مقدمة:

تتعدد تعريفات ومفاهيم الغش وتختلف بتعدد واختلافات مجالات استعمالها وتداولها، لكنها تستقر في مجملها من حيث الممارسة والوسيلة والغاية، في كونها فعلا مذموما يتخذ من المكر والخديعة والتحايل والتزوير مطية للحصول على حاجات وتحقيق أغراض شخصية، غير مشروعة وبدون وجه حق، تتمثل في انتزاع حق الآخرين ومتاعهم وممتلكاتهم عن طريق إهانتهم ودوس حريتهم وكرامتهم.

والغش في أبشع صوره، نقيض الأمانة والاستقامة، يوازي الخيانة بانتهاج أساليب المكر والخداع والمراوغة والتمويه وإخفاء الواقع لتحقيق مآرب غير مستحقة. ويقترن الغش بالفساد، إذ يعتبر ممارسة غير محمودة ويجرمها القانون، حيث تروم تحقيق منافع شخصية عن طريق التدليس والتزوير، وتشكل في صورتها انتهاكا فظا لمنظومة المبادئ والقيم والمعايير الأخلاقية. والغش، بشكل عام، كل فعل غير مشروع، يؤدي إلى الحصول على حق غير مشروع، بانتهاج أي وسيلة كانت، كالاختلاس والسرقة والتزوير واستغلال غفلة الآخر. والغش حرام ومنبوذ أخلاقيا وثقافيا واجتماعيا ودينيا، حيث تحرم فعله جميع التشريعات الوضعية والتعاليم الدينية .

وقد طال الغش مجالات شتى في المجتمع، من خدمات إدارية واجتماعية، ومنتوجات صناعية وفلاحية وغيرها…، ولكن من أخطر أنواع الغش، هو الغش في المجال التربوي والتعليمي، و ذلك لعظيم أثره وشره على التلاميذ والمجتمع ككل، ويتمثل الغش في الامتحانات في حصول التلميذ على الإجابة، أو المطلوب من سؤال، وذلك عن طريق نقل الجواب أو الأجوبة من وثيقة جاهزة أو من مصدر آخر أو من زميل أو أي شخص آخر أو وسائل إلكترونية، لتمرير متطلبات دراسية دون اعتبار لتعلم المادة أو شعور شخصي بأهميتها لحياته ومستقبله. ويعتبر الغش سلوكا غير خلقي ينم عن نفس غير أمينة أو غير سوية، لا يؤتمن صاحبها، ولا ثقة فيه، ولا يصلح للقيام بأية مهمة في المجتمع مهما كان نوعها سياسية أو إدارية أو اجتماعية أو تربوية.

وتعد ظاهرة الغش من أكثر المشاكل تعقيدا وأخطر الظواهر المتفشية في الوسط التعليمي التي يواجهها التعليم المدرسي والجامعي، وأوسعها تأثيراً على حياة التلميذ والطالب والمجتمع عامة.

إن الغش في الامتحانات ظاهرة منتشرة ومعروفة في جميع الأوساط الاجتماعية، فكيف يشارك مختلف الأفراد والمؤسسات في تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات ؟ وكيف يمكن للأفراد والمؤسسات الاجتماعية المشاركة في محاربة هذه الظاهرة ووضع حد لها؟

سنحاول الإجابة، قدر المستطاع، على هذين السؤالين الأساسيين المحددين لإشكالية كيفية محاربة ظاهرة الغش في الامتحانات التي أضحت مستشرية في صفوف المترشحين لاجتياز امتحانات نيل شهادة البكالوريا، وبعلم جميع فئات وأفراد المجتمع الذين يسهمون بشكل من الأشكال، كل من موقعه، في تفشي هذه الظاهرة وإعداد وسائلها وأدواتها وتطويرها وذلك من خلال الفقرات الموالية :

I. المشاركة في الغش في الامتحانات:

ويلاحظ أن الحديث حول الغش في الامتحانات ومساوئه، يكاد ينعدم بالبيئة الأسرية والمؤسسات التعليمية خلال السنة الدراسية، حيث إن أغلب ممارسات الأطفال والأبناء تتسم بفعل الغش، عموما، والالتفاف حول قضايا أسرية واجتماعية وتربوية وإدارية متعددة وفي عدة أوساط اجتماعية.

إن الطفل/ التلميذ يلتجئ إلى أساليب متعددة لخداع أولياء أمره على إثر فعل مشين صدر عنه: سرقة، تلاعب، تغيب بدون عذر، عدم إنجاز الواجبات المنزلية، إتلاف كتاب أو دفتر…. وأولياء أمر التلاميذ يستعملون حيلا خادعة وينتهجون طرقا ملتوية من كذب وتزوير لتبرير فعل سيء صدر عن أولادهم، حتى لا يتعرضوا لإجراءات تأديبية تربوية.

وأطراف إدارية وتربوية تغض الطرف عن سرقة تلميذ(ة) وثيقة أو كتابا أو ممتلكات الآخرين، كما تغض الطرف عن حلول تمارين ينقلها، حرفيا، تلميذ عن آخر أو عن مواقع على الأنترنيت أو يتلقاها عبر رسالة نصية: لا تنبيهات أبوية حول أفعال تزيغ عن الآداب العامة، ولا إجراءات إدارية صارمة وفق القوانين المعمول بها لردع المتلاعبين والغشاشين من التلاميذ الذين تصدر عنهم أفعال تخالف توصيات القانون الداخلي للمؤسسة التعليمية، ولا تحذيرات من طرف المدرسين والأساتذة توجه إلى التلاميذ الغشاشين والمخالفين للتعليمات والتوجيهات التربوية ، ما يحفز التلميذ(ة) ويعوده على القيام بفعل السوء، فيعتاد، كشربه الماء، وتنفسه الهواء.

كما يلاحظ، مع قرب الامتحانات، اقتناء الأمهات والآباء هواتف ذكية جد متطورة لفائدة أبنائهم، وتلاحظ طوابير من التلاميذ، منهم المصحوبون بأولياء أمورهم، يزدحمون بمحلات نسخ الوثائق أمام أعين الجميع، حيث يحصلون على مبتغاهم من أوراق مختلفة الشكل والحجم والخط، تضم دروس المقررات التي تشملها الامتحانات.

والأمهات والآباء على علم تام بالوسائل والأساليب التي يستعملها أبناؤهم في الغش في الامتحانات، يعرفونها حق المعرفة شكلا ونوعا وفعالية، حيث منهم من يشاهد أبناءه وهم يعدونها، أو وهم يستعدون للالتحاق بمراكز الامتحانات مدججين بوسائل الغش متنوعة، منها التقليدية، مرتبة بعناية تحت ملابس فضفاضة أو في جيوب سراويل أو جاكيطات جلدية أو تحت فولارات كثيفة الثوب أو كتابات على جلد الذراعين أو الفخذين. ومنها المتطورة، من هواتف ذكية باهظة الثمن أو وسائل التقاط الصوت، ترفقها خيوط كهربائية وبطاريات، ورقاقات مدسوسة في الأذنين أو في تلابيب اللباس أو تحت الجلد، كل هذه الوسائل المستعملة في الغش في الامتحانات يعرفها الأمهات والآباء على اختلاف مواقعهم الاجتماعية والمهنية ومن مختلف المؤسسات، ومن شدة العاطفة دون حساب العواقب يساعدون أبناءهم، ويغضون الطرف منبهين إياهم حتى لا يتم ضبطهم فتطبق عليهم القوانين الزجرية.

ولما تحين مواعيد الامتحانات، ترد ترسانة من التشريعات المنظمة للامتحانات على المؤسسات التعليمية، لتحدد مسؤولية الأطر الإدارية والتربوية في السهر على تنظيم الامتحانات والحفاظ على النظام العام، لضمان السير العادي لعمليات الامتحانات، ويكثر الحديث عن الغش في الامتحانات، فتنظم لقاءات وتدرج برامج إذاعية وتلفزية وتصدر مقالات على صفحات الجرائد الوطنية، ذات طابع دعائي يرجح المقاربة الزجرية عن المقاربة والتوجيهات التربوية.

أما أثناء حصص الاختبارات فتسجل اختلالات بالجملة وممارسات تمس بنزاهة الامتحانات وأمام أعين القائمين والساهرين على تنظيم مختلف العمليات، حيث يغادر مترشحون كثر قاعة الامتحانات ويلتحقون تباعا بالمرافق الصحية، ولا يعلم أحد ما يقومون به، إذ فرص الغش متاحة لهم وبكل الوسائل. كما يقف كثير من المراقبين في الممرات مولين ظهورهم إلى المترشحين، ما يجعل شكوكا تتسرب لكل ملاحظ حول ما يجري داخل القاعة، وكثير من الممارسات المحظورة على المراقبين والمشرفين على الامتحانات تقع وتؤثر على السير العادي للأداء والإنجاز، كما تؤثر لا محالة على النتائج والنسب الحقيقية لأعداد المترشحين الحاصلين على شهادات الامتحانات الإشهادية، حيث الشهادة لا تترجم المستوى المعرفي والأكاديمي الحقيقي للغاشين.

II. آثار وانعكاسات الغش في الامتحانات:

ومما لا شك فيه أن للغش آثارا وانعكاسات سلبية على المجتمع نتطرق إليها من خلال الفقرات التالية:

1. سبب لاستشراء الفساد والتأخر وعدم الرقي، ذلك أن المجتمعات لا تتقدم إلا بالعلم وبالشباب الصالح والمتعلم والمؤهل مهنيا والسوي أخلاقا. فإذا كان أفراد المجتمع لا يحصلون على الشهادات إلا بالغش، فماذا سوف ينتج المعتمدون على الغش؟ ما هي المسؤولية التي يتحملونها؟ وما هو الدور الذي سيقومون به للمساهمة في بناء المجتمع؟ لا شيء، بل غاية همهم، وظيفة بتلك الشهادة المزورة يحققون من خلالها مآربهم والأهداف التي رسموها بالغش كذلك. وهكذا تبقى الأمة متعثرة لا تتقدم بسبب الغش الذي ينخر جسدها وينهك جسمها. إن الغشاش اليوم، سيتولى غدا مسئولية ، يكون موظفا أو عاملا، و بالتالي سوف يمارس غشه في الوسط الذي يوجد فيه، بل ربما ينشر الغش والخيانة في محيطه وفي مجتمعه. إن الذي يغش سوف يرتكب عدة مخالفات وجرائم –إضافة إلى جريمة الغش – منها السرقة والخداع والكذب والاستهانة بالآخر وعدم الإخلاص في العمل وممارسة الظلم والتعدي على الآخرين. إن العمل أو الوظيفة التي يحصل عليها الغاش في الامتحانات بهذه الشهادة المزورة التي لا يستحقها، وسوف يكون راتبها حراما، و أي حرام فالنار أولى به؛

2. تدني المستوى التعليمي، ذلك أن التلميذ كلما أعفى نفسه من التذكر والاهتمام بالدروس داخل الفصل وخارجه، وأعفى نفسه من المراجعة والتثبيت والتمرن على الإنجاز والكتابة والبحث، فإن مستواه المعرفي لن يزيد إلا تدهورا، وسوف يحصل على الشهادة وهو خاوي الوفاض أكاديميا وغير مؤهل مهنيا للقيام بأي عمل، فتفقد الثقة في الدبلومات والشهادات المحصل عليها ومؤهلاته الفكرية والمعرفية والمهاراتية؛

3. تعاون مختلف الأفراد على الغش، هو من باب التعاون على الإثم والعدوان والخيانة والمعصية والمنكر وغير ذلك من الصفات الذميمة، حيث يؤدي الغش على انحطاط الأخلاق وتدنيها؛

4. إن التلاميذ الغاشين والمساعدين على الغش في الامتحانات يبعثون، من خلال ممارساتهم هاته، اليأس والقنوط في نفوس الأفراد المجدين الذين يثقون في أنفسهم ويخلصون في عملهم، والذين يستعدون، من التلاميذ والمترشحين المنضبطين، ليل نهار لمواجهة الامتحانات والتغلب على مختلف العقبات؛

III. كيفية وأساليب محاربة الغش في الامتحانات:

ويعتبر تطبيق القانون في جميع المجالات إجراءات زجرية رادعة تهدف إلى محاربة الخروقات والاختلالات الممارسة من طرف أشخاص يهضمون حقوق أشخاص آخرين ويخلون بمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص. ولئن كانت المقاربة القانونية تعمل على تطبيق التشريعات وتسعى إلى الضرب على أيدي المخالفين للقوانين عموما، والمخلين على الخصوص، بالقواعد التنظيمية للامتحانات، فإنها غير فعالة وليست ذات جدوى في غياب مقاربة تربوية اجتماعية شمولية ومستدامة، منطلقها الأسرة والمجتمع والمؤسسات التربوية والمدنية والتنظيمات الاجتماعية والسياسية، وتنتشر بكل الوسائل في جميع الأوساط وعلى مختلف جميع الأصعدة، ما سنحاول مناقشته من خلال الفقرتين التاليتين:

1. زجر الغش وتطبيق القانون:

يجزم المشرع من خلال ترسانة تشريعية وقانونية، أن الغش خرق سافر لمختلف الضوابط التنظيمية في جميع المجالات، ومس بالأخلاق العامة بالمجتمع، وسطو على حقوق أبرياء من طرف أشرار ومنحطي السلوك والتربية. وقد تم وضع هذه الترسانة القانونية منذ زمان لزجر الخداع في المباريات والامتحانات، حيث تم اعتبار الغش في الامتحانات جنحة ينال مرتكبوها عقوبات سجنية وأداء غرامات مالية، وبطلان ما حققه الغاشون من نجاح نتيجة خداعهم أو تزويرهم الحقائق والتأثير السلبي في الواقع، وكذا اتخاذ إجراءات تأديبية في حق كل من تسول له نفسه الغش أو المشاركة فيه بأي وسيلة كانت وكيف ما كان موقعه.

إلا أن ما ينقص واقعيا، هو التطبيق الفعلي للقوانين الزجرية وتنفيذ مقتضياتها التشريعية الرادعة دون مرونة ولا تساهل، حيث إن كل حالة ضبطت ينال صاحبها جزاءه قانونيا ويعلن، للعموم، عن نوع العقوبات المطبقة، حتى تكون عبرة لكل من تسول له نفسه دوس القانون وهم حقوق الأبرياء.

ويلمس ثقافيا وواقعا أنه بمجرد زجر حالات الغش التي يتم ضبطها بأي وسيلة كانت، فإن الجميع يعود إلى جادة الصواب وينضبط ويخضع تلقائيا للمساطر القانونية المعمول بها، وتصبح تلك العقوبات عبرة للزائغين عن القانون، خصوصا مع الإعلان عن أسماء وأفعال الغاشين والوسائل المستعملة، وخطورتها ونوع الإجراءات الزجرية المتخذة؛

2. مسئولية المجتمع في محاربة الغش في الامتحانات:

إن مجهودات السلطة التربوية قد تبوء بالفشل، حيث كلما طورت وسائلها لضبط الغاشين، كلما طور الغاشون وسائلهم، لذا فإن الممارسات والإجراءات الفعالة تكمن في إشراك مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية والهيئات الحقوقية والتنظيمات السياسية والجمعوية في محاربة الغش، باعتبار التصدي للغش واجبا وطنيا تنص عليه جميع التشريعات والقوانين، وعلى كل مواطن محاربة هذه الآفة والتبليغ عن ممارسيها بكل الوسائل المتاحة، ما يتم بسطه من خلال الفقرات التالية:

  • تعتبر الأسرة اللبنة الأولى لقيام جميع المجتمعات على وجه البسيطة، ومهد تنشئة الأطفال وتربيتهم وترسيخ منظومة القيم النبيلة السائدة دينيا وثقافيا واجتماعيا وجماليا… من هذه المنطلقات يستغل الأمهات والآباء مختلف الآليات المتاحة ويغتنمون مختلف الفرص لطبع أبنائهم بطابع الاستقامة والنزاهة والصدق والاعتماد على الذات والمثابرة والاجتهاد وتجنب كل الموبقات والمحرمات، فيحرمون عليهم الغش والكذب والتحايل والترامي على متاع الغير، مبينين مساوئ التزوير والتحريف وانعكاساتها على كيانهم وشخصياتهم….؛
  • وتتكامل التربية المدرسية والتربية الأسرية في جميع المجالات الحياتية، حيث تعمل المدرسة من خلال البرامج والمقررات والأنشطة التربوية على ترسيخ جميع القيم الدينية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية… فتشحن التلاميذ بالفضائل الاجتماعية والأخلاق النبيلة، وتزرع في نفوسهم العادات الحميدة والتقاليد الموروثة اجتماعيا وثقافيا. وتعمل بكل الوسائل القانونية على زجر الغش، وإدراج محاربة الغش ضمن الأنشطة التربوية وأنشطة الأندية، وطرح مساوئ الغش ومناقشتها وإقناع التلاميذ، وذلك عبر مختلف السنوات والمستويات الدراسية؛
  • وتعمل مختلف المؤسسات والمنظمات الاجتماعية، من خلال أنشطتها وبرامجها السنوية، على ترسيخ منظومة الفضائل والقيم النبيلة ضمن المجتمع المدني والمجتمع المدرسي، بتنسيق مع المؤسسات التعليمية وجمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، باعتماد تظاهرات وملتقيات تربوية وثقافية، ومن خلال برامج إذاعية وتلفزية، وصحف وطنية ومنتديات ومحاضرات، ينشطها متخصصون في المجالات التربوية والاجتماعية والنفسية والقانونية، وذلك باستمرار وبشكل متواصل، مع اغتنام كل المناسبات الدينية والوطنية، وتنظيم حملات توعوية وتحسيسية في صفوف جميع الفئات الاجتماعية بالتركيز على آفة الغش والموبقات الناتجة عنها من حيث جميع الجوانب الدينية والاجتماعية والحقوقية؛
  • كما تعمل مختلف المؤسسات التنفيذية والقضائية والأمنية على تقفي آثار محضري ومعدي ومبتكري وسائل الغش أينما كانت محلات اشتغالهم خاصة أو عمومية، ووضع اليد على هذه الوسائل وزجر أصحابها طبقا للقانون، وإعلان أسمائهم وأفعالهم، عموميا، من خلال مختلف وسائل الإعلام ليعتبر كل من تسول له نفسه خرق التشريعات التنظيمية والقوانين الجاري بها العمل والضامنة للحقوق والواجبات، على جميع الأصعدة.

بقلم: نهاري امبارك