تقديم عام: في إشكالية وأهداف وحدود الموضوع:

يعتبر مفتش التوجيه التربوي أحد موظفي الدولة بوزارة التربية الوطنية في الحقل التربوي والتكويني، يضطلع بمهام التأطير والمراقبة والتتبع والتقويم والإعلام والمساعدة على التوجيه وفق مقتضيات النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية والنصوص المنظمة للتفتيش، عموما، وفي مجال التوجيه التربوي، خصوصا، وكذا النصوص المحددة لمهام أطر التوجيه التربوي بالقطاعات المدرسية للتوجيه التربوي.

وتشمل تدخلات مفتش التوجيه التربوي المجالات التربوية والإدارية والتقنية، تتوزع حسب المواقع والتخصصات، ووفق النصوص التنظيمية، إلى عدة مهام يتم إنجازها، سواء على المستوى المحلي بالقطاع المدرسي للتوجيه التربوي، أو على مستوى المنطقة التربوية للتفتيش، أو على المستوى الجهوي، أو على المستوى المركزي.

فعلى مستوى المنطقة التربوية للتفتيش، تناط بمفتش التوجيه التربوي المسند إليه الإشراف على منطقة تربوية، مجموعة من المهام تتمحور حول تأطير المستشارين في التوجيه التربوي بالقطاعات المدرسية للتوجيه، وتتبع وتدبير العمل، وسير مختلف العمليات، من وضع برنامج عمل وفق جدولة زمنية، إلى تتبع الحياة المدرسية في مختلف تجلياتها، وإعداد تقارير دورية وسنوية حول سير تنفيذ البرنامج الدوري والسنوي، وذلك بتنسيق مستمر مع الأطراف المعنية والجهات المسئولة من أطر إدارية وتربوية وفاعلين تربويين، سواء بالمؤسسات التعليمية والإدارية أو بالبنيات الخدماتية والتأطيرية.

أما على مستوى المفتشية الإقليمية، فيشارك مفتش التوجيه التربوي المنتدب، في أشغال مجموعات عمل المناطق التربوية والمجلس الإقليمي للتنسيق والمجلس الجهوي للتنسيق.

وأما على المستوى الجهوي، فيساهم مفتش التوجيه التربوي المنسق الجهوي، إلى جانب المفتشات والمفتشين المنسقين الجهويين، في المهام المنوطة بالمنسقية الجهوية والمجلس الجهوي للتنسيق.

وعلى المستوى المركزي، تناط بالمفتش المنسق المركزي مجموعة من المهام، تتمحور حول تنسيق أعمال المنسقية المركزية، وأشغال المجلس المركزي للتنسيق، وإعداد تقارير دورية توجه إلى المفتشية العامة للتربية والتكوين.

ونظرا لتعدد مهامه التي تنبثق، في مجملها، عن مجموعة من المحاور الكبرى، والتي تشمل عمليات مختلفة ومتعددة ، وعن وضعيته ضمن منظومة التربية والتكوين، وموقعه وعلاقاته بمختلف الجهات التربوية والإدارية والتقنية والشركاء والفاعلين التربويين، فإن مفتش التوجيه التربوي، انطلاقا من أي موقع كان، يجد نفسه تتجاذبه المؤسسات التعليمية والإدارية، من جهة، والبنيات التأطيرية والخدماتية، من جهة أخرى، للاستجابة لطلبات الجهات والفرقاء التربويين، وما أكثرها!!!. كما تتجاذبة من حيث الانتماء الإداري، فئة التوجيه التربوي، من ناحية، وجهاز التأطير والمراقبة التربوية، تحت إشراف المفتشية العامة للتربية والتكوين، من جهة أخرى، ليبدو موقع مفتش التوجيه التربوي يلفه كثير من الغموض والالتباس. وهكذا تتجلى مهام مفتش التوجيه التربوي، إما في المشاركة في أشغال اجتماعت تربوية أو إدارية أو تقنية، أو القيام بزيارة مؤسسات تعليمية للوقوف على أحداث أو حالات أو وضعيات مختلفة تتعلق بعدة عمليات: تأطير، مراقبة، تقييم، افتحاص، تمرير مهام… وقضايا تربوية وإدارية وتقنية متنوعة، كتنظيم دورات تأطيرية وتكوينية والإشراف عليها، أو عقد لقاءات واجتماعات متخصصة لتدارس قضايا آنية، أو وضع خطاطة لبرنامج معين، أو وضع أسس وتصورات لتنفيذ السياسة التعليمية المنتهجة، أو إنجاز بحث تربوي حول ظاهرة معينة، وما إلى ذلك من العمليات التربوية والمدرسية والإدارية والتقنية.

ورغم المجهودات التي يبذلها مفتش التوجيه التربوي من مختلف مواقعه ومهامه محليا وإقليميا وجهويا ومركزيا ، فإن منظومة الإعلام والمساعدة على التوجيه بالمغرب، ووفق تقارير وخلاصات ندوات ولقاءات، تشوبها كثير من مظاهر التأزم، وتتخبط في كثير من الصعوبات والمعوقات التي تعترض مفتش التوجيه التوجيه التربوي وتضعف مردوديته المهنية وتعيق مختلف مبارداته.

فما موقع مفتش التوجيه التربوي ضمن منظومة التربية والتكوين؟ وما نوع العلاقات التي تربطه بمختلف الفرقاء والفاعلين التربويين والبنيات الإدارية والتأطيرية؟ وكيف يتفاعل معها، ميدانيا، في إطار النصوص المنظمة؟ وما هي الصعوبات والمعيقات التي تعترض مفتش التوجيه التربوي؟

وفي علاقة بكل ما أسلف، أي هوية مهنية لمفتش التوجيه التربوي؟

وقبل مناولة هذه المحاور التي تشكل العمود الفقري للموضوع الحالي، لا بد من التأكيد على أن المنظور الذي تمت، من خلاله، مناولة هذه التساؤلات، هو اعتبار مفتش التوجيه التربوي كشخص وكذات بقيمة وكرامة وليس أداة أو وسيلة، إذ الإشكالية قائمة، لم تراوح مكانها، منذ مدة زمنية غير يسيرة.

وفي غياب بحوث متخخصة تناولت مسألة الهوية المهنية لمفتش التوجيه التربوي بالمغرب ، حسب علمنا وما توصلنا إليه؛ ومنذ البدء، وتوخيا للموضوعية والمصداقية، لا بد من الإقرار أننا لن ندعي سبر أغوار موضوع بهذا الحجم من خلال مناولة نظرية، تستند لتجارب متواضعة، وتقارير محدودة، كما لن ندعي الإحاطة بجميع متطلباته ومضامينه المنهجية والتحليلة، بقدر ما نود وضع إحدى اللبنات لدراسة عميقة لموضوع خصب لم يتم بعد الخوض فيه، ميدانيا، بالشكل المطلوب.

وحتى لا نتيه في جوانب بعيدة عن الأهداف المسطرة لهذا الموضوع، فإننا سوف لن نغوص في تعاريف مسهبة مفاهيميا وإبستومولوجيا أو تاريخيا لمفهوم الهوية في ارتباطها بمختلف المجالات النفسية والاجتماعية، بقدر ما نركز، بشكل مندمج، على مختلف الأبعاد والمؤشرات المحددة للهوية المهنية لمفتش التوجيه التربوي من خلال النصوص التشريعية الإدارية والتربوية والتقنية والممارسة الميدانية.

I. الهوية والهوية المهنية: تعريفات

فحيث مفهوم الهوية، عموما، من جهة، يشير إلى ما يكون به الشخص وما هو عليه حقيقة، أي ما يطابق نفسه أو مثيله، وذلك من حيث مميزاته الشخصية والذاتية وخصائصه التي تميزه عن غيره، من قيم ومواقف وتوجهات ومقومات وتفاعل داخل محيطه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، الأمر الذي يعني الحديث عن هوية مجموعة بشرية يتفاعل أفرادها ضمن وسط معين تجمعهم خصوصيات نفسية ومهنية واجتماعية وعادات ونمط عيش، وحيث الهوية المهنية، من جهة أخرى، تعتبر بعدا من أبعاد الهوية النفسية والاجتماعية للفرد تتعلق بنشاطه المهني والاجتماعي والاقتصادي، فإن هذا الموضوع يتناول الهوية المهنية لمفتش التوجيه التربوي، من مختلف مواقعه ومهامه، المنتسب لمنظومة الإعلام والمساعدة على التوجيه، لما يتضمنه من نظرة لذاته المهنية الفردية والجماعية، ونظرته لمكانته بين أفراد فئته ووسطه المهني والاجتماعي، وذلك في ضوء النصوص التنظيمية والتشريعية المتوفرة والمحددة لموقعه الإداري والمهام الموكولة إليه، ومن خلال ممارساته المهنية ضمن منظومة التربية والتكوين، وفي علاقته بمختلف الجهات والفرقاء والفاعلين التربويين والبنيات الإدارية والخدماتية، مركزيا وجهويا وإقليميا.

II. أبعاد ومؤشرات الهوية المهنية لمفتش التوجيه التربوي:

حتى تتم الإحاطة بالموضوع قدر الإمكان، سنحاول الإبحار في كل من النصوص التشريعية والتنظيمات الجمعوية والنقابية، لمقاربة الهوية المهنية لمفتش التوجيه التربوي، نفسيا واجتماعيا، انطلاقا من المواقع التي يشغلها ضمن منظومة التربية والتكوين إداريا وتربويا وتقنيا، وذلك عبر الفقرات التالية:

1. استئناسا بالنصوص التنظيمية، يتوزع إطار مفتش التوجيه التربوي إلى مجموعتين مختلفتين إداريا، بحيث كل مجموعة تتموقع في درجة محددة، وتتحرك نحو الصعود والترقي عن طريق إجراءات إدارية ومهنية، وحسب سنوات الأقدمية في الدرجة، لتطرح بشدة إشكاليات تنافر وتجاذب المجموعتين، وتضارب الحاجيات والمصالح والمطالب والمواقع، خصوصا لما ينضاف عنصر المفتش بالأقدمية، والمفتش عن طريق التكوين لمدة سنتين بمركز التوجيه والتخطيط التربوي، بعد النجاح في مباراة ، ولتوضع بشكل جلي وواضح تساؤلات حول مدى وحدة إطار مفتش في التوجيه التربوي، وانسجامه وتكامل عناصره ومدى الانتماء الإداري والمستوى الاقتصادي والمكانة الاجتماعية. هذه العناصر مجتمعة تشكل إحدى أبعاد الهوية المهنية في ارتباطها بالحافزية المادية والمعنوية نحو الاعتزاز بالمهنة والبذل والعطاء وحب العمل والرضى والاهتمام والمثابرة تقديرا للمسؤولية والقيام بالواجب المهني؛

2. وانطلاقا من واقع منظومة الإعلام والمساعدة على التوجيه، وفي غياب إصدار القانون – الإطار، المطالب به منذ ما لا يقل عن ربع قرن، الذي من شأنه تحديد مواقع أطر التوجيه التربوي، من مفتشين ومستشارين في ما بينهم، وضمن الفرقاء والفاعلين التربويين، وتنظيم العمليات والمهام الموكولة لمفتش التوجيه التربوي بشكل إجرائي ودقيق، يلاحظ أن أغلب المهام والعمليات، لا يخلو إنجازها من مناقشات متعارضة وآراء متناقضة ووجهات نظر متعددة الرؤى والتأويلات، حيث يجد مفتش التوجيه التربوي نفسه، خصوصا مفتش المنطقة التربوية والمفتش المستشار في التوجيه التربوي، يجد نفسه في كثير من الأحيان، في حيرة من أمره حول طريقة ومنهجية إنجاز عملية ما، في ظل اختلاف التصورات والآراء، وفي ظل عدم أجرأة النصوص التنظيمية، من حيث الجوانب الإدارية، وفضفضة المهام، وعلاقات العمل غير الواضحة والملتبسة مع مختلف الأطر، الشيء الذي يؤدي بمفتش التوجيه التربوي إلى اتخاذ كثير من الحيطة والاحتراز، تجنبا لشنآن محتمل أو نزاع هامشي، ما يؤثر سلبا على تفاعلاته مع مختلف الوضعيات، الشيء الذي يحد من فعاليته ومردوديته، ما يجعله يشعر بالخيبة والإحباط تجاه المسؤوليات الملقاة على عاتقه في إطار المهني.

3. ونظرا للخصاص المهول الحاصل على مستوى مستشاري التوجيه التربوي، وتنفيذا لمقتضيات النصوص التنظيمية، يتم إسناد مهام الإعلام والمساعدة على التوجيه بالقطاع المدرسي للتوجيه، لمفتش التوجيه التربوي، الذي يزاول خلال السنةالدراسية، مهام الإعلام والمساعدة على التوجيه بالمؤسسات التعليمية، حيث يشعر بالتوتر والاضطراب، لعدم قيامه بمهامه الأصلية المنصوص عليها تنظيما وتشريعا، فتنقص فعاليته، وتضعف مردوديته من شدة الشعور بالإحباط، بالرغم من تقديره واجبه ومسئوليته، كما يعسر اندماجه المهني، إذ والحالة هذه ، ما يحد من تفاعلاته داخل بيئته المهنية، فتنتابه، إلى حد ما، حالات قلق وانفعالات، تؤثر سلبا في ممارساته المهنية اليومية، وعلاقاته مع الأطر الإدارية والتربوية بالمؤسسة التعليمية، جراء شعوره بالتواجد في موقع غير مناسب له، خصوصا، عندما يشعر بعدم القدرة على الاستجابة لحاجيات التلاميذ الملحة والمتعددة النفسية، منها، والتربوية والاجتماعية، المتمثلة في معرفة التلاميذ ومساعدتهم على معرفة أنفسهم وبلورة مشاريعهم الشخصية واتخاذ قرارات واعية، إذ يصطدم بغياب وسائل وآليات البحث التربوي والتقصي الميداني المتخصصة، من استمارات ناجعة وروائز سيكوتقنية وسوسيومترية مكيفة مع واقعنا التربوي والاجتماعي والثقافي، ومراجع رسمية متخصصة في مختلف المجالات النفسية منها والتربوية والاجتماعية والاقتصادية، ليعمد إلى مبادرات فردية، هذه التي تبدو غير منسجمة وغير مقننة، وليجد نفسه يعيش حالة الاحتراق الذاتي أمام هشاشة ممارسات مهنية غير مقنعة، وينتابه الشعور بالإخلال بمهامه، وبعدم القيام بواجبه المهني تجاه التلاميذ، حين يرى جهوده تتشتت وتهدر سدى، ليعود إلى جلد ذاته وتوجيه اللوم إلى نفسه، من شدة الغيرة وكثرة التشبث بمصلحة التلميذ، وذلك بالرغم من عدم تحمله أية مسئولية في عدم توفير هذه الوسائل والأدوات الضرورية.

وحيث نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين على تبني المقاربة التربوية للتوجيه التربوي، المتمثلة في وضع التلميذ في قلب العملية التربوية، ومن ثم، مصاحبته ومواكبة نموه ونضجه وتطوره حسب صيرورة زمنية، وخلال مساره الدراسي والتكويني، فإن المفتش المستشار في التوجيه التربوي يجد نفسه أمام مهمة تتناقض ومضامين منظومة تربوية وتكوينية تقليدية برامج ومناهج، ترتكز على المدرس أداء وتلقينا، ولا تنبثق من محيط التلميذ الأسري والاجتماعي والثقافي، ولا تترجم وجوده ذاتيا واجتماعيا وتفاعلا، فيشعر بعجز تجاه القيام بهذه المهمة، سواء تعلق الأمر بنوعية الأنشطة التربوية الملائمة الهادفة إلى تفتق ملكات التلاميذ وصقل مواهبهم وإذكاء الحس النقدي لديهم من أجل بلورتهم مشاريع شخصية واقعية والقيام باختيارات مدرسية ومهنية واعية، أو بكيفية التعامل مع أعداد هائلة من التلاميذ الذين يحتم الواقع حرمانهم من خدمة تسهم في تيسير نضجهم وملامستهم تمثلات واقعية عن ذواتهم ومحيطهم، ما يدفع المفتش المستشار في التوجيه التربوي إلى التشكيك في قدراته وكفاءاته المهنية، ليتساءل حول موقعه والتزاماته والمسؤولية الملقاة على عاتقه، حتى ليتراءى له نوع من التقصير والإخلال بالواجب المهني، وخصوصا لما تعددت مقاربات التوجيه التربوي وتنوعت؛

وشعورا منه بالمسؤولية تجاه التلاميذ والفرقاء التربويين والمجتمع والمصلحة العامة، فإن المفتش/ المستشار في التوجيه التربوي لا يفتأ يتنقل، يوميا تأدية لواجباته، بين المؤسسات التعليمية المسندة إليه والبنيات الإدارية والخدماتية، رغم تقييده بجدول زمني يكبح طموحاته، وذلك في إطار من الارتجالية الواضحة، خصوصا، عند دعوته، عن طريق تكليف بمهمة، للقيام، من حين لآخر، بعمليات طارئة مباغثة بمؤسسة ما، غير مؤسسات قطاعه المدرسي، أو حضور اجتماع دون سابق إخبار، يحمله عناء التنقل، ومشاق إضافية خارج البرمجة زمانا ومكانا لأداء الواجب المهني، ليشعر بوضع متناقض يحد من مبادراته واستقلاليته، ويجعله في موقع لا يحسد عليه إزاء التلاميذ والفرقاء التربويين، الذين يجهلون سبب تخلفه عن المؤسسة التعليمية، ليطلقوا العنان لكثير من التأويلات، ما يسبب له كثيرا من الحرج والمضايقات، وليجد نفسه يعيش وضعية موسومة بالكثير من مظاهر الإحباط والتأزم، جراء أحكام قيمية ملقاة على عواهنها، ما يمس شخصية المفتش/المستشار في التوجيه التربوي وكرامته وينتقص من قيمة ممارساته المهنية وعلاقاته بمختلف الأطراف.

4. وفي إطار العمل الجمعوي والنقابي المتمثل في قيام مفتش التوجيه التربوي، من جهة، بأنشطة تربوية وثقافية واجتماعية مكملة لمهامه الرسمية، وتسطيره برنامجا وإعداده ملفات مطلبية لحقوقه، من جهة أخرى، سعيا إلى إثبات الذات اجتماعيا وإداريا، يتم تسجيل، حضور وانخراط باهتين لأسباب شخصية ذاتية، تنم عن عدم تثمين العمل الجمعوي والنقابي، أو اعتقادا بعدم نجاعته تشكيلا وممارسة، كما يتم تسجيل تعدد التنظيمات الجمعوية والنقابية الموسومة بتعدد أسسها وقواعدها وأهدافها وتوجهاتها ومناهج اشتغالها، ما يؤدي إلى تفريق وتشتيت مفتشي التوجيه التربوي وبعثرة مجهوداتهم ، الأمر الذي تنتج عنه نزاعات ومشاحنات، حول الرؤى وكيفيات التنظيم ومعالجة مختلف القضايا، هدفها الأساسي الحفاظ على مصالح شخصية تتعلق بمواقع وقناعات، ليتجسد مرة أخرى واقع التنافر والتشتت وعدم التوحيد، ولتطرح كذلك مسألة الاعتزاز بالعمل والانتماء الفئوي، خصوصا في ظل عدم القدرة على استثمار الاختلاف المتجلى في عدم توحيد الرؤى والمطالب وضم البرامج والقضايا؛

5. وسعيا إلى تحقيق الذات، وفق مبررات البعض، يتم تسجيل نزوح وارتحال بعض مفتشي التوجيه التربوي نحو مجالات عمل أخرى قد تختلف تخصصا ومهاما وشكلا ومضمونا واشتغالا، عن أهداف تكوينهم الأصلي بمركز متخصص، كما تختلف عن مهامهم الرسمية التي نالوا تكوينا بشأنها ومن أجل ممارستها فعلا، ما يزيد أطر التوجيه، عموما، ومفتشي التوجيه التربوي خصوصا، تشتتا ووهنا واختلافا في الرؤى والأهداف، وما يؤدي، في اعتقادنا، إلى تنافر وتناقض جوهري إذ لا يمكن أن يكون الشخص شخصيتين، كما يؤدي إلى تنافر على صعيد الإيمان بمبادئ الانتماء النقابي والجمعوي، الشيء الذي يطرح عدة علامات استفهام حول مدى توحيد الرؤى والعمل الجمعوي والنقابي، ومدى التضامن والتكافل الفئوي، ومدى الاقتناع والميول المهني، ومدى الغيرة المهنية وحب العمل بمجال التوجيه التربوي اعترافا بالخدمات التكوينية لمركز التوجيه والتخطيط التربوي واعتبارا لمكانته الوطنية والقارية؛

خاتمة: إشكالية ومقترح:

انطلاقا من الوضعيات المعروضة آنفا، التي تم اعتمادها، قدر الإمكان، وحسب معايشتنا واقع تفاعلات وممارسات مفتش التوجيه التربوي، ومن خلال تجربتنا المتواضعة، من أجل تقديم صور صريحة واقعيا وميدانيا للهوية المهنية لمفتش التوجيه التربوي الموكولة إليه مهام ومسؤوليات قيمة تربوية وإدارية، تتجلى في النهوض بمجالات التأطير والتكوين والتتبع والتقويم والبحوث الميدانية، وتطويرها والرقي بها، يجدر بنا رفع التساؤل التالي:

هل يمكن الإقرار صراحة بمعاناة مفتش التوجيه التربوي أزمة هوية مهنية؟

يبدو هذا التساؤل مشروعا، في نظرنا، حيث يشكل إشكالية عميقة تتطلب بحوثا ودارسات علمية وميدانية في صفوف أطر التوجيه التربوي، استنادا إلى منهجية علمية مضبوطة ووسائل تقصي ناجعة.

المراجع:

  •  الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 2000، المغرب؛
  • البرنامج الاستعجالي 2009-2012 ، المغرب؛
  • المذكرتان رقم 113 و117 الصادرتان بتاريخ 21 شتنبر 2004، المنظمتان لمجال التفتيش، وزارة التربية الوطنية، المغرب؛
  • المذكرات الوزارية رقم 17 و18 و19، يناير 2010، وزارة التربية الوطنية، المغرب؛
  • ذ. مصطفى محسن، مدرسة المستقبل، رهان الإصلاح التربوي في عالم متغير، سلسلة شرفات 26، منشورات الزمن، 2009، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء؛
  • مجلة العلوم التربوية والنفسية، المجلد الثالث، العدد الثاني، يونيو 2000، مطبعة جامعة البحرين، مملكة البحرين؛
  • المجلة العربية للتربية، المجلد الثاني والعشرون، العدد الأول، مجلة نصف شهرية، يونيو 2002، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس؛

بقلم: نهاري امبارك،