مقدمة:

لقد أضحى الحديث عن العملية التربوية والمردودية المدرسية هوسا يسكن الفاعلين التربويين والجمعويين والمهتمين والسياسيين وأمهات وآباء وأولياء التلاميذ وجميع شركاء منظومة التربية والتكوين، محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا. فأضحت الملاحظات توجه والانتقادات تنهال على مكونات عملية التلقين وعناصر التقييم التربوي والنتائج المدرسية ومؤهلات التلاميذ وقدراتهم المعرفية، حيث يجزم المتتبعون أن العملية التربوية اختلت، وأن المردودية المدرسية انخفضت. فما هي العملية التربوية؟ وما هي الاختلالات التي تشوبها؟ وما هي المردودية المدرسية؟ وما هي العوامل المؤدية إلى انخفاضها؟ وأي السبل لتطوير العملية التربوية وتجويد المردودية المدرسية؟

سنحاول، قدر المستطاع، مناولة هذه الأسئلة المحورية لإشكالية اختلال العملية التربوية وانخفاض المردودية المدرسية، مع اقتراح بعض الطرائق والأساليب، في محاولة، لتجاوز الصعوبات والمشاكل المؤثرة في مناخ العملية التربوية والرفع من المردودية المدرسة، وذلك من خلال الفقرات التالية:

I. العملية التربوية والاختلالات التي تطالها:

تعتبر العملية التربوية مجموعة من الأنشطة، يتفاعل خلالها المدرس والمادة والتلميذ من أجل بلورة وإنجاز الدروس المقررة وتحقيق الأهداف المسطرة. وفي ظل عوامل متعددة، أضحت العملية التربوية تطالها الاختلالات التالية:

· ترهل واهتزاز العلاقة بين المدرس والتلميذ؛
· تفشي ظاهرة العنف المتبادل بين المدرس والتلاميذ؛
· انهيار السلوك القويم والقيم النبيلة داخل الفصل الدراسي؛
· تحول حجرة الدرس إلى ميدان لأحداث هامشية تعرقل سير العملية التربوية؛
· توالى مشاهد هامشية خلال الحصة الدراسية، يؤثر على العملية التربوية؛
· تأخر التلاميذ عن موعد الدرس وتصدي المدرس لهذه الظاهرة؛
· عدم توفر التلاميذ أو بعضهم على كتب المقرر والأدوات المدرسية؛
· تدخل المدرس أحيانا يلهب مناخ العملية التربوية؛
· عدم المشاركة الفعالة للتلاميذ في بلورة الدروس يرهق المدرس ويبتر العملية التربوية؛
· رفض بعض التلاميذ كتابة الملخصات وإنجاز الفروض المحروسة؛
· رفض بعض التلاميذ نقط الفروض التي يعتبرونها غير منصفة؛
· عدم إنجاز التلاميذ أو بعضهم الواجبات المنزلية؛
· تنامي ظواهر الاكتظاظ والأقسام المشتركة ينزل بثقله على الأنشطة التربوية؛
· اكتساح الهاتف النقال واللوحات الإلكترونية حجرة الدرس واستعمالها في ما يمس العملية التربوية بسوء ويجعلها تحيد عن مسارها؛
· ……

II. المردودية المدرسية والعوامل المؤثرة فيها:

المردودية المدرسية تترجم القدرة الفعلية للتلميذ على القراءة والكتابة والحساب والإنتاج والتعبير، وتأهيله للقيام بفعل ما عمليا ومهاريا، ومزاولته لمهنة بكفاءة واحترافية، وإدماج أكبر عدد ممكن من حاملي الشواهد مستحقين وذوي كفاءات فعلية وحاملي مشاريع اجتماعية واقتصادية حقيقية، قابلة للإنجاز والتقييم ومساهمة في النمو وتطوير الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتنمية البشرية.
فما هي معيقات المردودية المدرسية؟

· عدم اتسام المقررات والبرامج الدراسية بالواقعية، حيث لا ترتبط بالواقع الاجتماعي والثقافي للمتعلمين، ولا تستجيب لحاجياتهم الملحة، ولا تساير التطور التكنولوجي والصناعي؛
· تعدد الكتب الدراسية بنفس المستوى الدراسي، يحدث ارتباكا في صفوف التلاميذ، ويؤثر سلبا على الاختبارات والامتحانات الموحدة، حيث كل كتاب ينتهج نمطا ديداكتيكيا، ويعتمد منهجية، ويتداول مفردات ومصطلحات؛
· طول المقررات الدراسية وكثرة المواد المقررة، يثقل كاهل المدرس والتلميذ على حد سواء، ما يجعل المدرس يلتجئ إلى الاختزال والمرور سطحيا على فقرات، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض التحصيل الدراسي عند التلاميذ لعدم بناء وتماسك المعرفة؛
· من حيث الفكر الاجتماعي والثقافي، فالمدرسة فقدت أدوارها ووظائفها التربوية والاجتماعية والاقتصادية، وعادت تنتج الانحراف والفشل والبطالة؛
· ومن حيث الموقع الجغرافي بالنسبة للقرى والدواوير والمداشر، فالمدرسة بعيدة عن سكنى أغلب التلاميذ، في ظل وعورة الطرق والمسالك، وعدم توفر وسائل النقل، وأقسام داخلية ومآوي للتلاميذ، ما يضعف المردودية المدرسية ويؤدي إلى الانقطاع عن الدراسة ومغادرة الأسلاك الدراسية؛
· ومن حيث البناية والحجرات والمرافق الإدارية والصحية والترفيهية، فإن المدرسة تبدو منفرة لمرتاديها حيث لا يستقرون نفسيا، في ظل غياب أسوار واقية، وعدم توفر أمن يحمي الساكنة المدرسية، وانتهاك حرمة المدرسة من طرف غرباء الذي يحتلون أبواب المدرسة ومحيطها؛
· ومن حيث الأطقم الإدارية، فإن المدرسة تفتقد للعدد الكافي من الأطر الإدارية، ما يؤدي إلى ضعف الأداء الإداري، وعدم التحكم في مختلف الظواهر التي أضحت تغزو المؤسسات التعليمية، وتؤثر على السير العادي لمختلف العمليات التربوية والإدارية، وتسهم في تخريب البنى التحتية للمدرسة، ما يجعل التلاميذ ينفرون من المناخ التعليمي والفضاء المدرسي؛
· ومن حيث نوع التعليم، تسجل فوارق شاسعة بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي والبعثات الثقافية، من حيث البنى التحتية، والمقررات، والنتائج المدرسية؛
· انتشار ظواهر الاكتظاظ والأقسام المشتركة والهواتف النقالة واللوحات الإلكترونية والعنف المادي والمعنوي، أثر بشكل سلبي على مناخ الفصل الدراسي، وعادت العملية التربوية عسيرة، حيث يمضي المدرس حصة الدرس في محاربة الشغب والفوضى ومحاولته التحكم في تحركات التلاميذ وأفعالهم وألفاظهم؛
· غياب الأشغال التطبيقية والخرجات الدراسية والمختبرات والمحارف وساحات الرياضة والتربية البدنية، أثر بشكل واضح على التحصيل الدراسي وبالتالي تقهقرت المردودية المدرسية؛
· عدم توفر أغلب العناصر والمواصفات المطلوبة في الأسئلة الاختبارية، يؤدي إلى قياس مبتور للتحصيل الدراسي عند التلاميذ، وبالتالي عدم الوقوف على المردودية المدرسية الحقيقية للعملية التربوية عموما؛
· انتشار ظواهر الغش والإخلال بالواجب والساعات الخصوصية المؤداة، أثر سلبا على عملية التقييم التربوي والامتحانات، وألحق بها أضرارا جسيمة، إذ لم تعد تؤدي الأدوار الموكولة إليها، وبالتالي لم يعد القائمون على العملية التربوية قادرين على وضع الأصبع على النتائج الحقيقية للتلاميذ، ولا تحديد المردودية المدرسية الحقيقية؛

تكلم وغيرها كثير، عوامل تعيق السير العادي للعملية التربوية بالمؤسسات التعليمية وتؤثر طبعا سلبا على التحصيل الدراسي والمردودية المدرسية.

III. سبل تطوير العملية التربوية:

حتى تتطور العملية التربوية وترقى، فإنه من الضروري العمل على:
· وضع برامج ومقررات موحدة، تساير التطور العلمي والتكنولوجي، وترتبط بواقع التلميذ ومحيطه الثقافي والاجتماعي، من أجل حفزه على الاهتمام والمشاركة التفاعلية في بلورة الدروس والإبداع والتعلم الذاتي؛
· وضع أهداف إجرائية ومحددة المعالم، من حيث سمات ومواصفات التلاميذ، تحدد السلوك والمعاملات، والمؤهلات المعرفية والمهاراتية، والسهر على التدبير العقلاني للزمان والفضاء التربوي والموارد المادية والبشرية وتحديد آليات الضبط والتقييم الإداري والتربوي؛
· تمكين الأطر الإدارية والتربوية، كل في إطار تخصصه، من تكوين جيد أكاديميا ومهنيا، متشبعة بمبادئ الديمقراطية والمواطنة والعدل والمساواة؛
· توفير البنى التحتية الضرورية وفضاءات تربوية جذابة من أجل إرساء الظروف المناسبة للعمل والإنتاج؛ انتهاج أساليب تعليمية فعالة تضع التلميذ في صلب العملية التربوية ومحورها الأساسي، حتى يكون مشاركا ومبدعا ومساهما في جميع العمليات التربوية؛
· تطبيق نفس قوانين وأساليب المراقبة والتأطير الإدارية والتربوية والتقنية على المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية؛
· وضع قوانين صارمة والعمل على تطبيقها للتصدي لظواهر العنف والإخلال بالنظام والغش والغياب ومزاولة الساعات الإضافية المؤداة وإهمال الواجب؛
· فك العزلة عن المؤسسات التعليمية بالوسط القروي وإقامة أجنحة داخلية أو مآوي التلاميذ لتقريبهم من المدرسة وتوفير عليهم عناء التنقل أو قطع مسافات على الأرجل أو الدراجات المرهقة والمحفوفة بالمخاطر؛

IV. أساليب تجويد المردودية المدرسية:

· توفير الأدوات الديداكتيكية والمخبرية والوسائط التعليمية من أجل القيام بتطبيقات وتجارب علمية تمكن التلاميذ من الوقوف حقيقة على الوضعيات والظواهر المدروس؛
· وضع حد لظواهر الاكتظاظ والأقسام المشتركة لتمكين التلاميذ من المشاركة في بلورة الدروس والتفاعل خلال مجريات الإنجاز وكتابة الملخصات؛
· تخصيص المدرسين تحفيزات مادية ومعنوية بناء على المردودية والإنتاج؛
· وضع حد للغش، ومحاربة التهاون والتلاعب، ومنع مزاولة الدروس الخصوصية المؤداة على كل من التلميذ والمدرس، وذلك بالتطبيق الصارم للقوانين المعمول بها؛
· وضع نظام ناجع للتقييم التربوي الداخلي والخارجي، يتمثل في المراقبة المستمرة داخليا، والامتحانات الموحدة خارجيا بجميع الأسلاك والمستويات الدراسية، مع اعتماد في، ذات الآن، نتائج المراقبة المستمرة ونتائج الامتحانات الموحدة، بنسب معينة ترجح كفة الامتحانات الموحدة في كل مستوى دراسي، وخاصة بمحطات الامتحانات الإشهادية؛

بقلم: نهاري امبارك،