أوضح استطلاع جديد بمجلة Nature أن أكثر من ثلث طلاب الدكتوراه والماجستير يعانون من التوتر والاكتئاب والقلق بسبب الدراسة؛ حيث أجري هذا الاستطلاع على عدد 6300 طالب من طلبة الدراسات العليا. إن 36% من الطلاب ليست نسبة قليلة، بل تثير القلق حول هؤلاء الطلاب، وخصوصاً أن كثيراً منهم لا يفصحون عن الأمر أو يطلبون المساعدة.

أوضحت دراسة أخرى أجريت عام 2018 على عدد كبير من طلاب الماجستير والدكتوراه أن نسبة 39% من الطلاب المشاركين في الدراسة يعانون من الاكتئاب الذي تتراوح شدته من المتوسط إلى الحاد.

تعد تلك المعدلات مخيفة ومثيرة للقلق، حيث بلغت تلك النسبة 6% فقط بين طلاب التعليم العام، أي أن طلاب الدراسات العليا يعانون من الاكتئاب المتوسط والحاد بمعدل يفوق الـ 6 أضعاف مقارنة بأقرانهم من طلاب التعليم العام. ذلك الاستطلاع الذي أجرته مجلة Nature العلمية لطلاب الدراسات العليا من مختلف التخصصات والمجالات يعد الخامس من نوعه خلال عشر سنوات.تضمن الاستطلاع سؤال الطلاب المشاركين فيه عن عدة أمور بدايةً من الخطط الوظيفية إلى عدد ساعات العمل ومدى رضاهم عن البرنامج بشكل عام، لكن النتائج المتعلقة بالصحة العقلية للطلاب أثارت المزيد من القلق، ونبهت أذهاننا لوجود مشكلة خطيرة لا يمكن التغاضي عنها.

قالت كايللين م جلوفر -مدير الشؤون التشريعية في الرابطة الوطنية لطلاب الدراسات العليا والمهنية- “من المؤسف أن تتوافق تلك النتائج تماماً مع ما سمعناه بالإضافة إلى ما عايشناه بأنفسنا”.

ما مدى رضا طلبة الدراسات العليا عن دراستهم وفقاً للاستطلاع؟
عند سؤال طلبة الدراسات العليا الذين شاركوا في الاستطلاع عن رضاهم عن قرار الدراسة فأجاب حوالي 74% منهم بعدم شعورهم بالندم إزاء قرار الدراسة، بل عبروا عن سعادتهم ورضاهم عن تلك التجربة التي منحتهم فرصة العمل مع أشخاص أكثر ذكاءً وتميزاً، والانخراط في البيئة الأكاديمية وإتاحة الفرصة لمزيد من الإبداع.

ما هي العوامل التي تؤثر على رضا الطلاب عن البرنامج الدراسي؟
معدل رضا الطلاب عن برنامج الدراسة بشكل عام يعتمد بشكل كبير على عدة عوامل منها:

  • القدرة على إحداث توازن بين الدراسة والحياة.
  • طبيعة العلاقة بين الطلاب والأساتذة المشرفين على الدراسة.
  • العلاقة بين الأساتذة والطلاب ومدى تأثيرها عليهم

من أكثر الأمور التي تؤثر على الحالة النفسية للطلاب ومدى رضاهم عن البرنامج الدراسي هو مدى الترابط بينهم وبين الأساتذة المشرفين عليهم، وطبيعة العلاقة بينهم، وعند سؤال الطلاب المشاركين في الاستطلاع عن هذا الأمر تبين الآتي:

قال أحد الطلاب المشاركين: إن النجاح في الدراسة يعتمد بشكل كبير على العلاقة بين الطالب والأساتذة المشرفين، حيث أن الأستاذة من الممكن أن يكونوا سبباً في نجاحك وكذلك من الممكن أن يتسببوا في تدمير حياتك المهنية.

وقال آخر: أن النظام الأكاديمي لا يساعد الطالب بشكل كبير، بل تقع المسؤولية الكبرى على عاتق الأساتذة المشرفين على الدراسة، وأوضح أن العلاقة الجيدة بين الطالب والأستاذ تجعل من الدراسة تجربة مثمرة وممتعة، وأنه كان محظوظاً بعلاقته مع أساتذته لكن هناك طلبة آخرين أقل حظاً بكثير.

على الجانب الآخر، عبر 53 طالباً من المشاركين في الاستطلاع عن عدم رضاهم التام عن تجربة الدراسة، وكذلك عن علاقتهم بالأساتذة المشرفين عليهم.

كما عبر نصف الطلاب عن استيائهم من قضائهم وقتاً قليلاً جداً مع أساتذتهم، حيث أظهرت النتائج أن نسبة 35% منهم يقضون من ساعة واحدة إلى ثلاث ساعات فقط أسبوعياً مع أساتذتهم، و 12% فقط هم من يقضون وقتاً أكبر.

كما عبر ما يقارب من ربع الطلاب عن رغبتهم في تغيير الأساتذة المشرفين عليهم بشكل كامل إذا أتيحت لهم الفرصة لذلك، كما عبر 8% من المشاركين عن رغبتهم في عدم استكمال الدكتوراه والتوقف عنها بشكل كامل إن استطاعوا ذلك.

ممارسة التنمر على الطلاب
من المشاكل الكارثية التي قد يتعرض لها طلبة الماجستير والتي تؤثر على صحتهم النفسية والعقلية، وتعرضهم للكثير من المشكلات النفسية من اكتئاب وتوتر وقلق أن يتعرضوا للتنمر والاضطهاد من قبل الأساتذة والمشرفين على الدراسة.

حيث قال 21% من المشاركين في الاستطلاع أنهم تعرضوا للتنمر، وعبر 48% منهم عن استيائهم الشديد من أساتذتهم بسبب التنمر عليهم.

من ضمن حالات التنمر والانتهاك التي وثقت وتسببت في أذى شديد، حالتان شهيرتان:

إحداهما بخصوص انتحار طالب في الدراسات العليا بأحد تخصصات الهندسة بجامعة ويسكونسن يدعى جون برادي بسبب تعرضه للاضطهاد والتوبيخ والإهانة من أحد الأساتذة المشرفين على دراسته.
والحالة الثانية بخصوص طالبة دراسات عليا في إحدى تخصصات الهندسة بجامعة ولاية آريزونا عندما أبلغت عن تعرض بعض رجال المختبر لها بسبب تقديمها بلاغاً ضد الأستاذ المشرف على رسالتها بسبب قيامه بالتحرش بها.
وهناك الكثير من الحالات المشابهة أيضاً في وطننا العربي، حيث من الممكن أن تحدث العديد من الانتهاكات لبعض الطلاب بسبب التمييز بين الجنسين، أو الوضع الاجتماعي، أو الوضع الصحي والإعاقة، أو اختلاف الدين والمعتقدات، أو التحرش الجنسي.

أوضحت الاستطلاعات أن النساء أكثر عرضة للتنمر والتحرش والتمييز الجنسي، وأنهن الأكثر تبليغاً عن حالات الانتهاك والتحرش.

المخاوف التي تحيط بالطلاب بشأن المسار الوظيفي
من أهم أسباب سوء الحالة النفسية لطلبة الدراسات العليا القلق الدائم حول المستقبل الوظيفي والمهني، حيث يشعر أغلب الطلاب الذين هم في عمر الـ 35 أو أكثر من ذلك بعدم الرضا عن المستقبل الوظيفي لهم، والشعور بعدم إتاحة الفرص الكافية لهم، وعدم حصولهم على التقدير المادي الذي يستحقونه.

وأعربت نسبة كبيرة من طلبة الدكتوراه عن قلقها من عدم توافر فرص الوظائف البحثية مع هيئة التدريس، وعدم إتاحة الفرصة لهم لإجراء البحوث والحصول على تمويل لها.

التوازن بين العمل والحياة
عدم التوازن بين العمل والحياة من التحديات التي تواجه طلبة الدراسات العليا، وتتسبب في شعورهم الدائم بالقلق والتوتر وقد تصل إلى الإكتئاب بدرجاته المختلفة.

عدم قدرتك على ممارسة حياتك بشكل طبيعي بسبب عملك أو دراستك التي تسرق منك أغلب أوقاتك أمر في غاية الصعوبة.

وفقاً للاستطلاع فقد أجاب 27% من المشاركين فيه بأنهم يقضون من 41 إلى 50 ساعة أسبوعياً في الدراسة والعمل، كما أن هناك الكثير من الطلاب الذين لديهم أعمال أخرى غير متعلقة بالبرنامج الدراسي، مما يكلفهم المزيد من الوقت والجهد.

في الختام، قال ديفيد باين رئيس تحرير مجلة Nature “يعتقد الكثير من الناس أن التسجيل في برنامج الدراسات العليا قد يضمن لك أن تعيش حياة أفضل، ولكن الحقيقة قد تكون مختلفة قليلاً”.

كما عبر عن أهمية تلك الاستطلاعات، حيث تتيح لنا فهم التحديات والصعوبات التي يواجهها طلبة الدراسات العليا مما يفتح الباب أمام المزيد من الأفكار لحل مشكلاتهم، وتقديم المساعدة لهم.

المصدر : أراجييك