المشروع الشخصي في التوجيه التربوي  المشروعية والممكن والمستحيل

1 – تمهيد :

الأفكار الواردة في هذا المقال تنطلق من المرجع الأكاديمي الفرنسي حول المشروع الشخصي،

 Les démarches de projets personnels, Daniel Pemartin, Ed.EAP, 1995

لكنها وفي نفس الوقت تستند على الخبرة المتراكمة لأطر التوجيه التربوي بالمغرب عبر عقود من الممارسة العملية في ميدان الاستشارة والتوجيه في ظل الاكراهات المادية والبشرية لمنظومة التوجيه.

بتعبير آخر، من السهل الحديث عما ينبغي أن يكون عليه المشروع الشخصي للتلميذ المغربي في مجال التوجيه التربوي هكذا بعيدا عن السياق العام الذي يتحرك فيه هذا التلميذ بمعية أطر التوجيه التربوي داخل النظام التعليمي بالمغرب، لكن ما هو كائن بالفعل لا يمكن الهروب منه أو التملص من تبعاته لأنه دائما هناك قابع بإصرار ينتظر من يجرؤ على الاقتراب منه والإفصاح عنه كما هو حقيقة قبل أي فعل كيفما كان في اتجاه تغييره.

كما أن القيمة المضافة لأي مشروع تربوي بشكل عام تكمن في قدرته على حل إشكالات الواقع التربوي من خلال المقاربة التي ينتهجها، وإلا فان بمقدور أي كان أن يطلق العنان لأفكاره يبحر بها أنى شاء في محيط التجارب الإنسانية ليدلي بدلوه هو أيضا في إطار حرية التعبير المكفولة له. لكن هل سيغير ذلك من واقع الأمور شيئا؟ هذا هو السؤال.

2 – تعريف المشروع الشخصي :

من خصائص اديولوجية التدبير كما أشرنا إلى ذلك في مواضع أخرى، استعمالها لمفردات – وليس مصطلحات أو مفاهيم لانعدام الخلفية النظرية التي تنطلق منها – فضفاضة تعني كل شيء ولا شيء والشيء ونقيضه في نفس الآن هروبا من مسؤولية المحاسبة حول الإطار المفاهيمي الذي تستند إليه.

والمشروع الشخصي ومن كثرة الاستعمال أصبح لا يعني شيئا ذا بال لأنه في الواقع هذه الكلمة لا تحيل إلا إلى مجموعة من القرارات المتتالية التي يجب على التلميذ اتخاذها خلال مساره الدراسي ولا علاقة لها أساسا بمسألة النضج المهني. وقد ظهرت هذه المفردة كنتيجة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتشبثت بها الأنظمة السياسية في الدول المتخلفة كذريعة لتحويل مسؤولية الدولة في مجال التشغيل على الفرد. أي أن مسألة البحث والحصول على مهنة هي أولا وأخيرا تعود إلى الفرد لوحده لا غير وفي حالة فشله في ذلك فلأنه لا يتوفر على المهارات والمعارف الضرورية للشغل أو أنه غير قابل للتشغيل.

وما لا يعرفه آباء وأولياء التلميذ المغربي الذي ستقع على عاتقه مسؤولية مستقبله الدراسي والمهني هو أن وراء سحر المشروع الشخصي مجموعة من المتناقضات التي يتم تمريرها في غفلة منهم لهدف واحد وهو الاستقالة الجماعية والاجتماعية من المسؤولية المشتركة لتنشئة الأفراد وإعدادهم للحياة المهنية، في عملية هروب متواصلة إلى الأمام، من الحاضر نحو المستقبل الذي تحيل عليه مفردة المشروع الشخصي.

التناقض الرئيسي الأول هو في النية المهنية للمشروع الشخصي للتلميذ والمعارف والسلوك والمواقف الضرورية لتحقيق هذه النية. فمهنة طبيب على سبيل المثال كهدف مشروع لأي تلميذ نابغة في علوم الحياة والأرض لا تتعلق برغبته الجامحة فقط في الوصول إليها، وإنما تدخل في اعتبارها حسابات عديدة لا يد للتلميذ فيها أو عليها كمعدلات الانتقاء والاختبارات الكتابية والمقابلات الشفوية والطاقة الاستيعابية لكليات الطب…الخ. فهل إذا حصل التلميذ على معدل مرتفع في الباكلوريا 16 مثلا ولم يتم انتقاؤه من طرف كليات الطب لأنها حددت عتبة الانتقاء في 17 فما فوق، من المعقول أن نرجع كل اللوم إليه وكامل المسؤولية عليه؟

التناقض الرئيسي الثاني يكمن في الخلط المقصود ما بين المشروع الشخصي كخطة عمل عقلانية للوصول إلى هدف مهني وما بين حرية الاختيار والإرادة الذاتية في تحقيق هذا الهدف.

أي أن توفر التلميذ على مشروع شخصي يعني حرية اختياره لمساره الدراسي والمهني وهذا وهم كبير وتلاعب بالكلمات في المذكرات التنظيمية للمشروع الشخصي التي وعوضا عن بناء مستقبل التلميذ على أرض الواقع تقوم بكتابة هذا المستقبل على الأوراق فقط. وبصفر درهما كما هي العادة دوما.

3 – مشروعية المشروع الشخصي :

نقصد بالمشروعية درجة مصداقية المشروع الشخصي لأن التعابير البهلوانية للمهووسين باديولوجيا التدبير تضحك على ذقون آباء وأمهات التلاميذ وتخفي وراءها غابة من المستنقعات تتيه فيها الأفهام البسيطة.

والسؤال المحوري الذي لا يجب أن يغيب عن ناظرنا هو كالتالي :

– عن أي مشروع شخصي نتحدث في ظل فشل المشروع المجتمعي حول التعليم؟

(أنظر مقالنا في الموضوع تحت عنوان″وتستمر مخزنة النظام التعليمي بالمغرب″ بالموقع بتاريخ 10 شتنبر 2018 )

ثم تأتي الأسئلة الفرعية التالية لتزيد من قتامة السياق العام الذي يحتضن هذا المشروع الشخصي :

  • هل يستقيم المشروع الشخصي مع عدم تكافؤ الفرص ما بين التلاميذ؟
  • في غياب الحد الأدنى من سلطة التلميذ على مساره الدراسي والمهني، لا معنى بتاتا للمشروع الشخصي.
  • كيف يمكن لهذا المشروع الشخصي أن يتحقق مع الضغط المتواصل والتغييرات التي لا تنتهي في المناهج والمقررات الدراسية؟
  • أين هو هذا التلميذ الراشد والعاقل والمستقل والمسؤول والعقلاني…الذي تعول عليه المذكرات التنظيمية ؟ هذه الصفات لا توجد لدى الكبار فبالأحرى كيف لدى الصغار؟
  • ما محل التلاميذ المتعثرين من الإعراب؟ كيف سيتعايش المشروع مع الفشل الدراسي والعنف والمخدرات…؟

لن نطيل في سرد تناقضات الواقع التربوي التي لا حصر لها لأن هذا الواقع هو خير دليل عليها ولم تعد خافية على أحد وخاصة مع ″أزمة″ النظام التعليمي المزمنة والمراتب الأخيرة التي يحتلها هذا النظام في العالم.

4 – المستحيل في المشروع الشخصي :

الحديث عن حرية الاختيار في إطار جبرية النظام التعليمي المغربي ضرب من الخيال، والذين يدافعون عن هذه الحرية إنما يصرفون أنظار آباء وأمهات التلاميذ عن الاكراهات البنيوية للنظام التربوي.

فهل يمكن تغيير التلميذ مع جمود المؤسسة التعليمية؟ وهل المسؤولية الفردية ممكنة مع قيود الواقع التربوي؟

لنعط أمثلة على هذه القيود :

  • المشروع الشخصي يعتمد على الإعلام فقط، أما الوسائل المادية واللوجستيك الضروريين لاستكشاف المهن مثلا فلا وجود لها إلا على ظهر الدلائل والأوراق!
  • مستقبل التلميذ أمامه يوميا يراه بوضوح تام : أستاذه المتعاقد !
  • منذ الاستقلال إلى اليوم والتضارب بين الفرقاء السياسيين حول التعليم لا ينتهي. بمعنى آخر، بناء المشروع الشخصي مع وجود المشاريع المتضاربة حول المدرسة المغربية مغامرة غير محسوبة العواقب. والمستجدات الطارئة كل سنة خير دليل على عدم استقرار البنية التربوية بالمغرب، وما زالت مجموعة من القضايا الأساسية غير محسوم فيها كالخيار اللغوي ومجانية التعليم…الخ
  • المدرسة ليست هي كل شيء، وانتباه الآباء إلى هذه الحقيقة تدفع بمعظمهم وخصوصا في العالم القروي إلى التأثير على المسار الدراسي والمهني لأبنائهم. وما الهدر المدرسي المتزايد إلا مثال حي على ذلك.
  • الهوية المهنية لا أثر لها في المشاريع الشخصية للتلاميذ التي تدور كلها حول تنمية الحس الريادي والمقاولاتي واقتناص الفرص. وهذا نوع من التنميط للتلميذ المغربي ليس له سابقة في تاريخ المدرسة العمومية لأنه لا يعقل أن يصبح الكل مقاولا وأن يتكون المجتمع من طبقة واحدة، طبقة رجال الأعمال.
  • الخيارات المهنية للتلاميذ محدودة في مجتمع يقوم اقتصاده على الريع وبالتالي فرومانسية المشروع الشخصي لن تؤدي إلا إلى مزيد من التنافر المعرفي والنفسي بين ما يرغب فيه التلميذ وما يمليه عليه الواقع المهني رغما عنه من خيارات.
  • مشروع التلاميذ المتعثرين دراسيا هو أولا وأخيرا دراستهم. ومع تدني الكفايات الأساسية لدى معظم التلاميذ يبقى السؤال حول جدوى المشروع الشخصي في التوجيه التربوي قائما.
  • حسب المندوبية السامية للتخطيط تبلغ البطالة في صفوف الشباب 18 في المائة وهي بطالة طويلة الأمد. والمشروع الشخصي لن يغير من هذه النسبة شيئا بل ستصبح اليد العاملة في المستقبل يدا عالمة لا أقل ولا أكثر.
  • أظهرت مجموعة من الدراسات أن نفسية التلميذ المغربي ليست على ما يرام وأن تقدير الذات لديه منخفض وبالتالي فبناء النفس يأتي قبل بناء الدراسة والمهنة، لأن فاقد الثقة في نفسه لا يمكن أن يثق بغيره أو بالمستقبل البعيد.

5 – الممكن الوحيد في المشروع الشخصي :

لنعد الأمور إلى نصابها. المشروع الشخصي لا يمكن أن يلقى على عاتق التلميذ لوحده. انه من مسؤولية الآباء أولا ومن مسؤولية الدولة والمجتمع ثانيا. وكل عملية تسير نحو التملص من هذه الحقيقة إنما تغامر بمستقبل الأجيال الصاعدة وتدفع بالأمور نحو الفوضى والمجهول. وجميع الأنظمة السياسية التي تحترم نفسها في العالم بدأت ببناء الفرد ولم تكله إلى نفسه أو إلى غيره من الوصوليين يقيمون مشاريعهم الشخصية على أنقاض مشروعه الشخصي.

محمد أزرور