أطر التوجيه والتخطيط التربويين: مظهر من مظاهر اللاعدالة داخل المنظومة التربوية

 علي أحجاو

مستشار في التوجيه التربوي متدرب

تعتبر منظومة التربية والتكوين العمود الفقري لكل نموذج تنموي ومبتدأ كل نهضة وتنمية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية… وبالتالي كان من المفروض أن يدخل إصلاح منظومتنا التربوية في صلب اهتمامات لجنة إعداد النموذج التنموي، التي تنكب الآن منذ تعيينها يوم الخميس 12 دجنبر 2019 على بلورة خطة تنموية تخرج البلاد من هذا الانحباس التنموي الذي تعيشه.

تعتبر منظومة التوجيه التربوي والمهني القلب النابض الذي ينشط الدورة الدموية داخل المنظومة التربوية والنسيج الاقتصادي للبلاد، وجهاز يسهر على التنسيق وفتح قنوات التواصل بين مختلف مسارات هذه المنظومة، كما يشكل صلة وصل بين هذه المنظومة وسوق الشغل. حيث “يقوم المستشارون في التوجيه التربوي من جميع الدرجات بعمليات الإعلام والتوجيه المدرسي والمهني وتحيين ونشر المعطيات والمعلومات المتعلقة بالآفاق التعليمية والمهنية، ويكلفون بدراسة واستثمار الملفات المدرسية والقيام بالمقابلات والفحوص السيكولوجية لفائدة التلاميذ.” (المادة 48 من النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية).

وتعتبر أطر التخطيط التربوي عصبا من أعصاب وزارة التربية الوطنية؛ إذ “يساهم المستشارون في التخطيط التربوي من جميع الدرجات في إعداد وتنفيذ وتقييم مخططات التربية والتعليم والمشاركة في جميع العمليات المرتبطة بها كالإحصاء المدرسي وتحليل المعطيات التربوية وبرمجة البنايات والإشراف التقني على وضع الخريطة المدرسية.” (المادة 57 من النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية).

العدالة الأجرية والاعتبار المعنوي مدخلان من مداخل الإصلاح :

تعتبر العدالة الأجرية والتحفيز المادي والمعنوي من محركات الإبداع والإنتاج والمنافسة الشريفة في أي مجال من المجالات، ولا يمكن النهوض بمنظومة التربية والتكوين في بلادنا دون رد الاعتبار للعنصر البشري داخل هذه المنظومة، وتحسين أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز مكانته الرمزية داخل المنظومة وداخل المجتمع، ولابد من تكريس العدالة الأجرية، وتشجيع المنافسة الشريفة، وخلق آليات ناجعة للتحفيز المادي والمعنوي، وفتح آفاق عادلة للترقي المهني داخل هذه المنظومة، من أجل الدفع بعجلة الإبداع والإنتاج والعطاء فيها.

عندما يلج أستاذ قضى سنوات طويلة من الجد والعطاء داخل هيئة التدريس مركز التوجيه والتخطيط التربوي، أوأحد مراكز التكوين المماثلة له، فإنما يفعل ذلك بحثا عن آفاق مهنية أفضل، وابتغاء لسبل الترقي المادي والمعنوي، وبحثا عن ظروف اشتغال أفضل مما كان فيها، وله كامل الحق في ذلك، وما من أحد يحق له أن ينازعه في هذا الحق المشروع والمسعى الشريف؛ لكن الواقع مخالف تماما لهذا الحال المفترض ، حيث تتخرج هذه الأطر من المركز بنفس الوضعية المادية والمعنوية التي ولجت بها المركز، وعندما تلج الميدان تجد نفسها في ظروف اشتغال لا تختلف في شيء عن تلك التي كانت فيها من قبل، وهذا يعتبر إجهاضا للطموح  المهني داخل هذه المنظومة وقتلا للحماس والأمل والإبداعية فيها، وما من شيء قد يصحح هذا الوضع المختل والبئيس غير “توحيد الإطار” والقطع مع ازدواجية مستشار/مفتش وتوحيد المخرجات في مخرج واحد وأوحد ألا وهومفتش في التوجيه أومفتش في التخطيط التربوي، وهذا الإجراء هوالكفيل بإنصاف أطر التوجيه والتخطيط التربويين أسوة بزملائهم في هيئة التفتيش التربوي، الذين يمرون من مسار مماثل (أقدمية معينة في التدريس، فتكوين ممركز في الرباط لمدة سنتين، ثم تخرج بإطار “مفتش”)، نظرا لما يتيحه إطار مفتش من امتيازات مادية ومعنوية، وظروف اشتغال يستحقها أطر التوجيه والتخطيط التربويين استحقاقا تاما كلهم بدون استثناء.

مطلب توحيد الإطار، هل هومطلب منطقي ؟

يطالب  أطر التوجيه والتخطيط التربويين من بين ما يطالبون به بتوحيد إطاري مفتش ومستشار في إطار واحد وهومفتش في التوجيه أومفتش في التخطيط التربوي، ويعتبرونه المطلب الأساس من بين كل المطالب التي سطروها في ملفهم المطلبي، الذي ما فتئ  يرفعه التنسيق النقابي إلى الوزارة المعنية في إطار الحوار القطاعي.

كل من يتتبع ملف هيئتي التوجيه والتخطيط التربويين لا يمكن إلا أن يخرج بقناعة مفادها أن مطلبهم هذا مطلبا منطقيا وواقعيا ومشروعا، بل لا محيد ولا بديل عنه من أجل إنصاف هذه الفئة، والنهوض بهذا المجال الحيوي داخل المنظومة التربوية، ألا وهومجال التوجيه والتخطيط التربويين.

“التفتيش” في اللغة يعني التقليب والتفحص والتقصي، وحسب ما يصلنا من أصداء من  داخل جلسات الحوار القطاعي أن ممثلي الوزارة يقفون كثيرا عند المعنى اللغوي لكلمة “تفتيش” أو”مفتش”، فيواجهون ممثلي النقابات بالسؤال : “آش غادي يفتشو؟!”، والحال أن المهام التي تمارسها  الهيئة التي تسمى الآن هيئة التفتيش بعيدة كل البعد عن المعنى اللغوي والاصطلاحي الكاريكاتوري لكلمة “تفتيش”، الذي يوحي بالضبط الإداري والرقابة البوليسية، وأقرب ما تكون إلى التأطير والمصاحبة والمواكبة… والتي هي مهام بيداغوجية وتربوية بامتياز، فضلا عن كونها كلها مهام يمارسها الآن عمليا مستشاروالتوجيه والتخطيط التربويين، من تأطير للأستاذ الرئيس، ومواكبة لمديري المؤسسات في تنزيلهم لبعض المشاريع، ومصاحبة للتلاميذ في إطار الدعم النفسي والسيكولوجي…إلخ. ثم إن أطر هيئة التوجيه والتخطيط التربويين لا يهمها من توحيد الإطار مجرد الحصول على لقب وتوصيف “المفتش”، بقدر ما يهمها الانتماء إلى هذه الهيئة التي تسمى الآن “هيئة التفتيش”، نظرا للمكانة الاعتبارية التي تحضى بها هذه الهيئة، ونظرا كذلك للامتيازات المادية والمعنوية التي يتيحها إطار “التفتيش” من تعويضات واعتبار رمزي وظروف اشتغال أفضل بكثير مما يتيحه الآن إطار “مستشار”، وهي كلها امتيازات يستحقها مستشاروالتوجيه والتخطيط التربويين بشكل لا غبار عليه ولا جدال فيه.

لعل كون لفظ “مفتش”/ “تفتيش” يستعمل بكثرة في مجالات الأمن والدرك والجمارك جعله يكتسب في المجال التداولي المغربي معان توحي بالزجر والرقابة والتفحص والضبط الإداري، والتي قلنا سابقا بأن المجال التربوي لا يستحملها وأنها لا تمت بصلة للمهام التي تضطلع بها (أومن المفترض) أن تضطلع بها هيئتا المفتشين التربويين ومفتشي التوجيه والتخطيط التربويين على حد سواء، مما شكل عائقا تواصليا بين ممثلي الوزارة وممثلي النقابات، وتشويشا كبيرا على النقاش، وجعل ممثلي الوزارة يعلقون بالاسم والعنوان، عوض أن ينفذوا إلى صلب الموضوع، ويناقشوا المهام التأطيرية التي يمارسها مستشاروالتوجيه والتخطيط، ومدى توافقها مع المهام التي يمارسها مفتشوالتوجيه والتخطيط التربويين وحتى المفتشون التربويون، وحين يتحقق مطلب توحيد الإطار، لا بأس عندئذ من فتح النقاش حول تسميته، ولا ضير في أن يتم تغيير اسمه إلى “هيئة التأطير التربوي” (مثلا)، أسوة ببلدان اختارت تسمية هيئات مماثلة لتلك التي تسمى عندنا “هيئة التفتيش التربوي” ب”هيئة التأطير التربوي”، و”إن هي إلا أسماء سميتموها”(الآية).

ما يطالب به أطر التوجيه والتخطيط الآن ، أي التخرج بدبلوم “مفتش” عوض دبلوم “مستشار”، كان إلى عهد قريب حقا بديهيا وتلقائيا  لا ينازعهم فيه أحد.  فإلى حدود سنة 2004 كان المستشارون في التوجيه والتخطيط التربوي يلجون إطار “مفتش” بشكل تلقائي وأوتوماتيكي بمجرد أن يترقوا إلى الدرجة الأولى، فإذا بهذه الأطر اليوم يجدون أنفسهم محرومين من نفس ما استفاد منه زملاؤهم في السابق وتستكثر عليهم الوزارة اليوم  ما كان متاحا لهم إلى عهد غير بعيد.

تمر أطر التوجيه والتخطيط التربويين من مسار مهني وتكويني غني وممتاز، يشابه في كل التفاصيل ذلك الذي يمر منه المفتشون التربويون (أقدمية معينة في التدريس، فامتحان بشقين : كتابي وشفوي، ثم تكوين غني ومتين ممركز في الرباط)، ومن أجل خوض هذا المسار تأتي هذه الأطر من مدن بعيدة إلى العاصمة الرباط المعروفة بارتفاع سومة الكراء وغلاء المعيشة فيها، مضحية باستقرارها الاجتماعي والأسري والمادي، لا لشيء إلا لأنها آمنت بهذا المشروع المهني الذي اختارته لنفسها والمتمثل في التوجيه والتخطيط التربوي.

يعتبر امتحان ولوج مركز التوجيه والتخطيط التربوي الأصعب من بين كل الامتحانات المماثلة والأقل من حيث حظوظ الولوج. ففي دورة يناير 2019 مثلا، 30 فقط نجحوا من أصل 1000 مترشح ومترشحة اجتازوا امتحان ولوج مسلك التوجيه، أي أن نسبة حظوظ النجاح لا تتجاوز 0.03 في المائة ! مما جعل أحد الظرفاء يشبهه “بسباق” تخصيب البويضة.

تخضع أطر التوجيه والتخطيط التربويين لتكوين متين يغطي مجالات متعددة وحيوية تصب كلها في مجالي التوجيه والتخطيط التربويينذ، من إعلاميات، وإحصاء، واقتصاد، وديموغرافيا، وتشريع، وتواصل، وعلم النفس، وعلوم التربية… إلخ، وهوتكوين لا يقل من حيث الجودة والمستوى عن ذلك الذي تخضع له هيئة التفتيش التربوي.

إن المهام التي يمارسها مفتشوالتوجيه والتخطيط التربوي الآن عمليا متطابقة تمام التطابق مع تلك التي يمارسها زملاؤهم المستشارون، مما يعني أن ازدواجية مستشار/مفتش بدعة لا مبرر لوجودها ولا طائل من ورائها، سوى أنها تخلق الشرخ وتكرس اللاعدالة داخل هذا الإطار، وتجعله يعيش مفارقة عجيبة وغريبة تتمثل في كون عدد المفتشين في التوجيه- مثلا- يشكل ثلاثة أضعاف عدد المستشارين في التوجيه، فمن يا ترى سوف “يفتش” من ؟!

ما ذكرناه أعلاه مجرد غيض من فيض من الحجج القوية والأدلة الدامغة على أن مطلب “توحيد الإطار” الذي يطالب به أطر التوجيه والتخطيط مطلب مشروع  وواقعي، وهوالوحيد الكفيل بإنصاف هذه الفئة وإعادة الاعتبار لها داخل المنظومة التربوية. وفي حالة ما إذا احتاجت الوزارة إلى توسيع قاعدة أطر التوجيه والتخطيط التربويين بقدر لا تستحمله الطاقة الاستيعابية لمركز التوجيه والتخطيط التربوي (COPE)، يمكن لها أن توظف مجازين (مجازين في علم الاجتماع وعلم النفس بالنسبة للتوجيه ومجازين في الاقتصاد والتدبير بالنسبة للتخطيط)، وتقوم بتكوينهم في المراكز الجهوية لمهن التربية، وتخضعهم لنفس ما يخضع له الأساتذة الجدد، على أن يستمر مركز التوجيه والتخطيط التربوي في تخريج مفتشين في التوجيه والتخطيط التربويين بقدر ما تتحمله طاقته الاستيعابية.

ماذا عن المرسومين اللذين تعدهما الوزارة الآن ؟

تسابق وزارة التربية الوطنية الزمن من أجل تسريع إخراج مرسومين، يتعلق الأمر بكل من المرسوم المنظم لمركز التوجيه والتخطيط التربوي، ومرسوم ثان يهم وضع إطار مستشار من الدرجة الثانية في طور الانقراض، تكميلا للمرسوم الأول الذي من المفترض أن يتضمن التخرج بالدرجة الأولى.

سلكت الوزارة منهجا غير ديمقراطي في إعدادها لهذين المرسومين، واختارت الاستفراد بصياغتهما، وتهريب النقاش حولهما، بعيدا  عن الأطر التي راكمت التجربة الميدانية والترافع النقابي والإنتاج العلمي والتربوي والإبداعي في مجالي التوجيه والتخطيط التربويين. وبالتالي لابد للوزارة، إن كانت تهمها جودة هذين المرسومين وإن هي أرادت أن تخرج مرسومين يستجيبان لتطلعات وطموحات أطر هذه الهيئة، من أن تفتح النقاش والتداول فيهما مع أهل الاختصاص والمعنيين المباشرين بهذا الموضوع، ولابد لهذين المرسومين أن يستجيبا لثلاثة شروط: ترقية فورية للأطر الممارسة المرتبة في السلم العاشر إلى السلم الحادي عشر، وتمكين المتدربين الموجودين الآن في المركز، والذين ولجوه بموجب المرسوم القديم من التخرج بالدرجة الأولى، ثم القطع بصفة نهائية مع هذه الازدواجية الموجودة الآن والمتمثلة في مستشار/مفتش، وتوحيد المخرجات في إطار واحد وهو”مفتش”.

ماذا سيستفيد مركز التوجيه والتخطيط من توحيد الإطار ؟

يقدم مركز التوجيه والتخطيط التربوي (COPE) تكوينا متينا ورصينا، وذلك بفضل ثلة من الأساتذة والأطر ذوي الكفاءة العالية، مما جعله مؤسسة رائدة ومتفردة على الصعيدين الجهوي والإقليمي، فضلا عن كونه المؤسسة الوحيدة في إفريقيا والشرق الأوسط التي تتيح هذا النوع من التكوين، مما أعطى لدبلوماته مصداقية دولية ؛ إذ تعترف بهذه الدبلومات كل من منظمة اليونيسكوودولة كندا التي تعتبر من الدول الرائدة في مجال التربية والتكوين، وتبقى مصلحة هذا المركز ومصداقيته وجاذبيته ومكانته مرتبطة ارتباطا عضويا بمكانة الأطر التي تتخرج منه، وبالتالي فتحقيق مطلب توحيد الإطار وجعل المركز في المستقبل يخرج فقط مفتشين، عوض مستشارين ومفتشين على الورق ومستشارين فقط عمليا، سوف يشكل دعامة لهذا المركز ورفعا من مكانته الاعتبارية داخل منظومة التربية والتكوين، وكون المركز سوف يخرج مفتشين سوف يزيد من جاذبيته وسوف يجعل أطرا ذات كفاءة عالية يلجون هذا المركز من أجل إغناء رصيدهم المعرفي وإثراء تجربتهم المهنية، ثم إن قيمة هذا المركز وجاذبيته لا يمكن إلا أن تكون متناسبة مع الآفاق المهنية التي يفتحها أمام الأطر التي تتخرج منه، فكلما كانت الآفاق المهنية التي يتيحها مغرية وواعدة كلما ارتفعت قيمته وجاذبيته وسط مراكز التكوين المماثلة (مركز المفتشين، المدرسة الوطنية للإدارة، مسلك المتصرفين التربويين…).

ماذا ستستفيد المنظومة التربوية من توحيد الإطار ؟

لقد ارتفع منسوب الاحتقان والتذمر في أوساط أطر التوجيه والتخطيط التربويين إلى مستويات غير مسبوقة ، نظرا لما لحق هذه الفئة من غبن وقهر واستلاب، وتعرضت هذه الأطر على مدى سنوات لتبخيس وتهميش، وتم تقزيم  أدوارها فيما هوتقنوي محض، فضلا عن كونها حرمت من الاضطلاع بأدوارها الطبيعية والحيوية داخل المنظومة التربوية، كما تم تغييبها تماما عن بلورة توجهات الدولة واستراتيجياتها فيما يخص مجالي التوجيه والتخطيط التربويين.

وأخذت الوزارة في صياغة تصوراتها لمستقبل مجال التوجيه التربوي والمهني الذي يشكل عصبا من أعصاب منظومة التربية والتكوين،  في تغييب تام وإقصاء كلي من النقاش للأطر المختصة التي راكمت من الخبرات والتجارب والمعارف النظرية في مجال التوجيه التربوي والمهني ما يجعلها قادرة على إغناء النقاش وتعميق الرؤى، في حالة ما إذا توفرت لدى الوزارة إرادة حقيقية للالتزام  بالنقاش الديموقراطي البناء والإعداد التشاركي لهذه التصورات، وأخذت القرارات والمذكرات الوزارية المتعلقة بالتوجيه التربوي تتقاطر عليهم من السماء وتنزل على رؤوسهم، فتبين أن  الوزارة تصدر قرارات ومذكرات في مجال لا تفهمه، ودون أدنى استشارة أوإشراك لأطر التوجيه التربوي التي خبرت تفاصيل هذا المجال وخباياه وتمتلك مفاتيح تطويره والنهوض به.

تجسد هيئة التوجيه والتخطيط التربويين مظهرا صارخا من مظاهر اللاعدالة داخل منظومة التربية والتكوين. ففي الوقت الذي يمارس فيه مفتشوالتوجيه والتخطيط التربويين نفس المهام ، بعد أن خاضوا نفس المسار التكويني والمهني، تجد المستشارين محرومين تمام الحرمان مما يستفيد منه زملاؤهم المفتشون ، من إطار وتعويضات عن المهام وتعويضات تكميلية،  مما يخلق عند هذه الأطر المتضررة إحساسا بالحيف و”الحكرة”.

إذن لابد من إنصاف أطر التوجيه والتخطيط التربويين، وما من شيء قد ينصفها غير توحيد الإطار، لكي تصبح كلها في وضع واحد، وتتحقق المساواة والعدالة بينها، لأن العدالة الأجرية والمعنوية هي الكفيلة بتصحيح هذا الوضع القائم الآن، وضخ دماء جديدة في مجالي والتوجيه والتخطيط التربويين، وإطلاق العنان للإبداعية والإنتاج والعطاء فيهما. ولابد من وقف هذا النزيف والاستنزاف الذي تسبب  فيه هذا الحيف الموجود الآن، لكي تستفيد المنظومة التربوية من هذه الطاقات البشرية التي كبحها القهر والحيف والإحساس بالغبن، خصوصا وأن الكلفة المادية لتسوية هذا الملف قليلة جدا نظرا لكون عدد المستشارين الذين لم يستفيدوا بعد من تغيير الإطار قليلا جدا، ولا يشكل إلا نسبة ضئيلة من مجموع أطر التوجيه والتخطيط التربويين.

خلاصة :

بناء على ما أسهبنا في وصفه وتفصيله على طول هذا المقال، فالسبيل الوحيد والأوحد لإنصاف أطر التوجيه والتخطيط التربويين هو: أولا، القطع مع ازدواجية مستشار/مفتش وتوحيدهما في إطار واحد وهومفتش في التوجيه أومفتش في التخطيط، بحيث يشرع مركز التوجيه والتخطيط التربوي في تخريج مفتشين فقط، عوض مفتشين ومستشارين على والورق ومفتشين فقط عمليا. ثانيا، تمكين المتدربين الموجودين الآن في المركز والمرتبين في السلم العاشر من التخرج بالدرجة الأولى. ثالثا، ترقية فورية لكل المستشارين الممارسين المرتبين في الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى. رابعا، إقرار التعويضات عن التنقل. خامسا، رد الاعتبار المعنوي لأطر هيئة التوجيه والتخطيط التربويين ، والسماح لها بأن تلعب أدوارها الطبيعية والحيوية داخل المنظومة التربوية.