مقدمة:

يعتبر المشروع، بشكل عام، مجموعة عمليات وأنشطة مبرمجة يتم إنجازها في إطار خطة عمل وفق إستراتيجية محددة تهدف تحقيق أهداف مسطرة مسبقا. ومن المعلوم أن كل مشروع يروم إحداث تغيير على مختلف الأصعدة: نفسية، تربوية، اجتماعية وغيرها. ومن المعلوم كذلك أن كل تغيير تتشكل حوله مواقف معينة، حيث، غالبا ما يقابل بالرفض تلقائيا وفطريا، ويواجه بالمقاومة، قصدا أو لاشعوريا، دفاعا عن امتيازات معتادة ومألوفة. فيتملك الفرد أو الجماعة المستهدفة المقاومة هاجس الخوف من ضياع مصالح ذاتية أو مكتسبات سابقة، أضحت راسخة تنتج عنها عائدات نفعية. وبقدر ما ينزل المشروع بثقله، بقدر ما يزداد عنصر الحيطة والحذر ويكبر ويتخذ أبعادا متعددة، ليطلق الفرد أو الجماعة المعنية سيلا من الاستفسارات والتساؤلات، من قبيل:

  • لماذا هذا المشروع؟
  • ما هي الأهداف التي يروم تحقيقها؟
  • وما هي النوايا والخلفيات الحقيقية وراءه؟
  • وغير ذلك من الأسئلة المتشعبة، التي تتناول مختلف الأبعاد والاتجاهات.

وفي محاولة لتبرير وضعية معينة، نفسية، اجتماعية، ثقافية، اقتصادية…تبادر الأطراف المعنية أو المستهدفة إلى إطلاق العنان لمجموعة من الأحكام الذاتية من قبيل: الإقصاء، التجاهل، النكران، رفض إشراك الآخر وعدم اعتبار آرائه ومقترحاته، ليتخيل لهذه الجهات التي لم تعن بالمشاورة أنها مجرد وسائل تنفيذ، يتم تشغيلها آليا، لإنجاز عمليات محددة أهدافها مسبقا، والقيام بأعمال مبرمجة للتوصل إلى نتائج معينة وتحقيق أهداف غير مقتنعة بها. ونظرا لاضطرابات نفسية وترددات بين القبول والرفض والإقدام والإدبار، يهيمن عامل التقاعس، فيضعف الإيمان بالمشروع وأهدافه، ويضعف معه الانخراط في المساهمة والمشاركة والإنجاز، فتفرغ مختلف العمليات من محتوياتها، وتفتقد لعناصر الفاعلية والنجاعة ، الأمر الذي يتولد عنه إنتاجات هزيلة، بعيدة كل البعد عن أدنى معايير الجودة والإتقان.

  • فما هي الأطراف أو الجهات المشاركة في أي مشروع؟
  • وكيف يتم التوافق والتراضي ببين هذه الأطراف حول أي مشروع والأهداف المنتظرة منه؟
  • وما هي الخطوات القبلية لطرح أي مشروع للمناقشة والتفسير؟
  • وكيف يتم التوصل إلى تنقيح مضامينه وتعديلها؟ ومتى تنخرط الأطراف المستهدفة والمعنية في إنجاز المشروع والعمل على تحقيق الأهداف المسطرة له؟
  • ومتى يصبح أي مشروع قابلا للإنجاز؟

سنحاول في هذه المقالة، انطلاقا من تجربتنا المتواضعة، تحليل، قدر الإمكان، الأسئلة أعلاه التي تشكل العمود الفقري للإشكالية المعروضة، تاركين المجال أرحب للقارئ الكريم للتفضل بآرائه محترمة، للتوسع وتنوير هذا الموضوع أكثر. وقبل عرض الفقرات التالية، نذكر أن أرقامها لا تحدد مراحل مضبوطة، بقدر ما تتناول، بشكل عام، الاستعدادات القبلية من حيث الجوانب المادية والمعنوية للأطراف المتدخلة، وموقعها ضمن المشروع، والمشاورات، ومدى الانخراط في الإنجاز.

1) يتقاسم أي مشروع طرفان أو جهتان:

  • جهة مشرفة أو مسيرة تسهر على التسيير المادي والبشري والتتبع والتعديل و وتقييم النتائج وتقويم الإنتاجات؛
  • جهة مستهدفة أو معنية تسهر على إنجاز البرنامج المقترح من طرف الجهة المسيرة وتعمل على تحقيق الأهداف المسطرة في وقت محدد ووفق تعليمات وتوجيهات محددة، وغالبا ما تنتظر هذه الجهة الاستفادة المادية والمعنوية مع الحفاظ على مكتسبات سابقة.

2) ويمكن أن يتبلور المشروع ويتم تبنيه والانتقال إلى إنجازه وفق الحالات، الأكثر شيوعا، التالية:

  •  تضع الجهة المعنية أو المستهدفة تصورا للمشروع وتعده وتقترحه، حسب اهتماماتها وتوجهاتها والأهداف التي تروم تحقيقها، ثم تقدمه إلى الجهة المسيرة أو المشرفة للتشاور بحيث تعرض مضامينه والمراحل والخطوات والإستراتيجية المتبعة والأهداف المنتظرة والمنهجية المطبقة وأساليب التقويم والتعديل مع مناقشة الاعتمادات المالية والتجهيزات اللازمة؛
  • تضع الجهة المشرفة أو المسيرة تصورا شاملا للمشروع وتقترحه وتطرحه مباشرة للإنجاز من طرف جهة معنية ومستهدفة، دون إجراء أي تشاور، وبالتالي قد لا تستفيد الجهة المعنية أو لن تجني أي عائد وقد تنعكس نتائج المشروع على وضعها وتتأثر مصالحها وتتلاشى مكتسباتها؛
  • تضع الجهة المشرفة أو المسيرة تصورا شاملا للمشروع وتقترحه وتطرحه مباشرة على الجهة المعنية والمستهدفة من أجل الإنجاز ، من دون إجراء أي تشاور، ويمكن أن تستفيد الجهة المعنية وتجني فوائد وعائدات وتحافظ على مكتسباتها الراسخة؛
  • تضع الجهتان معا، المشرفة والمستهدفة، تصورا شاملا للمشروع بتنسيق وتعاون وتوافق بينهما ، فيتم الإنجاز والتتبع والإشراف في إطار من التشارك والتفاهم والتراضي إلى غاية تحقيق الأهداف المسطرة وتقويمها واعتمادها.

3) وحسب حالة الجهتين المتدخلتين، المحددة صفتهما أعلاه، وموقع كل منهما، ونوعية المشروع وأهدافه، يتم تشخيص واقع وبيئة استنبات المشروع، باعتماد مسح شامل أو جزئي، واستعمال أدوات جمع المعلومات المناسبة، من استمارات ولقاءات وغيرها، ثم تحليل مضمونها ودراستها واعتماد النتائج المتوصل إليها، وأخذها بعين الاعتبار عند صياغة المشروع النهائي، قبل طرحه إلى الإنجاز وتوظيف مضامينه؛

4) تنظيم حملة واسعة النطاق للتعريف والتحسيس بأهمية المشروع وأسباب بلورته وتبنيه، وهل يعدل مشروعا سابقا أم بديل له، وهل الحاجة ملحة لطرحه، والأهداف المنتظرة منه والمتدخلين، المسيرين منهم والمستهدفين ، والوسائل المستعملة، والغلاف المالي المخصص، والمدة الزمنية اللازمة، مع ترقب صدى الجهات المعنية وتحليل التغذية الراجعة، ثم اتخاذ القرار المناسب؛

5) طرح الخطوط العريضة من المشروع، على الجهة المعنية، في شكل إقرارات تتناول أهم الأبواب والمحاور والأهداف الرئيسة للدراسة من أجل تقديم آراء ومقترحات لإغناء المشروع وتعديل مساره وتحديد أهدافه والغايات المرجوة منه. ومنه يستشف مدى القبول أو الرفض، ومدى الاقتناع بأهميته، ومدى الاستعداد للعمل والإنتاج، ومدى الانخراط كطرف معني في إنجاز المشروع؛

6) طرح المشروع للإنجاز على ساكنة معينة، أو جهة معنية، في إطار تجريب محدود، ببيئة محددة، وجمع النتائج المتوصل إليها ودراستها وتحليلها ومقارنتها مع الأهداف المتوخاة، ثم اتخاذ القرار المناسب، من حيث التنقيح والتعديل، فتنشر النتائج للعموم، ومن ثم، يتم تعميم المشروع على ساكنة أخرى أكبر حجما وجهة معنية أخرى، فيكتسب المشروع صيتا وقيمة وتجدرا، وينال اهتمام جميع المعنيين أو جلهم، وبعده يتم، بالتدريج، توسيع نطاق إنجازه وتعميمه؛

7) وقبل الختم، تجدر الإشارة إلى أن أي عمل مشترك بين طرفين أو أكثر، أو بين مجموعتين من الأفراد أو أكثر، يعتبر مشروعا، يجب التوافق حوله والتراضي والإقناع والاقتناع والتشارك والتعاون، وتسطير الأغراض التي يحققها كل طرف والامتيازات المحصلة. إن توضيح موقع كل طرف من شأنه حفزه وتشجيعه على العمل والجد والانخراط عن قناعة في الإنتاج وتحقيق الأهداف المبتغاة؛

8) إن المشاريع تختلف باختلاف الأفراد والجماعات ومواقعهم الاجتماعية وتوجهاتهم وميولاتهم واستعداداتهم النفسية والمعرفية والمادية:

  • ففي الحقل التربوي، على سبيل المثال لا الحصر، هل يمكن فرض مشروع شخصي مدرسي أو مهني على طالب أو تلميذ معين؟
  • وفي المجال الاجتماعي، هل يمكن فرض مشروع زواج على شخص من شخص آخر دون رضاه واقتناعه واستعداده النفسي والمادي؟ وغير ذلك كثير من الأمثلة وفي جميع الميادين والقطاعات.

المراجع:

  • جماعة من المؤلفين، تدبير النشاط التربوي، سلسلة علوم التربية 11 ،1966، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛
  • الدكتور سعيد بحير، الصحة النفسية واضطرابات الشخصية، الطبعة الأولى، 2005، الطبع طوب بريس، الرباط، المغرب؛
  • أ. عبد الكريم غريب، المنهل التربوي، الجزء الثاني، الطبعة الأولى 2006، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
  • Pierre Benedetto,Richard Etienne et Anne et René Baldy, Le projet Personnel de l’élève, Pédagogie pour demain, Hachette Education.

بقلم: نهاري امبارك