ن الحياة تُعلمك مثلما تفعل المدرسة المنهجية بالضبط. لكن آلية التعليم والمناهج الدراسية في كليهما تختلف تمامًا؛ لذلك اليوم في أراجيك تعليم نقدم لكم 12 اختلافًا جوهريًّا بين تعليم المدارس وتعليم الحياة الواقعية.

1) تعليم المدارس له بداية ونهاية على عكس الحياة، فإن تعليم المدارس له بداية ونهاية فعلًا.
أنت تبدأ مع مرحلة “الحضانة”، ثم تذهب إلى المرحلة الابتدائية، ثم الإعدادية، ثم الثانوية (التوجيهية)، ثم الجامعة أو المعهد. أنت تسير في سلسلة هندسية مُصممة مسبقًا من قبل علماء العلوم التربوية على مستوى العالم. أهلك يعرفون أين تبدأ وأين تنتهي، وبالمنتصف تحاول فهم نفسك أكثر وأكثر، مارًّا من مرحلة للأخرى.
لكن الحياة ليست كذلك، تعليم الحياة ليس له بداية أو نهاية مُحددة. تحدث لك مواقف جديدة كل يوم، ومنها تأخذ خبرات تُغير في سلوكك، وهذا ما يُعرف بالتعلُّم. ولا حدود للمواقف؛ فبالتالي لا حدود للتعليم!

2) الفضول هو دافع التعلم خارج حيّز المدرسة
هنا الذي يُميز تعليم الحياة عن تعليم الدراسة هو أن تعليم الحياة يدفعه الفضول. وهذا على عكس تعليم الدراسة الذي في العادة تدفعه الرغبة في إنهاء المنهج ليس إلا (خصوصًا في الأقطار العربية).
في التعليم الحياتي، أنت تحاول استكشاف ما حولك من غوامض وأسرار بشكلٍ عفويّ، وهذا الشكل العفوي يُعرفه علماء التربية على أنه “الفضول”.
الطفل الصغير يحاول إمساك الأشياء وتجريب كل شيء وأي شيء، وذلك بدافع الفضول. في وجهة نظري أرى أن الفضول هو الذي يصنع العلماء الحقيقيين.

3) التغذية الراجعة أسلوبها مختلف داخل وخارج إطار المدرسة
في المدرسة أنت تأخذ تغذيتك الراجعة عن اختبار أو تجربة مُعينة في وقتها أو بعد وقت قصير جدًا. لكن في الحياة التغذية الراجعة ليس لها ميعاد مُحدد؛ فنتيجة التجربة تأتي تبعًا للظروف، والتي تتحكم بها الكثير من العوامل المختلفة غير القابلة للتوقع والتحليل.

4) صاحب اليد العُليا في المدرسة في العادة ليس شغوفًا
التعليم في المدارس بالمُجمل هو عملية تعليمية نظامية، والنظام هنا يتبع المُعلمين كذلك بالطبع. مع الوقت يفقد المُعلم شغفه تجاه العلم ذاته، ويصبح مجرد أداة لتلقين المناهج التعليمية فقط. لذلك اليد العُليا في المدرسة (المُعلم)، تكون يدًا خالية من الشغف في العادة. وهذا على عكس الحياة التي تكون فيها اليد العُليا هي (أنت)، وتكون بالطبع متفجرًا بالشغف وحب المعرفة!

5) معايير التقييم تختلف تمامًا
التقييم في المدارس هو تقييم نظامي بحت. التقييم في العادة ما يكون بناء على درجات الاختبارات، أو الانضباط في الفصل، إلخ. لكن في الحياة الواقعية معيار التقييم يكون عائدًا للفرد ذاته وتقييمه الشخصي لنفسه بناء على نظرته لنفسه الآن، مقارنة بنفسه الماضية، ونفسه المستقبلية التي يريد أن يكون عليها.

6) التعليم في المدارس هو تعليم جامد
تعليم المدارس يعتمد على وجود مناهج ثابتة يتم تدرسيها للطلبة جيلًا تلو الآخر، مع وجود معدل تجديد طفيف من عام لآخر. لكن في النهاية مهما زاد معدل التجديد، لن يجعل المناهج بها نفس الشغف وشرارة الفضول المتواجدة في التعليم الحياتي (الذاتي).

7) في المدارس، التعليم يتم بداخل فصول محدودة
تخيّل أنك في سجن كبير، لكن تُغادره بعد عدد ساعات مُعين كي تعود إلى منزلك وتنام بسلام. لتستيقظ في اليوم التالي وتذهب إلى السجن مرة أخرى، ثم تتركه في نفس الميعاد. مهما كانت أنشطة السجن ممتعة، في النهاية هي محدودة ولا تجعلك على طبيعتك في أغلب الأحيان (هنا أتحدث بمنظور خبرة طويلة مع مدارسنا العربية).

8) آلية التعاون تختلف
التعاون في المدرسة يختلف عن التعاون في الحياة. في المدرسة أنت تتعاون مع زملاء الصف تحت قيادة المُعلم، بينما في الحياة أنت تتعاون مع الآخرين تحت قيادة الغرض الشخصي من ذلك التعاون. مما يجعل تعاون المدرسة عملية غير مدمرة للأعصاب مثل تعاون العالم الواقعي.

9) تعليم المدارس في العادة ترجع جودته إلى جودة المُعلم ذاته
بالطبع حاليًّا دخلت التكنولوجيا في كل شيء، ويستطيع الطالب تعليم نفسه بنفسه. لكن في النهاية يظل المُعلم هو صاحب التأثير الأكبر على الطالب. وهو مفتاح العملية التعليمية فعليًّا. إذا كانت جودته عالية في المادة العلمية، إذًا سوف يُقدم محتوى جيدًا للطالب، والعكس صحيح.
بينما في الحياة الواقعية، التعليم يعود بالكامل إلى الفرد، مما يزيد من فرص الحصول على (عشرات الآلاف) من المُعلمين على الإنترنت، أو من أقرانه في المجتمع البشري نفسه.

10) في المدرسة، الجوانب المجتمعية-الثقافية يتم تجنبها قدر الإمكان
في الواقع، هذا ما يجعل المدرسة بيئة آمنة لإنشاء أفراد سويين مُجتمعيًّا. في الحياة الواقعية وجود اختلافات ثقافية ومجتمعية بين الأفراد هو الذي يُنشئ النزاعات المستمرة، لكن في المدرسة الوضع سلمي تمامًا، وهذا يرجع لكون الاختلافات يتم تلاشيها قدر الإمكان من قبل المُعلم والإدارة المدرسية.

11) تعليم المدارس “احترافي” بينما تعليم الحياة “لحظي”
لنفترض أنك الآن تريد أن تبني سورًا حول حديقتك الصغيرة. لبناء هذا السور يجب أن تحسب القطر المطلوب عمله، ثم تطبيق بعض العمليات الحسابية المعقدة لمعرفة المساحات الدقيقة لذلك السور. إذًا أنت هنا تعلمت (أو تذكرت)، لحظيًّا، القوانين التي ستفيدك في تحقيق هدفك الحياتي الحلاي.
لكن في المدرسة أنت تُحاول احتراف كل شيء أمامك. وهذا على أمل أنك سوف تُطبق تلك المعرفة الاحترافية في أحد جوانب الحياة مستقبلًا (وهذا ربما لن يأتي على الإطلاق لأنك يمكن أن تتخصص في فرع واحد فقط من 10 فروع تدرسها في المدرسة طيلة حياتك).

12) في المدرسة، العمل يتم تقييمه بناء على درجات ذات معايير صارمة
جميع مجهوداتك في المدرسة يتم تقييمها في صورة درجات يضعها المُعلم أمامك في نهاية كل صف دراسي. وبناء عليها تستطيع تقييم نفسك وتعرف معدل نموك الدراسي بسهولة.
لكن في الحياة الواقعية الأمر مختلف تمامًا. في الحياة لا توجد معايير ثابتة لتقييم الذات. توجد العديد من المتغيرات الحياتية للتقييم. يمكن أن تُقيم نفسك من خلال ضميرك، أو من خلال الأهل، أو من خلال الأصدقاء، أو حتى من خلال الآخرين الذين لم يتعاملوا معك سوى في موقف واحد فقط. وكل معاير تقييمي من السابق ذكرهم، يستند على سبب فلسفي شخصي يعود للفرد ذاته. فبالتالي لا توجد قاعدة ثابتة هنا كما ترون.

اراجييك