اعتبر الباحث في علوم التربية، لحسن تالحوت، أن الأستاذ هو المعني الأول بحماية نفسه من العنف الذي يمارسه عليه التلاميذ، ليأتي دور الدولة والأسرة والمجتمع في المستوى الثاني، معللا كلامه في حوار مكتوب أجرته جريدة “العمق” معه. كما عدّد أيضا أسباب ودوافع الغش عند التلاميذ، في ارتباطها بتزايد ظاهرة العنف من طرف المتعلمين.

أولا أستاذ لحسن، ماهي دوافع الغش في الامتحان في نظرك؟

هناك دوافع ذاتية منها ما هو نفسي، كالعجز المكتسب لدى التلميذ أو الطالب والإحساس بعدم القدرة على الدراسة والمذاكرة، وفقدان الثقة في النفس واليأس من الواقع والخوف من الرسوب، ومنها ما يتعلق بالجانب المعرفي والمهاري.

أما الدوافع المعرفية فتتمثل في الهُزال المعرفي لدى التلميذ، والناتج عن انتشار أفكار خاطئة عن قيمة العلم والتحصيل الدراسي، إضافة إلى ضعف التربية والتواصل.

وفيما يخص الأسباب المهارية فهي ترجع لغياب الهدف والتخطيط والتفكير الاستراتيجي الذي يساعد التلميذ ويكون محفز له على الدراسة، بالإضافة إلى ضعف التنظيم والمراجعة والتركيز، كما يجب أن لا ننسى غياب تقنيات التعامل مع الامتحان والاجابة عليه.

أما الأسباب الموضوعية للظاهرة، فتتمثل من جانب في خلل في منظومة التعليم ومناهجها التعليمية الغير مساعدة والتقليدية، علاوة على ضعف ارتباط المؤسسة التعليمية بالواقع السوسيو-اقتصادي، وجمود البحث العلمي وسوء تقدير الكفاءات.

أما الجانب الثاني ضمن الأسباب الموضوعية، فيرتبط باستقالة الأسرة عن أداء دورها التربوي وغياب دور الإعلام في التعاطي مع هذه الملفات، ناهيك عن الدور السلبي للمجتمع في نشر ثقافة الغش واللامعنى والاكتفاء الذاتي.

شباب اليوم يعتبرون الغش حقا..ترى ما السبب وراء ذلك؟

أصبح الحديث عن الغش في الأوساط التلمذية يوصف بالحق والمشروع وحالة اعتيادية، لأن المفاهيم والوقائع تبدلت بفعل التوالي والتكرار، فأصبح الأمر عادة، ومنه تحول إلى مقصد وغاية أكثر منه مجرد وسيلة وتقنيات.

ويرجع تفشي ذلك إلى غياب الزجر وتفعيل القانون وتوالي حالات الغش واستمرارها، مع تعود الأساتذة عليها في المراقبة المستمرة وتهاون وتقاعس بعض المراقبين في القيام بواجبهم أو مساعدتهم أحيانا للتلاميذ في الغش، خاصة في امتحانات المستوى السادس ابتدائي، باعتباره أول امتحان يمر منه المتعلم في مساره الدراسي.

تتزايد حالات الاعتداء على الأساتذة بسبب الغش.. لماذا في نظرك؟

بالفعل تكاثرت حالات العنف ضد الأساتذة عموما وتزايدت الوتيرة والنسب خلال الامتحانات وذلك لأسباب مختلفة أبرزها اعتبار الغاش المراقب عدو ومعيق نحو تحقيق الخلاص الفردي المتمثل في النجاح، مع غياب التقدير اللازم للأستاذ الرسول والمربي قبل أن يكون مراقب. بل حتى غياب الايمان بالقانون وعدم تفعيله، وأحيانا الجهل بالقانون يدفع المتعلم لتعنيف الأستاذ.

علاوة عن النظرة الشعبية العامة للأستاذ وهي حالة ملتبسة ويبدو أنها مقصودة لتشويه سمعة مربي الأجيال وإهانته.

هل لشخصية الأساتذة المراقب في الامتحان سبب وراء تعنيفه؟

يكره المتعلمون نوعين من الأساتذة المراقبين؛ الأول الذي يعكس شخصية منغلقة تراقب بشكل جدي ولا تسمح بأي حالة غش، والثاني ذلك الذي يرون فيه نوعا من التعالي والعجرفة ويراقب بشكل جيد. فالعديد من المتعلمين عموما يرفضون مجموعة من التصرفات الدافعة للتعنيف منها الإهانة التي يتعرض لها إما مضبوطا أو متربصا بأي فرصة للغش.

إن المراقب الذي يخل بالقانون العام المنظم لعملية المراقبة، والتي يتعرض فيها المتعلم لنوع من الإيذاء المقصود وانعدام المساواة وتكافؤ الفرص أو الاحساس بالاتهام، ستسقط بعض الأساتذة في ردات فعل تهوي بهم الى مستوى أقل من المفروض بهم فيدخلون في نوع من الصراع مع الممتحن الأمر الذي يفضي إلى وقوع حالات من التعنيف.

في نظرك من المسؤول عن انتشار هذه التصرفات؟

المسؤول الأول هو المتعلم؛ وذلك للارتهانه لممارسة الغش وعدم اتخاذه أسباب النجاح، أما المسؤول الثاني فهو الأستاذ، خاصة في الحالات السابقة التي ذكرناها والمرتبطة بسلوكياته وشخصيته، أو عدم تفعيله للمقتضيات القانونية وأحيان التساهل في حدوث الغش. أما المسؤول الثالث فهو الدولة في شخص الوزارة المعنية وباقي الوزارات ذات الصلة بالثابت التربوي والتوجيهي وفي شخص الإعلام الرسمي وعدم تفعيل القانون والتعريف به.

وهناك مسؤول رابع هو الاسرة التي لم تعد تقوم بأدوارها التأطيرية والتربوية الموازية والداعمة لدور المدرسة في شخص الأستاذ. أما المسؤول الأخير هو المجتمع بمختلف أطيافه وفاعليه من الأقران إلى الهيئات الجمعوية والنقابية والثقافية والسياسية.

من المعني بحماية الاستاد أمام هذه السلوكات؟

المعني الأول هو الاستاد نفسه، باحترام المتعلمين كذوات ومنظومة أفكار وقيم واتجاهات وباحترام القانون ومبادئ المساواة والكرامة وتكافؤ الفرص والحياد والموضوعية.

والمتعلم أيضا معني بالأمر وذلك بتقدير الجهود المبذولة من طرف الأساتذة واحترامهم وتوقيرهم والحرص على إسعادهم من خلال التحصيل الجيد وإرادة التفوق والتحلي بالقيم الحميدة. أما المعني الثالث فهو الدولة؛ بالحرص على تخليق المدرسة الوطنية والسعي لإعادة الاعتبار للدور التربوي والقيمي الذي تسعى إليه واحترام حق المتعلمين في الرسوب وبناء تعلماتهم على أسس صحيحة ومتينة وتجديد المناهج والاختيارات وتأمين المدرسين بتعزيز الأمن المدرسي ومواجهة الممارسات اللامدرسية.

ثم أخيرا يأتي دور الأسرة و المجتمع والإعلام لحماية وترميز مكانة المدرس في المجتمع والرفع من شأنه باعتباره نخبة وصفوة للأجيال.

المصدر: العمق المغربي