إن مرحلة إعادة التوجيه من أهم المحطات التي تتم خلال الأسبوع الأخير من شهر شتنبر بداية كل موسم دراسي، إذ تعتبر فرصة ثانية تهدف إلى مساعدة التلميذ على تصحيح اختياراته الدراسية وحل المشكلات المدرسية التي تعترضه، خلال اللقاءات الأولية مع مختلف مواد المستوى الجديد.

ويعتبر تلاميذ شعبة العلوم الرياضية من بين التلاميذ الأكثر اهتماما بالمشاركة في عملية إعادة التوجيه؛ فأغلبهم يبدي الرغبة في التخلي عن هذه الشعبة والالتحاق بشعبة العلوم فيزيائية، للاعتبارات التالية:

ـ أن مستوى أغلب تلاميذ السنة الثانية علوم رياضية في مادة الرياضيات جد متوسط إن لم نقل ضعيفا، نتيجة خفض عتبات القبول بهذا المسلك خلال السنة الأولى من الموسم الماضي. كما أن بعض التلاميذ يعتبرون توجيههم إلى السنة الأولى شعبة العلوم رياضية فرصة ستمكنهم من الرفع من مستواهم في المواد العلمية؛ وهو ما سيساعدهم على الحصول على نتائج متميزة بعد انتقالهم إلى السنة الثانية شعبة العلوم فيزيائية؛

ـ أن عملية التوجيه، التي تتم خلال منتصف السنة الدراسية من السنة الأولى باكالوريا، لا تخول لهم الحق في اختيار مسلك العلوم الفيزيائية؛ بل تتيح لهم فقط التوجيه إلى شعبة العلوم الرياضية بمسلكيها أ وب، وأن تصحيح التوجيه من العلوم الرياضية إلى العلوم الفيزيائية يتم بداية السنة إثر عملية إعادة التوجيه؛

ـ أن تطلعات الآباء وتلاميذ السنة الثانية باكالوريا هو الرفع من معدلاتهم حتى يتسنى لهم الالتحاق بالمدارس ذات الاستقطاب المحدود، خصوصا أن تلاميذ هذه الشعب يتوجسون من الامتحان الوطني الخاص بشعبة العلوم الرياضية، والذي يعتبر من أصعب الامتحانات الوطنية؛

وفي مقابل هذه الوضعية، نجد بعض مجالس إعادة التوجيه بالمؤسسات التعليمية تتشبث بقرار قبول نسبة ضئيلة من طلبات إعادة التوجيه الخاصة بهذه الفئة في حدود ما تسمح به البنية التربوية ورفض الباقي، على الرغم من ضعف مستوى المتمدرسين في مادة الرياضيات، دون مراعاة لمؤهلاتهم ورغباتهم وتطلعات أوليائهم، خصوصا أن السنة الختامية من الباكالوريا هي المحدد الأول لمستقبلهم.

ومن خلال مناقشة هذا الموضوع مع العديد من الأسر التي تتخوف من نتائج مجالس إعادة التوجيه، وتعتبرها ذات أهمية بالغة إن لم نقل مصيرية بالنسبة للمستقبل الدراسي والمهني لأبنائها، تظهر مجموعة من التساؤلات تفتح باب النقاش حول مدى مصداقية تدخل البنية التربوية في توجيه التلاميذ نحو الشعب المختارة، والتي نستعرضها على الشكل التالي:

ـ من المسؤول عن ضعف مستوى أغلب تلاميذ السنة الثانية علوم رياضية في مادة الرياضيات؟ ومن المسؤول عن قبولهم بهذا المسلك نهاية مستوى الجدع العلمي؟ أليست عملية التوجيه من الجدع العلمي إلى أولى علوم رياضية تتم بناء على دراسة طلبات التوجيه وأن نقطة الرياضيات والفيزياء تعتبر المحدد الرئيس لرفض أو قبول طلبات هذه الفئة من التلاميذ بهذه الشعبة؟

ـ هل من المعقول أن تتدخل البنية التربوية في تحديد مصير تلاميذ السنة الثانية باكالوريا علوم رياضية الراغبين في تغيير توجيههم إلى شعبة العلوم فيزيائية؟ أليس من المنطقي اعتبار المؤهل العلمي وميول التلاميذ المعيار الأوحد في إعادة توجيه التلاميذ، على اعتبار أننا نتحدث عن ميولات شخصية ومستقبل فئة من التلاميذ حصلت على معدلات متميزة في الامتحان الجهوي؟ أليس من المنطقي تكييف البنية التربوية مع اختيارات التلاميذ بدل العكس؟

ـ هل قرارات مجالس إعادة التوجيه بالمؤسسات التعليمية تتم وفق المعايير التي تحددها لها المذكرات الوزارية المؤطرة، أم أنها باتت مجرد آراء وانطباعات بعض أعضاء المجالس تصاغ قبل موعد انعقادها؟

ـ هل الاعتماد على بيان نقط التلميذ ونقطة مادة الرياضيات الوسيلة الوحيدة للبت في توجيه التلميذ في ظل اختلال منظومة التقويم والتي أصبح مشكوكا في مصداقية معطياتها، أم أن هناك وسائل ومعطيات أخرى يجب اعتمادها في التعرف على خصائص التلميذ كالمقابلة والملاحظة وبطاقات المتابعة والتوجيه وبطاقة الرغبات والسجل المدرسي للتلميذ؟

ـ هل للمؤسسات التربوية تخطيط واضحة يتعلق بتوجيه التلاميذ إلى المسالك والشعب التي تتناسب وطموحاتهم ومؤهلاتهم؟ وهل لها أيضا تصور واضح يتعلق بإنضاج وعي التلاميذ بإمكاناتهم وقدراتهم الشخصية وكذا جعل مشروعهم الشخصي سيرورة دائمة النمو والتطور؟

ـ هل منظومة التقويم التربوي بمؤسساتنا التعليمية، بما تعانيه من قصور، قادرة على كشف قدرات وميول التلاميذ الحقيقية بحيث تستطيع مد مجالس إعادة التوجيه بالمعطيات الحقيقية عن كل تلميذ؟

ـ وهل حظي التلاميذ المشاركون في عملية إعادة التوجيه بالمصاحبة الضرورية والتي ستمكنهم من إنضاج اختياراتهم؟

ـ أليس من حق التلاميذ وأسرهم أن ينعموا بالاستقرار النفسي بداية كل موسم دراسي، بعيدا عن هواجس الاختيار وإكراهات تغيير المؤسسة إن لم تتم تلبية طلباتهم داخل مؤسساتهم الأصلية؟

هذه التساؤلات تحمل بين طياتها مجموعة من الإجابات الضمنية تعبر عن واقع مؤسساتنا التعليمية، والتي دائما ما تتجه قرارات مجالس توجيهها أو قرارات بعض أعضائها نحو ترجيح كفة إمكانات البنية التربوية على حساب ميول ومؤهلات التلاميذ.

إن نجاح عملية إعادة التوجيه في تصحيح المسار الدراسي للتلاميذ رهين بمدى وعي كافة المتدخلين والشركاء بأهمية هذه المرحلة ودورها في تحديد الهوية الدراسية والمهنية للتلميذ، وأي تدخل أو إرغام للتلاميذ على التوجيه إلى شعبة غير مرغوب فيها أو لا تتوافق مع قدراتهم وميولهم بدعوى احترام إمكانات البنية التربوية سيكون له انعكاس سلبي على مستقبلهم الدراسي والمهني، خصوصا أننا نتحدّث عن السنة الختامية من السلك الثانوي التأهيلي. ولكم في توجيه أبنائنا واسع النظر.

بقلم : هشام البوجدراوي