرب.
  • قانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي؛ الجريدة الرسمية عدد 4798، 21 صفر 1421الموافق ل 25 ماي 2000.
  • المذكرات التنظيمية لمجال التوجيه التربوي:17 و18 و19 ، بتاريخ 18 فبراير 2010، المغرب؛
  • دليل الحياة المدرسية، دجنبر 2008، الرباط، المغرب؛
  • دليل التتبع الفردي للتلميذ، المغرب؛

بقلم نهاري امبارك،