منهجية العمل بالمقاربة الموجهة

تتحدد معرفة المحيط بالنسبة للمتعلم من خلال منظومة الأحداث التي تقع فيه، ومن خلال الآفاق المستقبلية الواعدة لهذه المنظومة، وعادة ما يركز المتعلم على الاستعلام المرتبط بمجريات الواقع الملموس، و يركز بشكل أقل على الانفتاح والاطلاع على التوقعات المرتبطة بالمستقبل، والتي تكون عناصر الأهداف المرسومة للمشروع الشخصي والمهني.
هناك رغبة اليوم في المعرفة عن طريق الفعل، أي السعي إلى تجريب عملي لهذه المعرفة، وملاحظة الانعكاسات الناتجة عنها، والحالات الاستثنائية فيها، ويهتم المتعلم في هذا الصدد بالمتغيرات وبالاختلافات وبالتنوع، أي أن التعرف على الأشياء اليوم يعني التوفر على مهارات تساعد على القيام بتجريب هذه المعرفة في وضعيات وظروف مختلفة.
في العشرية السابقة كانت سيرورة التوجيه، حسب بيلوتيي مرتبطة بالتفكير(ideative) ، أي تعتمد على التفكير في الذات، وفي التمثلات المهنية المتوفرة لدى المتعلمين من أجل إعداد الوثائق الإعلامية التي يتم الاطلاع عليها لتصحيح هذه التمثلات. أما فيما يخص معرفة الذات، يتم اللجوء إلى استعمال روائز استبطانية (introspectif) ، للتعرف على السمات، الميول والقدرات التي يمكن أن تكون الهوية الذاتية لديهم. في كلتا الحالتين حسب بيلوتيي هناك تخوف وشك في هذه المنهجية، لأن مسألة التوجيه معقدة ومركبة، ومرتبطة بتطور المجتمع وتعقد العلاقات والمصالح. وأصبح المتعلمون في هذا العصر في حاجة إلى المزيد من اليقين، والمزيد من الاطلاع على المستجدات.
من خلال ما سبق، تحولت عملية التوجيه المرتبطة بالتفكير، إلى عملية مرتبطة بالفعالية، حيث هناك انتقال من عملية فكرية إلى عملية تجريبية تعتمد الفعل من أجل الحصول على المعلومة، والتقرب من واقع الأشياء، وترصيد الممارسات الجيدة، عملية تمتد مدى الحياة، تتضمن محطات وعبور، ويركز فيها الفرد على إمكانيات التجاوز والـتأقلم والتكيف وفق متغيرات ومستلزمات وشروط الواقع.
تصبح منهجية التوجيه في هذا الاتجاه، مترجمة من خلال بلورة مشروع مفتوح، ممتد في الزمن، لأن المعرفة، أوالكفاية أوالتعلم كيف ما كانت مواضيعها تتطلب الارتباط بالواقع المحسوس والمجرب، والتفاعل من خلال وضعية محددة في الزمان والمكان، فمن متطلبات العصر الحالي أن يتم تمرير المعرفة عبر سياق قابل للملاحظة، متنوع الخصائص، عوض الاقتصار على تحديدات مفاهيمية منظمة، وهذا يسمى بالمعرفة الدالة.
إن منهجية العمل بالمقاربة الموجهة، تركز على السياقات عبر مبدأ الانصهار، فمن خلال المواد الدراسة يعمل السادة الأساتذة على تنويع السياقات ومضاعفتها، وتقديم المادة المدرسة بكيفية مختلفة، مما يفتح آفاق مهنية غير منتظرة التي تحفز على الاستكشاف.
فهل الاستكشاف مسألة فكرية فقط؟ الجواب هو التفي، لأنه هناك إمكانية استقبال الأسرة و العمال الذين يمكن أن يزوروا المدرسة لتقديم الشهادات حول تجاريبهم، وبالتالي تكتسي المعرفة صبغتا تجريبية بفضل مبدأ التشارك، حيث إمكانية تنظيم أبواب مفتوحة من طرف شركاء اقتصاديين واجتماعيين، لتنظيم الزيارات الميدانية، واقتراح التداريب بالمقاولات، ويمكن للفاعلين التربويين أن يقوموا بمهمة تهييئ السياقات والسيناريوهات للأنشطة الموجهة.
إن وجود الاختلافات بين المتعلمين على مستوى القيم، الحاجات والانتظارات، يستدعي ترجمة المبدأ البيداغوجي للمقاربة الموجهة من خلال توسيع السياقات وتنويعها، حتى يتسنى لأغلبية المتعلمين الحصول على معلومات على المقاس، واكتشاف الميولات المناسبة.
عندما يتطلب السياق الفعل والتفاعل، فإن المتعلم يجد نفسه أمام وضعية تعلم ذاتي تتطلب منه القدرة على التكيف، واستعمال الموارد للوصول إلى المعلومة، سواء تعلق الأمر بإنجاز مشروع أو المشاركة في تظاهرة ما.
إن المقاربة الموجهة تتطلب من المربي، سواء كان أحد أفراد الأسرة، أو فاعلا تربويا بالمدرسة، أو فاعلا بالمقاولة، مواكبة نمو المتعلم ودعم حاجاته الأساسية، ومساعدته على تجريب المعرفة من خلال تسهيل الولوج إلى المعلومة وتنويع مصادرها، وتدريبه على منهجية البحث عنها، وإتاحة الفرص والمناسبات والسياقات والوضعيات التي تمكنه من الاطلاع على الواقع كما هو، وعلى مؤشرات المستقبل التي ترتبط بالآفاق الواعدة، وأيضا تمكن من استكشاف ذاته في أبعادها الفلسفية، السيكولوجية والسوسيولوجية.

مصطفى رابي | مفتش في التوجيه

المراجع:
1. الميثاق الوطني للتربية والتكوين، عالم التربية، العدد 12، 2002، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
2. دليل الحياة المدرسية، دجنبر 2008، مديرية التقويم وتنظيم الحياة المدرسية والتكوينات المشتركة بين الأكاديميات، حسان، وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، الرباط، المغرب.
3. ذ. مصطفى محسن، مدرسة المستقبل، رهان الإصلاح التربوي في عالم متغير، منشورات الزمن، 2009، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.

4- Denis Pelletier: L’approche Orientante: La Clé de la Réussite Scolaire et Professionnelle. Septembre éditeur, 2004
5- D. Pelletier, R. bujot et col” pour une approche éducative en orientation” Gaeten morin, chicoutimi,Quebec 1989