برزت فكرة المدرسة الموجهة من خلال الحاجة إلى دعم وضمان النجاح المدرسي بكيفية فعالة، ومن أجل ذلك عملت على إعطاء معنى للتعلمات وذلك بواسطة ربطها بعالم الشغل، عبر المنهجيات المعتمدة في التوجيه المدرسي والمهني.

يعطي الربط بعالم الشغل جدوى للتعلمات، ويجعلها ذات قيمة، فتصبح المنهجيات المعتمدة في التوجيه محفزة على التعلم، حيث تدكي الرغبة لدى المتعلم(ة) في تحقيق نجاحه، مما يساعده على الاجتهاد والمثابرة والاستكشاف عبر مساره الدراسي.
يتيح ربط التعلمات بعالم الشغل الفرصة للمتعلم لكي يكتشف العلاقة والفائدة بين المادة المدرسة وما يحدث في الشغل أي أن هذه الأخيرة تصبح ذات معنى ودلالة نفعية في اتجاه المستقبل، ويكون المدرس بهذه المقاربة موجها من خلال ما يدرسه اعتمادا على مبدأ الانصهار الذي يتطلب إدماج مرجعيات مهنية من عالم الشغل لمحتوى المادة المدرسة، مما يضفي قيمة مضافة على هذه المادة، فعندما يرتبط المفهوم المدرس بسياق الممارسة المهنية فإنه يصبح متحكما فيه أكثر من معرفة المهنة، فتغدو هذه الأخيرة موضوع استكشاف واسع خصوصا بالنسبة للذين يشعرون أنهم معنيين فعلا بها.

إن مبدأ الانصهار في المقاربة الموجهة، مبدأ بيداغوجي غير مرتبط بالميول، فهو يعطي فرصة سانحة لخدمة التوجيه المدرسي ويسمح للمتعلمين خلال سيرورة اختياراتهم المرور عبر التجربة المدرسية عوض الانطلاق من الميولات المهنية، لأن التجربة المدرسية تساعد على ترصيد ومراكمة مؤشرات المستقبل والتي تزخر بها أنشطة الحياة المدرسية، في أفق بلوغ التكوينات والعبور إلى الحياة المهنية بعد ذلك. وبهذا تكون المؤشرات المستكشفة مرتبطة بالحاضر الذي يعيشه المتعلم(ة)، وتسهل عليه عملية الملاحظة والتقييم للإنجازات التي تم تحقيقها.

إن الحمولة المهنية المتضمنة في المواد المدرسة، تجعل المتعلمين في وضعية انفتاح على مختلف الإمكانيات المهنية، وتخلق فيهم حب الإطلاع والمناقشة التحليلية المعقلنة، والحس النقدي، فتكسبهم تجربة تجعلهم ينتقلون من معايشة مدرسية للمجالات المهنية إلى الدخول في تجربة مهنية حقيقية انطلاقا من معرفة مسبقة لهذه المجالات. وبهذه الكيفية تنمحي القطيعة بين المدرسة وعالم الشغل.

يعطي مبدأ الانصهار قيمة مضافة للتوجيه والتي تتجلى في التفكير الموضوعي المرتبط بالميول المهني انطلاقا من الحياة المدرسية تحت تأثير الترصيد المتراكم لمؤشرات عالم الشغل عبر المسار الدراسي.
من بين مبادئ المدرسة الموجهة، هناك مبدأ التشارك، هذا المبدأ الذي يدعو مختلف الشركاء الذين لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالتنشئة الاجتماعية للانخراط والمشاركة في المشروع التربوي للمدرسة الموجهة، وفي الخطوط الأمامية نجد السادة الأساتذة من خلال خلق شبكة للتواصل والتنسيق فيما بينهم لوضع الشروط الأساسية لتطبيق مبدأ الانصهار.

ويلعب أطر الوجيه دورا محوريا لدعم عملية الانصهار من خلال مواكبة المتعلمين نفسيا واجتماعيا مع الأخذ بعين الاعتبار حاجاتهم الأساسية في النمو والتطور والمتمثلة في ثلاثة عناصر:

1- الاستقلالية( الشعور بالمسؤولية عن الأفعال المنجزة)
2- الكفاءة: (الإنجازية في الأفعال )
3- الانتماء الاجتماعي: ( جودة العلاقة مع المحيط الاجتماعي)

بالنسبة للأمهات والآباء والأولياء فإن مشاركتهم بصفتهم أشخاص موارد يمكن أن تتمظهر من خلال شهاداتهم المرتبطة بتجاربهم المهنية لفائدة المتعلمين ومن خلال أخذ الكلمة داخل الفصول الدراسية أو خلال حصص الإعلام المنظمة من طرف المدرسة، فهم يذلك يقدمون الدعم والتحفيز للمتعلمين، ويتيحون الفرصة لمناقشة التصورات حول المهن وتصحيح الأحكام والتمثلات المسبقة حولها انطلاقا من مقارنة تصورات الآباء والأبناء حول هذه المهن وبالتالي مناقشة المستقبل والانتظارات.
يتطلب مبدأ التشارك أيضا، مساهمة المؤسسات الاقتصادية، وممثلي عالم الشغل عبر الغرف التجارية والنقابات لأن مفهوم المدرسة الموجهة لا يستقيم إلا بعقد شراكات متنوعة مع عالم الشغل، فواقع العمل ينحصر في التجارة، في الشركات، في التنظيمات العمومية وشبه العمومية كل ذلك من أجل الولوج إلى المعلومة المحينة والواقعية، وإلى الملاحظة المباشرة للممارسات المهنية.ومن متطلبات المدرسة الموجهة أيضا؛ تنظيم زيارات ميدانية للشركات، تنظيم تداريب والتدريس بالتناوب.
إن مبدأ التشارك عند المدرسة الموجهة، يجعل من مواقع عالم الشغل أماكن مفتوحة وولوجة في وجه المتعلمين، ودامجة للشباب مما يشعرهم بالانتماء إليها، ويفتح في وجههم إمكانيات الاندماج فيها.
من مبادئ المدرسة الموجهة كذلك، مبدأ التعبئة، بحيث أن مبدأي الانصهار والتشارك لا يكفيان لإرساء مدرسة موجهة، ولا يكفي أن نربط المواد المدرسة بالمهن، والحياة المدرسية بعالم الشغل، وتنظيم التظاهرات والمعارض، والزيارات المنظمة للشركات، وتقديم الشهادات المتعلقة بالمهنيين إذا كان المتعلم المعني الأول بكل هذه العمليات غير مهتم بتوجيه، وغير محفز للقيام بالاختيارات، ولا يشارك في الأنشطة الاستكشافية لأنه في هذه الحالة لا يوجد أي تأثير ولا أثر للمقاربة الموجهة.
فكيف يمكن أن يهتم المتعلم بمستقبله، وينخرط في بناء مشروعه الشخصي والمهني؟ وكيف نجعله ينتقل إلى خلق هوية لمشروعه الشخصي ويتحمل المسؤولية في ذلك؟
إن سيرورة التوجيه تتطلب من المتعلم أن تكون لديه حافزية واستعداد، لذلك فإن مبدأ التعبئة في هذا السياق يتجلى في كيفية التدخل لدى المتعلم(ة) لاستنهاض ما لديه من رغبة للنجاح واتخاذ قرار التوجيه.
ما العمل لكي يـعبأ المتعلم(ة)، لأجل ومن أجل كينونته المستقبلية؟ وكيف يمكن إيقاض الحافزية تجاه المستقبل لدى المتعلمين(ات)؟
تعتبر الحافزية اتجاها عاما يجعل الفرد يشتغل بطريقة المشروع بناءا وتنفيذا، بحيث يتجلى ذلك من خلال ثلاث مكونات أساسية:- القدرة الشخصية، الحاجة للنجاح والأفق الزمني.
إن معرفة هذه المكونات يمكن من استيعاب، وفهم أن غياب أحدها، يؤدي إلى صعوبات في التوجيه لا يسهل تجاوزها، بخلاف ذلك فإن الأخذ بعين الاعتبار هذه المكونات يضع المتعلم(ة) في حالة يقظة، ويخلق فيه الحافزية، والتقدم إلى الأمام في اتجاه المستقبل، وهنا تبرز أهمية التعبئة كمبدأ من مبادئ المدرسة الموجهة.

1- القدرة الشخصية:
لكي تكون هناك رغبة في التوجيه، لابد من الاعتقاد بالقدرة على التأثير على الوضعية الحالية والمستقبلية، ولو بدرجة دنيا، فالشخص الذي يعتقد أن ما يقع له من أحداث راجع للحظ، أو للصدفة، أو لقوة مجهولة، أو للآخر لا يمكنه أن يجد نفسه في وضعية تجعله يفكر في التوجيه أو يرغب في النجاح، فاعتقاده هذا يكرس فيه التبعية، والتقليد، فحافزية النجاح في الحياة الدراسية ثم في الحياة المهنية بعد ذلك، تأخذ قوتها من إدراك المتعلم(ة) أن ما يحققه من نتائج ومردودية، يتحمل فيه المسؤولية من خلال ما يقوم به من مجهودات ومنجزات، فكلما كان المتعلم(ة) في وضعية الاختيار والفعل، أو في وضعية حل المشكلات، أو في وضعية التعبير عن رأي معين، أو إصدار حكم نقدي، أو تقديم مكتسباته، وتعلماته، فإنه يمارس من خلال ذلك قدراته الشخصية، وبهذه الممارسة المسؤولة، يرشح نفسه للنجاح المستحق، والحصول على مردودية، وتلبية حاجاته، مما يحقق لديه الرضا النفسي.

2- الحاجة للنجاح:
الإيمان بالقدرات الشخصية يدفع المتعلم(ة) إلى تحديد أهدافه، وتحدياته بحيث يجد نفسه معبأ ولديه الرغبة في الإنجاز.
يمكن تحديد الحاجة للنجاح كتمني لبلوغ أهداف وفق المعايير المطلوبة للتفوق، هذه المعايير لا تعني الوصول إلى الكمال، بل إلى مستوى من الصعوبة تعطي الانطباع بالتقدم والتحكم أكثر في الموارد المكتسبة.
تدفع الحاجة للنجاح المتعلم إلى تسخير مجهوده وسلوكه لتلبية هذه الحاجة، بخلاف المتمنيات التي تجعله يرغب في التشبه بشخص أو أن يصبح شخصا ثريا ومشهورا.
تتطلب القدرات الشخصية، والحاجة للنجاح من المتعلم(ة)، الإحساس بالفعالية، وتقدير الذات والاستعداد المستمر للتكوين الذاتي.

3- الأفق الزمني:
تتجلى فكرة الأفق الزمني في جعل الأفعال والعمليات البرمجة، تندرج في الزمن بين الوضعية الحالية، الوضعية المرجوة، وبهذه الكيفية يكتشف المتعلم(ة)، بأن فكرة المستقبل هي مرجع يجب أخذه بعين الاعتبار في اختيارات الحاضر.

مصطفى رابي | مفتش في التوجيه

المراجع:
1. الميثاق الوطني للتربية والتكوين، عالم التربية، العدد 12، 2002، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
2. دليل الحياة المدرسية، دجنبر 2008، مديرية التقويم وتنظيم الحياة المدرسية والتكوينات المشتركة بين الأكاديميات، حسان، وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، الرباط، المغرب.
3. دونيس بيلوتيي، مفاتيح النجاح المدرسي والمهني، مطبعة “Septembre Editeur” كيبيك، كندا.
4. ذ. مصطفى محسن، مدرسة المستقبل، رهان الإصلاح التربوي في عالم متغير، منشورات الزمن، 2009، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
5. د. العربي وافي،أي تعليم لمغرب الغد؟ الطبعة الأولى، 2005، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
6. د. رشيدة برادة، المدرسة المغربية كما يراها المراهقون والشباب،الطبعة الأولى 2009، منشورات مجلة علوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.