مقدمة:

تسعى جميع الأمم والشعوب إلى تنمية نظامها التربوي والتكويني لتطوير اقتصادها. ومن أجل تحقيق هذا المبتغى يجب الاستغلال الأفضل للموارد البشرية. ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا إذا تم وضع، في إطار المنظومة التربوية، نظام للتوجيه التربوي مبني على أسس متينة، يتوخى الجودة كما وكيفا.
وقد أولى التوجيه اهتماما كبيرا، عدة باحثين في المجال، نخص بالذكر منهم فرانسيس عبد النور، الذي عرف التوجيه كالتالي: « التوجيه هو عملية مساعدة الفرد بوسائل مختلفة، لكي يتمكن من حل مشكلاته بنفسه، ولكي يصل إلى أقصى نمو له. كما يعمل التوجيه على معرفة الإنسان لنفسه ومعرفته للعالم الذي يحيط به، حتى يحقق ذاته في الميادين الدراسية والمهنية». كما عرفه بريورBrewer ب« المجهود الذي يبذل في سبيل نمو الفرد من الناحية العقلية».
أما الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المعتمد ببلادنا منذ سنة 2000، فقد تبنى مقاربة تربوية للتوجيه، وحدد مفهومه في ما يلي: « يصرح بالتوجيه على أنه جزء لا يتجزأ من سيرورة التربية والتكوين، بوصفها وظيفة للمواكبة وتيسير النضج والميول وملكات المتعلمين واختياراتهم التربوية والمهنية».
وتعتبر قرارات مجالس التوجيه، في نهاية عتبات التوجيه، نتاج مجهودات الفرقاء التربويين والإداريين عبر سيرورة زمنية تلتقي خلالها الأنشطة التربوية والمدرسية والاجتماعية والثقافية.
ولتحضير التلاميذ للتعبير عن رغباتهم، يرتكز العمل التربوي خلال السنة الدراسية على مجوعة من الاختبارات والامتحانات، حسب المستوى الدراسي، كما يستفيد التلاميذ، تحت إشراف المستشار في التوجيه التربوي، من معلومات حول مختلف أنواع الدراسة المتاحة لهم وذلك بالتركيز على المواد والحصص والمعاملات والآفاق الدراسية اعتمادا على لقاءات فردية وجماعية باستعمال دعائم إعلامية من كراسات وكتيبات ومطويات، حسب جدول زمني معين، وحسب الظروف ووضعية المؤسسة التربوية والإدارية والمادية، بهدف مساعدتهم على اختيار نوع الدراسة المناسب لميولاتهم الشخصية وقدراتهم المعرفية.
وبعد تعرف التلاميذ على نتائجهم المدرسية للأسدس الأول، ونضج المعلومات المتوفرة لديهم وتعميقها، يعبرون عن رغباتهم بواسطة بطاقة الرغبات وبطاقة الترشيح إلى الشعب ذات المقاعد المحدودة، بعد التشاور مع أولياء أمرهم ومدرسيهم والمستشار في التوجيه التربوي.
وتتوج السنة الدراسية بانعقاد مجالس التوجيه بالسنة الثالثة ثانوي إعدادي والجذوع المشتركة والسنة الأولى من سلك الباكالوريا.
فما هي مجالس التوجيه؟ وكيف تمر؟ وما هي الاختلالات التي تطالها؟ وكيف يمكن أن تحقق مجالس التوجيه التربوي الأهداف الحقيقية المنتظرة منها؟
سنحاول في هذه المقالة المتواضعة الإحاطة، قدر الإمكان، بهذه الإشكالية المركبة، انطلاقا من مضامين النصوص المنظمة، وتجربتنا المتواضعة الموثقة بواسطة تقارير ميدانية عبر سنوات كثيرة.

I.ما هي مجالس التوجيه:
تعتبر مجالس التوجيه الآلية المناسبة للتداول حول توجيه التلاميذ، حسب المستويات الدراسية وذلك كما يلي:

يتم توجيه تلاميذ السنة الثالثة ثانوي إلى الجذوع المشتركة؛ يتم توجيه تلاميذ الجذوع المشتركة إلى الشعب الدراسية المتاحة لهم؛ يتم توجيه تلاميذ السنة الأولى من سلك البكالوريا إلى المسالك الدراسية المتاحة لهم؛
ويتشكل مجلس التوجيه التربوي من:

  • مدير المؤسسة الثانوية الإعدادية أو التأهيلية؛
  • المستشار في التوجيه التربوي المسندة إليه هذه المؤسسة بصفة رسمية أو بناء على تكليف؛
  • الحارس العام أو الحراس العامون المشرفون على شؤون الأقسام المسندة إليهم؛
  • جميع أساتذة المواد المدرسة؛
  • ممثل عن جمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ؛
  • بالثانوية التأهيلية، يضاف إلى الأعضاء المشار إليهم أعلاه:
  1. الناظر
  2. رئيس الأشغال بالنسبة للمؤسسة التقنية.

II.كيف يشتغل مجلس التوجيه؟

1.تشكيلة واشتغال مجلس التوجيه:
يجتمع مجلس التوجيه التربوي في أواخر السنة الدراسية باستدعاء من مدير المؤسسة التعليمية للتداول حول توجيه التلاميذ، وذلك بالاعتماد على الوثائق المدرسية الخاصة بالتلاميذ المعنيين:

النتائج السنوية العامة؛ بطاقة الرغبات؛ نتائج الاختيار الأولي؛ الملفات المدرسية؛ البطاقات الشخصية؛
بناء على المعلومات المتوفرة المحددة بالوثائق أعلاه، وخصوصا منها بطاقة الرغبات والنتائج العامة يتم التداول، بشكل ما، وإلى حد ما، في شأن كل تلميذ الذي يمنحه مجلس التوجيه، غالبا، نوع الدراسة التي يرغب فيها، مع مراعاة قدراته المعرفية المرتبطة بالمواد المؤهلة للشعبة المرغوب فيها.
وقد يتوقف مجلس التوجيه على بعض الحالات المستعصية التي لا تبدي تلاؤما بين القدرات المعرفية والرغبة المعبر عنها. وبعد مناقشة وتوافق، بتنسيق من المستشار في الوجيه التربوي وعمله على تقريب وجهات النظر المطروحة، يتم منح التلميذ إما رغبته أو اقتراحا من طرف المجلس مع الإشارة إلى إمكانية تغيير التوجيه.
وخلال مجريات مناقشات مختلف الحالات يتدخل كل طرف وفق ما يراه مناسبا انطلاقا من موقعه وتخصصه، فأساتذة المواد المؤهلة لنوع الدراسة المرغوب فيها غالبا ما تؤخذ آراؤهم وملاحظاتهم بعين الاعتبار، كما توجه ملاحظات من طرف كل عضو رسمي بالمجلس يمكن تدوينها ببيان نتائج التلميذ جانب نوع الدراسة الذي منحه إياه المجلس حتى يعمل بها التلميذ أو يتفاداها مستقبلا لمتابعة دراسته.
أما بخصوص الشعب ذات المقاعد المحدودة، فيصادق مجلس التوجيه تلقائيا على قرارات لجن الاختيار الأولي ويوافق على نوع الدراسة الممنوح لكل تلميذ من طرف هذه اللجنة بعد دراسة ملفه وتبين توفره على المواصفات المطلوبة والمحددة لكل شعبة دراسية.

2.عتبة النجاح بالسنة الثالثة ثانوي إعدادي
تعبر عتبة النجاح معدلا سنويا تحدده المصلحة المختصة بنيابة الوزارة بحيث إن كل تلميذ حقق هذا المعدل يعتبر ناجحا فينتقل إلى المستوى الأعلى ويوجه إلى أحد الجذوع المشتركة. إلا أن التلاميذ الحاصلين على معدلات سنوية تقل عن عشرة من عشرين لا يبدون أي جانبية للتوجيه، فيقف المجلس أمام هذه الحالات في حيرة من أمره، ويقترح البعض التكرار إلا أن اقتراحاتهم تتعارض مع قرار المصلحة المختصة، فيتم منح هذه الحالات، غالبا، وتلقائيا نوع الدراسة المرغوب فيه. انطلاقا من هذه الوضعية، يتوجه عدد من التلاميذ دون توفرهم على الحد الأدنى من الكفايات والمعارف المطلوبة، فيواجهون عدة صعوبات، فمنهم من يتجاوز هذه الصعوبات ومنهم من تقف حجرة عثرة أمامه فيتأخر دراسيا ويرسب وقد يغادر الأسلاك الدراسية.

III.اختلالات تطال مجالس التوجيه:

1.عدم معرفة المدرسين التلاميذ:
كثيرا ما يتوقف المدرسون على بعض التلاميذ لعدم معرفتهم لهم، أو عدم تذكر ملامحهم، فيطلبون مشاهدة صور هؤلاء التلاميذ الموضوعة على الملف المدرسي. إن عدم معرفة المدرسين التلاميذ أو معرفتهم لهم السطحية، تعتبر أحد العوائق الأساسية التي تحول دون إصدار أحكام موضوعية وذات مصداقية على قدرات التلاميذ الفكرية ومساهماتهم في بلورة الدروس والمشاركة في الأعمال والإنجازات والبحوث والفروض المنزلية. فإذا تعذر على المدرس معرفة التلميذ أثناء المداولات ولم يستطع استرجاع الصورة الجسدية والإسهامات العملية والفكرية للتلميذ، فكيف يمكن أن تسير المداولات في اتجاه توجيه هذا التلميذ توجيها مناسبا لقدراته الفكرية والجسمية؟
إن أغلب المدرسين لا يتوفرون على سجل شهري ودوري وسنوي لتتبع التلاميذ من حيث الحضور والمشاركة والنتائج حتى يلمسوا مختلف التغيرات الطارئة على التلاميذ تربويا ومدرسيا، ويتعرفوا عليهم بشكل عميق، يمكنهم، أولا من مساعدتهم على القيام باختيارات واعية ومناسبة لقدراتهم المعرفية والجسمية، وثانيا من المساهمة في إثراء المناقشات والمداولات والملاحظات والمقترحات الخاصة بكل تلميذ على حدة.
يدعي البعض أنه تخصص، فقط، بعض الثواني لكل تلميذ، وتمر المداولات بسرعة، ولا تناقش عدة حالات. ويتم تبرير هذا الوضع أن القضايا محسوم فيها، إلا أن الواقع لا يرتفع.
فهل يمكن لأحد أن يناقش والحالة هذه أنه لا يعرف سحنة التلاميذ ولا يتذكر حتى ملامحهم، فبالأحرى نوعية عملهم ومشاركاتهم وتوجهاتهم وميولاتهم وغير ذلك من المؤشرات التربوية التي تعتبر أساس مقترحات التوجيه التربوي؟
وكيف يمكن لأحد أن يناقش والحالة هذه أنه لا يتوفر على المادة الخام للمناقشة، فلا يعرف التلميذ لا شخصيا ولا نفسيا ولا اجتماعيا ولا مدرسيا، حيث إن أغلب المدرسين ينهمكون خلال المداولات في نقل المعدلات والقرارات التي يمليها أحد الإداريين بسرعة فائقة، حتى إن البعض لم يعد يستوعب ما يسمعه فيصعب عليه مجارات الأحداث ويلجأ إلى نقل هذه المعدلات والقرارات من زميل له يجلس جنبه؟

2.غياب مؤشرات حول جانبية التوجيه للتلاميذ:
إن المتصفح لبيان النتائج الدورية والسنوية يلمس بكل سهولة عدم تخصيص خانة لتحديد جانبية التوجيه للتلاميذ، حيث لا يوجد أثر لكتل نقط المواد العلمية والأدبية وغيرها ولا المعدلات المنبثقة عنها.
إن هذه المؤشرات تعتبر ذات أهمية بمكان، إذا سلمنا بموثوقية الامتحانات والتقييم التربوي والعمليات المصاحبة، حيث إنها تمنح المجلس فكرة، بشكل كمي، عن العمل المدرسي للتلميذ ومدى استيعابه لمضامين المقررات التربوية وقدرته على الإنتاج ومدى متابعته الدراسة. كما تمكن المجلس من التعرف على التلميذ من حيث المواد التي تستأثر اهتمامه، وبالتالي إصدار أحكام تسير في اتجاه محدد، غالبا ما يخدم مصلحة التلميذ.
والمطلع على جميع وثائق التلميذ لا يجد أثرا لمؤشرات التوجيه، كمية كانت أو نوعية، فيستنتج بكل بساطة، إضافة إلى ما تقدم، غياب الدعامات الأساسية للمناقشة والتداول في شأن التلاميذ والتقدم بمقترحات قد تسهم في توجيهه الوجهة اللائقة.

3.غياب البطاقة الشخصية للتلميذ:
تعتبر البطاقة الشخصية سجلا مواكبا للمسار المدرسي للتلميذ، تتجلى وظيفته في جمع معلومات حول الجوانب الشخصية والأسرية والسوسيومهنية والديموغرافية للتلميذ، وكل ما يتصل به للإحاطة بواقعه التربوي والاجتماعي والمدرسي. إن هذه الوثيقة المدرسية، التي يجب أن تعبأ دوريا وسنويا، وكلما لوحظ سلوك ما لدى التلميذ أو حدث معين، تمكن من تتبع التلميذ خلال حياته المدرسية، كما تمكن أعضاء مجلس التوجيه من التعرف على التلميذ بشكل أعمق.

4.نتائج مدرسية متعارضة:
إن المتتبع للنتائج المدرسية للتلاميذ يمكن أن يلمس بجلاء، وبشكل عام، بمستويات التوجيه، وخصوصا بالسنة الثالثة ثانوي إعدادي، نتائج متفاوتة إلى حد التعارض بين المراقبة المستمرة والامتحانات والموحدة، الشيء الذي يخلق نوعا من الاضطراب لدى التلاميذ، يؤدي إلى شكهم في قدراتهم المعرفية وبالتالي عدم استقرارهم على اختيار محدد. كما أن هذا التعارض يجعل الأساتذة في حيرة من أمرهم، فيعجزون عن تقديم تفسيرات موضوعية للفوارق المسجلة بين نوعي التقييم التربوي، وبالتالي عدم قدرتهم على المساهمة في مناقشات مختلف حالات التوجيه المدرسي.
أما بمستويي الجذوع المشتركة والسنة الأولى من سلك البكالوريا، فتبدو النقط مرتفعة، إلى حد ما، في جميع المواد، الشيء الذي يصعب معه تحديد جانبية بارزة للتوجيه، فيتم الالتجاء إلى رغبة التلميذ أو الشعبة أو المسلك المخول للتلميذ من طرف لجن الاختيار الأولي وفض جميع المناقشات، والسير بسرعة نحو آخر تلميذ في لائحة القسم، للتفرغ إلى وضع الملاحظات على بيان النتائج السنوية أو نقل المعدلات أو غير ذلك.

5.تشبث بعض الآباء ببعض الاختيارات:
يعتقد بعض التلاميذ وأولياء أمرهم أن بعض المسالك الدراسية تتيح آفاقا تكوينية أو جامعية مزدهرة وتضمن مهنا ووظائف مريحة ماديا واجتماعيا، فيتشبث الآباء خصوصا، بهذا النوع من الدراسة ويفرضونها على أبنائهم، ثم يذهبون إلى حد التدخل لدى بعض أعضاء مجلس التوجيه الذي، غالبا ما يستجيب لهذه الرغبة الجامحة غير المؤسسة. ومن ثم يمنح التلميذ جذعا أو شعبة أو مسلكا، دون مناقشة، ودون مراعاة جانبية توجيهه وقدراته المعرفية.

IV.من أجل مجالس توجيه فعالة:
حتى تحقق مجالس التوجيه الأهداف المنتظرة منها والمتمثلة، إجمالا، في:

مساعدة التلميذ على النجاح والتفوق الدراسي؛ ترشيد اختيارات التلاميذ وعقلنتها؛ تخويل كل تلميذ نوع الدراسة المناسب لقدراته المعرفية ومؤهلاته الشخصية؛ الحد من الهدر المدرسي وتحسين الجودة التعليمية؛
فإن المقترحات والتوصيات التالية تبدو هادفة وفعالة:

  • إصدار نصوص تشريعية تضبط موقع ومساهمة أعضاء مجلس التوجيه كل حسب تخصصه؛
  • تكييف الوثائق المدرسية للتلميذ وفق ما تتطلبه مجالس التوجيه لتتضمن خصوصا مؤشرات التوجيه؛
  • إنجاز المدرسين بطاقة شخصية لكل تلميذ وتتبع مساره الدراسي؛
  • إنجاز بطاقة شخصية متكاملة للتلميذ تحت إشراف المستشار في التوجيه واستعمالها خلال انعقاد مجالس التوجيه؛
  • إنجاز رزائز متخصصة وإشراف المستشار في التوجيه على تمريرها للتلاميذ واستثمار نتائجها واعتمادها خلال انعقاد مجالس التوجيه؛
  • وضع آليات للامتحانات والتقييم التربوي تتسم بالموضوعية والمصداقية وتضمن نتائج مدرسية ذات موثوقية وتمكن مجالس التوجيه من إصدار أحكام صائبة؛
  • تقدير المسؤولية ووضع مصلحة التلميذ فوق كل اعتبار ومساهمة جميع أعضاء مجالس التوجيه، كل من موقعه، في توجيه التلميذ التوجيه المناسب.

المراجع:

  • الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 2000، المغرب.
  • المذكرة 90 والمذكرة 91 المنظمتان للتوجيه التربوي بمنظومة التربية والتكوين بالمعرب؛
  • التوجيه التربوي والمهني، د. أحمد أبو سعيد ود. لمياء الهواري، الشروق، 2008، الأردن.
  • التوجيه والإرشاد النفسي، د. حامد عبد السلام زهران، الطبعة الثالثة،1985، عالم الكتب، القاهرة.
  • Guide pratique de l’orientation, le monde de l’éducation, éditions Marabout, 1996, France.

بقلم: نهاري امبارك