المواكبة النفسية في مجال التوجيه التربوي

التوجيه التربوي خدمة تربوية تقدم للمتعلم سواء كان تلميذا، طالبا، أو متدربا، لمساعدته على تحقيق التوافق بينه وبين المحيط الذي يعيش فيه، في أفق بلوغ أقصى مستوى من النمو و النضج لشخصيته في أبعادها العقلية، البدنية، اللغوية، العاطفية والاجتماعية من أجل اكتساب الكفايات الضرورية التي تساعده على إبداء الرأي والمرافعة، والتحليل لقرارات الإختيار التي يحسم فيها، والتي تمكنه من تبني المنهجيات والتكتيكات الملائمة عبر سيرورة تدرج نمو مشروعه الشخصي الدراسي والمهني والحياتي.

وبما أن المتعلم يوجد في طور النمو، فالحاجة تقتضي تتبع هذا النمو من طرف الفاعلين التربويين والاجتماعيين، عبر المواكبة التربوية والنفسية والاجتماعية.

في هذا المقال سيتم التركيز على المواكبة النفسية، والتي تنطلق من مراعاة مجموعة من الخصائص أو الحاجات النفسية التي ترتبط بصورة وتقدير الذات، وكذا بتقرير المصير. فالتطور والنمو سواء كان مدرسيا، أو مهنيا، يتطلب تلبية ثلاث حاجات أساسية لدى المتعلم:

  •  الاستقلالية وهي حاجة أساسية، وتتمثل في إحساس المتعلم أنه مصدر أفعاله، وأنها لا تملى عليه، وأنه يتصرف بمحض إرادته؛
  • الكفاءة: وهي الإحساس بأن أفعاله وتصرفاته منتجة ولها وقع؛
  • الانتماء الاجتماعي: يطور علاقاته مع محيطه(أفراد العائلة- الأقران؛ الأساتذة…)؛

فما هو الدور المنتظر لعبه من لدن الفاعلين التربويين سواء تعلق الأمر بالأسرة، أو المدرسة من أجل مواكبة نفسية فاعلة؟

يبدأ هذا الدور من دعم هذه الحاجات الأساسية، عبر مساعدة المتعلم على استكشاف ذاته في أبعادها المختلفة، وقد لا يتم الاتفاق معه في بعضها، كما قد لا يحصل الرضا عليها، المهم هو تحسيسه بأنه مسؤول عن اختياراته، وما على الفاعل التربوي إلا مواكبته، وتتبعه، والاهتمام بتلك الاختيارات التي قام بها، والرغبة في مناقشتها معه مع احترام استقلالية اختياراته. و تأطيرها بحيث لا ينبغي أن ينصب الاهتمام على مخرجات الاختيار، بل على منهجية الاختيار و مراحل سيرورته.

بصفة عامة، تتطلب المواكبة النفسية: معرفة عملية تتمثل في تفادي ثلاثة أنواع من التصرفات:

  • تفادي المراقبة المفرطة إلى درجة التحكم، كفرض اختيار معين على المتعلم لا يريده، أو مساومته ماديا أو عاطفيا
  • عدم الاهتمام بالاختيار، وتجنب الحديث في الموضوع، والتعامل باللامبالاة وهنا يتم قمع الحاجة إلى الانتماء الاجتماعي؛
  • سلوك الفوضى المتمثل في عدم وضوح الانتظارات وثباتها؛

ولدعم المتعلم نفسيا، لا بد من:

  • الإنصات إليه، وتفهم انشغالاته؛
  •  وضع الثقة في قدرته على التحكيم، وإصدار الأحكام، وفهم وتفهم الطموحات؛ رغم عدم الاتفاق معها (التقمص العاطفي)؛
  • استغلال جميع الفرص التي تتيح له التعرف على ذاته؛
  • الاعتراف له بأنه سيد الموقف، والاكتفاء بالملاحظة، وإعطائه التغذية الراجعة؛ وتفادي الأسئلة التي تجعله يبرر (عوض أن أقول له لماذا؟ أقول له كيف؟)، أسئلة تتيح التفكير وليس التبرير؛
  • الانتباه إلى عناصر السيرورة، ومنهجية تطورها، وليس إلى نتيجة الاختيار؛
  • مساءلة المطلق: أنا لن أصل، أنا غير قادر…مناقشته حول مثل هذه الإقرارات:  لماذا تحكم على نفسك هكذا؟
  • الاستفادة من المقربين عند اتخاذ القرار(الأصدقاء- الأقارب- الأساتذة…).

في الختام، على المتعلم أن يعرف أن هناك عدة طرق لاتخاذ قرار التوجيه، وأن مواكبته لا بد أن تكون مسايرة له، ومن الطبيعي أن تكون هناك مجموعة من الصعوبات، والعوائق التي ينبغي الاشتغال عليها لتدليلها خلال سيرورة بناء المشروع الشخصي ونذر منها:

  •  نقص الحافزية: غياب فكرة الاستعداد للمستقبل؛
  • التمثلات المغلوطة حول المهن: الأفكار المسبقة حول بعض المهن؛
  • التردد بين اختيارات متعددة؛
  • نقص في معرفة الذات في أبعادها المختلفة: الميول- القدرات- الملكات- المهارات- الاتجاهات- القيم- المعتقدات- الأذواق- صورة الذات- تقدير الذات: القدرة على شرح تمظهرات هذه الأبعاد في حياته اليومية؛
  • نقص في معرفة الإمكانيات المتاحة وفرص الشغل؛
  • عدم التمكن من تقنية جمع المعلومات: جمعها- تحليلها- تصنيفها- مصادرها- مقارنتها مع الذات…؛
  • ضعف التمكن من آليات اتخاذ القرار: تتم عبر مراحل(الاستكشاف- البلورة- التخصيص- الانجاز)، والهدف منها هو أن يصل المتعلم إلى نضج ميولي لكي يكون قادرا على اتخاذ القرار.
  • الدخول في حالة التخوفات الأربعة: – التخوف من الوقوع في الخطأ- التخوف من الفشل في الاختيار- التخوف من المجهول- التخوف من عدم الموافقة.

مصطفى رابي- مفتش في التوجيه- مديرية مراكش- 22-06-2020

المرجع:

  • تجميع لبعض من الأفكار حول المواكبة النفسية للمتعلم و الواردة في الندوات المنظمة عن بعد حول التوجيه خلال فترة  الحجر الصحي.