تقديم:

تشكل عملية تصحيح الامتحانات أهم محطة ضمن مسلسل تقييم المكتسبات المعرفية والمهاراتية للتلاميذ والطلبة، حيث تحال أوراق التحرير على لجنة التصحيح، بمركز التصحيح، عن كل مادة مباشرة بعد الانتهاء من الاختبارات. وتتكون هذه اللجنة من مجموعة من المدرسين، يقومون بالمهام الموكولة إليهم تحت إشراف مفتشين متخصصين. وقد صدرت العديد من الأحكام حول هذه العملية، وأسالت حبرا كثيرا عبر مقالات ومؤلفات متعددة، حيث أجمع المهتمون بالشأن التعليمي على أن التصحيح يعد العملية الأكثر إسهاما في تقرير مصير التلاميذ والطلبة، وذلك من حيث الظروف التي تمر فيها هذه العملية والطرق المتبعة لمنح النقط الجزئية ومجاميعها والنقط العامة، وكيفية التعامل مع إنتاجات الممتحنين(بفتح الحاء)، إلى غير ذلك من العوامل المتداخلة والمتشعبة ماديا ومعنويا. فماهي عملية تصحيح الامتحانات؟ وماهي الحالة الصحية والنفسية للمصحح؟ وماهي اختلالات تصحيح الامتحانات؟ وكيف يمكن تطبيق تصحيح علمي وموضوعي؟ وأوراق التحرير سوف تحال على لجن التصحيح، وتلامذتنا ينتظرون بفارغ الصبر نتائجهم، نتطرق إلى الأسئلة المشكلة لهذه المقالة المتواضعة بالمناقشة والتحليل قدر المستطاع من أجل إشراك كل المهتمين بالمجال التربوي والتعليمي.

I. تصحيح أوراق التحرير

تتمثل عملية تصحيح الامتحانات في منح المصحح الممتحن(بفتح الحاء) نقطة أو جزء منها حسب سلم التنقيط المحدد عن سؤال من الأسئلة المنجزة، وحسب طبيعة الجواب على السؤال المعني ومضامينه مقارنة بالمعايير المعتمدة والمتفق عليها مسبقا. وتتم عملية تصحيح ورقة التحرير إما فرديا أو جماعيا حسب تعليمات المسئولين على تنظيم الامتحانات في المجال التربوي والتكويني، الذين يتوخون من خلال هذه التعليمات الموثوقية والمصداقية والموضوعية والنزاهة.

II. الحالة الصحية والنفسية للمصحح

يشرع المدرس المصحح في عملية التصحيح مباشرة بعد انتهاء الامتحانات بالمؤسسات التعليمية، حيث تسند إليه مجموعة من أوراق التحرير. واعتبارا لعوامل متعددة ترتبط بالزمان والمكان والعلاقات بمختلف الأطراف المتدخلة، وإرضاء لضميره المهني، وتنفيذا لتوصيات ومقتضيات النصوص التشريعية المنظمة، فالمصحح يلتزم بالفترة الزمنية المخصصة للتصحيح. ونظرا لكثرة أوراق التحرير المسندة إليه يواصل عمله بشكل مستمر حتى يكون في الموعد المحدد. ونظرا لتوالي العمليات المتشابهة شكلا ومضمونا وتكرارها آليا، ولمدة زمنيه ليست باليسيرة، يتسرب الملل إلى المصحح فيعيش ظروفا صحية ونفسية استثنائية خلال أيام التصحيح، منها:

1 ) التعب والإرهاق:

إن العمليات الآلية المتكررة تتطلب جهدا فكريا وعضليا. ومع مرور الوقت، والمصحح جالس بمقعده في قاعة التصحيح، يشعر أولا بإرهاق فكري ثم تكل أطرافه ويشعر بالألم يتسرب إلى جسده فعينيه، ثم يصاب تدريجيا بالتعب والإرهاق الذي يؤثر على ميكانيزمات التفكير والاستيعاب.

2 ) القلق:

ينتاب المصحح قلق شديد من وطأة عدم الاستقرار النفسي جراء التعامل مع وضعيات متباينة ومعقدة، حيث يشعر بعدم الارتياح في كل لحظة يضع فيها نقطة معينة عن كل سؤال أو جزء منه، كما يعيش نفس الوضعية عند وضع النقطة المجملة. وهو يراقب ويراجع الورقة بعد الانتهاء من تصحيح مضمونها يتملكه الشعور بالذنب خوفا من عدم الانتباه إلى جواب عن سؤال ما أو نقطة جزئية تم إغفالها في جانب من الورقة؛

3) وللقارئ الكريم التفضل بحالات أخرى، ما أكثرها، تؤثر سلبا على عملية التصحيح.

III. اختلالات التصحيح

تتأثر عملية تصحيح أوراق التحرير بعوامل كثيرة ترتبط بشخص المصحح وانتمائه الاجتماعي ووسطه الثقافي وفكره العلمي والتربوي وبعده المعرفي ، وكذا حسه التربوي وميولاته وما يتصوره عن المستويات التحصيلية للممتحنين(بفتح الحاء). كلها أمور مهمة، لها أثرها البين والفاعل على عملية التصحيح.. ثم إن صحته الجسمية والنفسية ومستوى رضاه عن العملية التعليمية واقتناعه بمختلف العمليات التربوية والتكوينية، لها أثر على المصحح. وإذا كان الناس مختلفي الطبائع فإن اختلافهم في النواحي العملية أشد. وقد تأكد، من خلال عدة دراسات لدى المهتمين بالشأن التربوي أن تصحيح الامتحانات تغلب عليه كثيرا الناحية الذاتية والمعرفية والمزاجية؛ إذ يستحيل غالبا اتفاق مصححين اثنين على نقطة معينة إلا بمحض الصدفة؛ كما تأكد أيضاً اختلاف مصحح واحد لما عرضت عليه ورقة واحدة بعد فترات زمنية مختلفة. وتتعد الاختلالات وتختلف باختلاف المصححين وظروفهم العملية والصحية والنفسية….

IV. نحو تصحيح علمي وموضوعي

ولإبعاد كل الشوائب والعوامل المؤثرة في عملية تصحيح الامتحانات وضمان دقة أكبر لهذه العملية ، إلى حد ما، يمكن أن تكون المقترحات التالية ذات فعالية في موضوع أكثر تعقيدا، ألا وهو موضوع تصحيح الامتحانات: لقد أجمع المهتمون بمجال التقييم التربوي والامتحانات أن ما اتفق عل تسميته شبكة التصحيح، يمكن أن يحد من ذاتية المصحح وممارساته المزاجية واختلالات التصحيح بشكل عام. وتعتبر شبكة التصحيح آلية تقنية لتقنين وتتبع عملية التصحيح بشكل دقيق وموضوعي، وتخويل المصحح النقطة المناسبة لمضمون ونوعية الإنجاز الذي قدمه الممتحن(بفتح الحاء) وذلك بافتحاص هذا الإنجاز وتقييمه، وفي ذات الآن، وضع الأصبع بشكل جلي على الأخطاء المرتكبة على ضوء مجموعة من المعطيات من قبيل:

  •  مدى احترام الممتحن(بفتح الحاء) للتعليمات والتوجيهات المطلوبة للقيام بمختلف الإنجازات والمنهجية التي يتطلبها الجواب على الأسئلة الاختبارية؛
  • جرد نقاط الفشل والتوفق والقصور والإجادة وكيفية ومنهجية التعامل معها ومع مختلف الوضعيات الاختبارية.

وتتمثل شبكة التصحيح في جدول ذي مدخلين، أحدهما عمودي والآخر أفقي. يشتمل المدخل العمودي على جميع الأسئلة الاختبارية، ويمكن الاكتفاء بالأرقام فقط. ويشتمل المدخل الأفقي على عناصر الأجوبة المحتملة، أو المنتظر تقديمها من طرف الممتحن(بفتح الحاء)، عن كل سؤال. هذه الأجوبة المحتملة تكتب بشكل واضح لا يحتمل التأويل، كما تكتب نسبة صحتها، بعد الاتفاق عليها من طرف لجنة متخصصة، وذلك على النمط التالي:

  1.  جواب صحيح بنسبة %100، تمنح عنه النقطة المخصصة له كاملة؛
  2.  جواب صحيح بنسبة% 75، تمنح عنه% 75 من النقطة المخصصة له؛
  3.  جواب صحيح بنسبة% 50، تمنح عنه% 50 من النقطة المخصصة له؛
  4. جواب صحيح بنسبة% 25، تمنح عنه% 25 من النقطة المخصصة له؛
  5. وكل جواب ليس ذا صلة بما تقدم، يعتبر خاطئا كما يعتبر مضمونه مرفوضا وبالتالي تمنح عنه نقطة الصفر”0″.

ويمكن تطبيق شبكة التصحيح على جميع الأجوبة المتعلقة بجميع أنواع الأسئلة الاختبارية المقترحة، سواء منها المغلقة أو المفتوحة. ويضاف، توخيا لتحقيق مبادئ العدل والإنصاف وتكافؤ الفرص، إلى تقنية التصحيح هذه، باعتماد شبكة التصحيح، التقيد بالإجراءات التالية:

  • يعهد تصحيح الجواب على كل سؤال إلى مصحح؛
  • يحال نفس الجواب على مصحح ثان؛ § يحال نفس الجواب وتقديرات المصححين الاثنين على مراقب أو مراجع أداء الممتحن(بفتح الحاء) لمراجعة مضمون الجواب ونوعيته والنقط المخولة له حسب توجيهات لجنة التصحيح وسلم التنقيط والأجوبة المحددة بشبكة التصحيح ونسبة صحتها؛
  • يتم تصحيح ورقة كلها بنفس التقنية والمنهجية المحددة أعلاه(تخويل النقطة ومراقبة أو مراجعة التصحيح وفق الضوابط المحددة مسبقا)، ثم تحال على مراقب تقني يعهد إليه جمع النقط الجزئية المخولة عن كل سؤال ووضع النقطة العامة؛
  • تحال أوراق التحرير جميعها مصححة ومراقبة نقطها الجزئية والعامة على لجنة المراقبة والمراجعة النهائية للتأكد من دقة وموضوعية التصحيح ومدى التزام المصححين بالتوجيهات والتعليمات المحددة وكذا مدى التزامهم بمضامين شبكة التصحيح والمعايير والإجراءات المحددة؛

خاتمة:

إ ن الاقتراحات المتواضعة المقدمة أعلاه، يمكن، في اعتقادنا، أن تحد من اختلالات التصحيح، وتخدم مصلحة التلاميذ والممتحنين عموما، والمدرسين وأولياء أمر التلاميذ والمجتمع عامة، كما يمكن أن تعمل على تحقيق مبادئ العدل والإنصاف وتكافؤ الفرص.

بقلم: نهاري امبارك