1- لماذا التفكير في تقديم التربية على المشروع الشخصي للتلميذ؟
يفرض التطور العلمي و التكنولوجي تحولات كبيرة و سريعة تتعارض مع البطء الذي يعرفه تطور و تغير القيم و التقاليد، و هذا يجعل التوقع بالمستقبل مسألة جد معقدة بالنسبة للشباب. ينضاف إلى ذلك عدم وعيهم بصعوبة توقع المستقبل رغم كونهم يدركون التطور الذي يحدث. أمام هذه المشكلة، التي تظهر تجلياتها خلال المسارات الدراسية للشباب، لا مناص من مساعدتهم على مواجهة اللا متوقع و هذا هو حجر زاوية عمل المستشارين في التوجيه خصوصا وباقي الشركاء التربويين و الأسرة عموما.
عندما يشتغل أطر التوجيه التربوي في اتجاه توعية الشباب بصعوبة توقع المستقبل و إخراجهم من وضعية التبعية و الاستيلاب إلى وضعية الفعل و المسؤولية، فهم يساهمون بشكل كبير في تقليص نسب الهدر و الفشل الدراسيين و يحفزون التلاميذ على العمل من أجل النجاح. يقول عالم الاجتماع الإيطالي “بونازي” BONAZZI :”… يكون الإنسان مستلبا عندما لا يكون واعيا بتبعيته و عدم حريته”. في هذه الحالة فقط سيقوم أطر التوجيه بالدور الأساسي المنوط بهم: دور المربي.
تناط بأطر التوجيه أدوار عديدة ( دور المختص في القياس و التقويم، دور المختص في علم النفس الاجتماعي، دور المختص في التربية، دور المختص في معرفة مجال الشغل و الاقتصاد…). إننا نلامس كل هذه التخصصات بشكل سطحي و عشوائي، دون منهجية محددة و دون رؤيا واضحة… و هذه من بين الدوافع التي جعلتنا نفكر في تقديم أرضية نظرية تلامس مقاربة جديدة يمكن أن نستفيد منها مستقبلا في ممارساتنا الميدانية إذا ما عشقنا و عمقنا التفكير في هذا الاتجاه: المشروع الشخصي للتلميذ.

2- لماذا المشروع الشخصي للتلميذ؟

1-2 – الممارسات الحالية محدودة:
أبانت الممارسات المتبعة في مجال التوجيه و الإعلام المدرسي والمهني أنها تتسم بكون آثارها الإيجابية جد محدودة، لكونها تركز بالأساس على حملات إعلامية موسمية، حول المسالك الدراسية، يطبعها الارتجال و الرتابة بحيث تعطى خلالها معلومات جاهزة لكن أحيانا غير نافعة رغم كثرتها، مما يعطل نسق التفكير لدى التلاميذ. يتم التركيز كذلك على الإجراءات الإدارية (تعبئة بطاقات الترشيح و بطاقات الرغبات و احترام الآجال المخصصة للعمليات…الخ ) من جهة أخرى لا يتم إيلاء البحث و التكوين في مجال التوجيه و الإعلام ما يستحقه من عناية و اهتمام مما يدفع في اتجاه الحفاظ على الوضع القائم و هذا لا يخدم مصالح الأفراد و المؤسسات ( التلميذ، الأسرة، أطر التوجيه ، المصالح المسؤولة عن التربية و التكوين و المجتمع…)

2-2- التعليمات الرسمية:
اصبح مفهوم المشرع درجة mode تتبلور في جميع الميادين منذ سنة 1982 إلى حدود سنة1989يحيث صدر قانون التوجيه بفرنسا في حلته النهائية ليجعل من المشروع ضرورة تربوية ملحة تجاه التلاميذ و ضرورة قانونية بالنسبة للمؤسسات و الفاعلين التربويين. أما على المستوى الوطني فقد أصبح المشروع أمرا مؤسسيا لمحت إليه الوثائق المعتمدة في المناظرة الوطنية حول التوجيه التربوي و يحث عليه الميثاق الوطني للتربية و التكوين ضمنيا في المادة 99 من الدعامة السادسة:” يصر ح بالتوجيه أنه جزء لا يتجزأ من سيرورة التربية و التكوين بوصفه وظيفة للمواكبة و تيسير النضج و الميول و ملكات المتعلمين و اختياراتهم التربوية والمهنية، و إعادة توجيههم كلما دعت الضرورة إلى ذلك، ابتداء من السنة الثانية من المدرسة الإعدادية إلى التعليم العالي.” (2) و يندرج ضمن التعليمات الرسمية و التوجهات العامة الأساسية التي ينطلق منها. أنظر (المذكرة 91 التي تنظم مجال الاستشارة و التوجيه)…

3 – تعريف المشروع الشخصي للتلميذ:
يجعل المشروع الفرد محورا لجميع العمليات التربوية كما يؤهله ليكون فاعلا حقيقيا في بناء حاضره و توجيه دفة مستقبله و ذلك من خلال استنفار كل طاقاته الدافعة énergies motivationnelles. إنه يتخذ شكل سيرورة يدير الفر د بواسطتها، على المستوى النفسي، ضرورة تكييف تطلعاته و قدراته مع الفرص المتاحة و جعل حظوظ النجاح إلى جانبه و و ضع و تطبيق الاستراتيجيات الملائمة رغم نسق المعيقات الذي يحيط به… لا يخضع المشروع الشخصي للتلميذ للتجزيء لكونه يندرج في سياق عام يعني المجتمع على العموم و مؤسسات التربية و التكوين على الخصوص، إنه يتمحور حول الفرد لكنه يعني الجماعة كذلك.
حظي المشروع الشخصي بتعريفات كثيرة ارتأيت أن أسوق تعريفا قدمته الباحثة المختصة “بيرناديت ديمورا” Bernadette DUMORA التي ترى أن المشروع الشخصي للتلميذ ينتج عن علاقات قوة بين ثلاثة أقطاب:
ـ القطب الدافعي Le pôle motivationnel : هو قطب التمثلات représentations حول الذات ( إن المبالغة في التركيز عليه تغرق الفرد في الاوهام)،
ـ القطب المهني Le pôle professionnel: هو قطب التمثلات représentations حول المحيط الاجتصادي و حول المهن( إن المبالغة في التركيز عليه تغرق الفرد في المبالغة في الامتثالية conformisme و الخضوع للطبقات السائدة اجتماعيا)،
ـ قطب التقويم الذاتي Le pôle d’auto-évaluation: يتعلق هذا القطب بالعالم المدرسي ( إن المبالغة في التركيز عليه تؤدي إلى كبح جماح كل المحاولات المتعلقة بإسقاط الذات في مستقبل مهني و كل دينامية ميول)،
ترى “بيرناديت ديمورا” أن التفكير الذي يقارن بين القطب الدافعي و القطب المهني يمثل عمل بناء يتطور من نقطة المقارنة صفر (كقول: “إن ذلك يعجبني” جوابا على سؤال يتعلق باختيار مهنة معينة) إلى روابط تظهر التناقضات الوجدانية ( مثال فتاة الثالثة إعدادي التي تتردد بين مهنة طبيبة و مهنة أستاذة…) يكون هناك كذلك تحول من التفكير الاحتمالي إلى ظهور الاستراتيجيات و يكون الوضع متوترا لأن علاقة تعقيد ستنشأ بين تجاذب الأقطاب: عوض وضع هذه الأقطاب جنبا إلى جنب يكون هناك إشراك و إثبات و برهنة…إن العنصرين الأساسيين في العلاقات ( علاقة الفرد مع نفسه و علاقته مع الآخرين ثم علاقته مع المحيط) هما “التمثلات” و ” التحفيز” أو الدافعية… . représentation et motivation

4 – التلميذ كفاعل أو ”التلميذ في المشروع“:
يكون المشروع الشخصي سيكولوجيا و تربويا، أي يتبناه الفرد و يتقبله نفسانيا و وجدانيا و يربطه بمنظور مستقبلي أوسع (مشروع حياة) و يعمل الجميع على مساعدته على تحقيقه من خلال جعله “في المشروع” بواسطة الممارسات التربوية الملائمة.
يقتضي الدخول في دينامية المشروع اكتساب الحرية و الاستقلالية و الاستقرار و الإحساس بالمسؤولية (وجدانيا و فكريا): يجب أن يقدر الفرد على الانخراط في سيرورة، في أفق زمني يتيح تمثل الذات في المستقبل إيجابيا. هذا الإسقاط الممكن مرتبط بالمحيط و بقدرة المراهق على تمثل الزمن و تصور تطور الأحداث و الحياة و يكون قادرا على استباق هذه الأحداث و ترتيبها و ربط علاقات بينها و تنمية و تطوير القدرة على التخيل و التخطيط و “خلق” المستقبل و بناء تمثلات تنظم معلومات حول الواقع… تكون كل هذه القدرات اللبنات الاساسية لتربية المشروع(إغناء تمثلات التلاميذ و تجاوز العفوية و المقولبة stéréotypées و اللحظية منها لأن ذلك سيساعد على توسيع حقل الممكن: الاشتغال على مشكل المهن النسائية و المهن الخاصة بالذكور، لدى البنات مثلا)…يكون الفرد، في إطار “تربية المشروع” هو “المؤلف” لمشروعه و “الفاعل فيه” auteur/acteur لدا عليه تنمية إمكانياته و الاشتغال على حاجياته، يقول “جوزيف نوتين” Joseph NUTTIN :” كل مشروع شخصي هو إعداد معرفي لحاجيات الفرد”. يقتضي هذا الإعداد لتحقيق و نجاح المشاريع الشخصيةالإحساس بالمسؤولية عن الذات و عن المستقبل…

5 – المشروع و التربية و التوجيه:
يجب أن يؤطر المشروع بنصوص قانونية واضحة وملزمة و قابلة للتطبيق وأن تربطه بالمواد و التربية و التقويم و التوجيه روابط قوية. إنه كذلك دافع و محرك قوي لسيرورة التوجيه، حيث يبني التلميذ توجيهه عوض أن يفرض عليه و يساعد جميع الفاعلين المعنيين على ذلك و لا تكون لأي طرف من الأطراف سلطة القرار المطلقة و الكاملة (التلميذ و الأسرة و المدرسة…) و بالتالي يكون القرار الصائب هو ما اتفق عليه كل هؤلاء الشركاء من خلال وجود المشروع الشخصي…على المدرسة إذن أن تهيأ الاندماج و ألا تقتصر على ما يجري في “الزمن المغلق” (الحصص الدراسية).
يكون التلاميذ سلبيون لأنهم لا يعرفون سبب تواجدهم بالمدرسة لذلك على المدرسين تحفيزهم و تعبئتهم للانخراط في التعلمات من خلال “تربية التعاقد” لأن ذلك يجعلهم يهتمون بتكوين يعرفون أنهم اختاروه و يفكرون في مصيرهم و قرارات توجيههم التي تؤسس لاندماجهم المهني… كما على جميع الفرقاء تطوير استقلالية التلاميذ و قدراتهم على التقويم الذاتي و الاستعلام عوض تقييد حريتهم باسم الانضباط المؤسسي و الاكتفاء بإصدار الأوامر…

3 – كيف انبنى مفهوم المشروع الشخصي للتلميذ؟
1-3- مقاربة للتوجيه تتسم بالثبوتية :
قبل بروز المشروع كان المستقبل هو الحاضر و كان واضح المعالم. لم يكن هناك خوف على مستقبل أحد نظرا لآليات إعادة الإنتاج التي يقوم بها المجتمع: فأبناء عمال الصلب يشتغلون بدورهم كعمال صلب و أطفال منطقة “لادروم” La drôme يوجهون نحو مجال صناعة الحلوى البيضاْءLe nougat و صناعة الأحذية كآبائهم… (Memmery, 1989) . إذن كان الاشتغال في ميدان التوجيه يقتصر على مقارنة أهلية التلاميذ و مؤهلاتهم و اهتماماتهم و سيم طبعهم…بجانبيات المهن و البحث عن التوافق بين هذه المكونات.
تطور هذا التصور عمليا مع باحثين في المجال ك”كودير KUDER و ” بارسونز” PARSONS و “سترونغ” STRONG و ” هولند”HOLAND . بالنسبة لهؤلاء، رغم الاختلاف في الطريقة و التفاصيل، تحدد قرارات التوجيه من خلال تشخيص / جردBilan / Diagnostic ليوضع في الأخير الرجل المناسب في المكان المناسب…يتعلق الأمر هنا بتلاؤم مثالي لا يتزحزح و قد أصبح هذا متجاوزا الآن.

2-3-الممارسات المختزلة:
لا زالت نظرة الثبوتية fixisme لم تختف بعد لأن التقويمات les évaluations و الجرودinventaires، التي تحدد جانبيات profils التلاميذ الدراسية، لا زالت تكون أسس التشخيص الهادف إلى الوصول إلى تنبؤ نجاح…
من منظور هذه المقاربات، توضع جانبيات للمسالك الدراسية و التكوينية بموازاة جانبيات التلاميذ ثم تحدد قرارات التوجيه انطلاقا من وجود التلاؤم أو عدم وجوده.
تفترض هذه الممارسات أن كل شخص يتم تحديده من خلال مواصفات جانبيته و أنه لا يتغير كما أن التكوينات تبقى قارة و لا تتغير، و هذه نظرة خاطئة للفرد و للمحيط ينتج عنها تنبؤ بالنجاح (في مسلك دراسي أو تكويني) محدود جدا، لكونها تعتبر الفرد و المحيط جامدين لا يخضعان للتطور و التحول.
طبيعة هذه المقاربات تجعلها غير كافية لخلق سيرورة تربوية تأخذ بعين الاعتبار ديناميكية شخصية الفرد
و تطور تمثلاته حول ذاته و حول المهن ، و بالتالي تتسم بالتبسيط و الاختزال.

3-3-مقاربة جديدة أكثر ديناميكية:
ظهرت تصورات للمشروع الشخصي لا تأخذ التقارب بين الميزات الشخصية و العالم الخارجي فقط كمرتكز: بل تركز على دينامية تطور الشخصية و تعتبر المشروع كنتيجة لسلسلة من المراحل: المشروع سيرورة. من رواد هذا التيار التطوري “إيلي غينزبيرغ” Elie GIBZBERG الذي يرى أن “الاختيار المهني يعد خلال متتالية من القرارات تنتهي بسيرورة…”. هناك رواد آخرون تبنوا هذا النهج و اشتغلوا من خلاله نذكر من بينهم “سوبير”SUPER الذي حدد مراحل النمو كالتالي: مرحلة النمو croissanceو مرحلة الاستكشاف exploration و مرحلة الاستقرار établissement و مرحلة الحفاظ على الوضع maintien… من أهم المشتغلين في هذا المجال هناك كذلك السويسريان “بيمارتان” PEMARTIN و “لوغريس” LEGRES اللذان وضعا سيكوبيداغوجية المشروع الشخصي للتلميذ La psychopédagogie du projet التي سنشير إليها فيما بعد( أنظر النظريات التطورية).

4-3- مقاربة تركيبية:
تعتبر هذه المقاربة الجديدة تركيبية لأنها تعتمد على ثلاثة أنواع من العلاقات:
· ـ الفرد و مشروعه في تناغم تام مع المحيط،
· ـ يندرج المشروع في النمو و التطور الشخصي للفرد،
· ـ الفرد في تفاعل مع المحيط الذي يعيش فيه.
* تعتبر هذه المقاربات الفرد في شموليته و في علاقته مع محيطه و تاريخه.

5-3 ملخص الفوارق بين المقاربات القديمة و المقاربات الحالية:
قبل الستينات:
– يتم الاختيار في وقت محدد من الحياة و هو ثابت و نهائي
– الفرد و المجموعات يبدون و كأنهم يتحملون حياة تفرض عليهم و يتبعون ممارسة مهنتهم
– يحدد المستقبل بممارسة مهنة (مهنة تمارس طيلة الحياة)
– النصائح الفردية المرتبطة بالتوجيه المهني التي سيمارسها الفرد مستقبلا

الآن:
– الاختيار و إعداد المشروع يمتدان طيلة الحياة
– المستشارون في التوجيه و المؤسسة يصاحبون و يرشدون التلميذ أو مجموعات التلاميذ و يساعدونهم على بناء اختياراتهم
– الحياة المهنية عبارة عن متتالية من المراحل و الوظائف و النشاطات المختلفة و القابلة للتطور
– يبني الفرد نفسه و حياته. إنه فاعل و يريد التحكم في مصيره

4 – معلومات للعمل بالمشروع الشخصي للتلميذ:
1-4- بعض الأهداف العامة للمشروع الشخصي:
ليس المشروع الشخصي للتلميذ حلا سحريا جاهزا يغني عن العمل بل هو استثمار يمكن استغلاله في تطوير التمثلات التي تتوالد تحت تأثير محددات اجتماعية معقدة، إنه يتجاوز إمكانية حصره في إجراءات ناجعة لأنه وجد لتدبير الفرق بين ما يعتزم الفرد القيام به و ما يقوم به فعلا (التعاطي مع اللا متوقع). يعطي المشروع للمدرسة دورا اجتماعيا جديدا يتجاوز دور التعليم، فهو عملية إنتاج انطلاقا من سؤال محرج “ما هي الدراسات التي علي أن أقوم بها؟ و لأي نوع من الإدماج الاجتماعي و المهني ستصلح هذه الدراسة؟”
المشروع الشخصي عبارة عن نشاط للتعامل مع أوضاع حياتية تستفز و تثير التساؤل.

2-4-التمييز بين المشروع الشخصي للتلميذ و المشاريع الأخرى و اختيارات التوجيه:
سنقدم تعريفات جد مبسطة و جد مختزلة ليسهل استيعابها و التمييز بينها:
· المشروع الشخصي للتلميذ: أنظر التعريفات التي تم تقديمها :
· المشروع المهني: هو التطلع لممارسة مهنة تلائم القدرات و الرغبات ، بعد الدراسة (يمكن النجاح في الدراسة دون التوفر على هذا المشروع)
· مشروع التكوين: هو مشروع الدراسة( طبيعة المسالك و مستويات تأهيل محددة): أحيانا يطرح الربط بينه و بين المشروع المهني مشكلا و هو يعضد الفرد في تحقيق مشروعه الشخصي.
· مشروع التوجيه: هو الأكثر شيوعا و يتحقق من خلال اختيارات مسالك التكوين و يقيم علاقة بين مشروع التكوين و المشروع المهني.

3-4-العمل بطريقة المشروع:
يهدف جل المهتمين إلى جعل التلاميذ قادرين على القيام باختيارات صائبة، لكنهم يقترحون عليهم برامج إعلامية فقط بينما المساعدة على بناء المشروع أكثر بكثير من ذلك. نقدم بعض الأفكار التي تساعد على الاشتغال في هذا الاتجاه:
ـ تحديد الجانبية و الكفايات و حظوظ النجاح و العمل الجماعي ليحصل توافق بين هذه الجانبية و المشروع الشخصي للفرد ثم الاشتغال عليه…
ـ إحداث ملف توجيه يدون فيه التلميذ المعطيات المرتبطة بالمشروع لتكون أساسا لبناء المشروع و وسيلة للرجوع إليه بين الفينة و الأخرى…
ـ الإعلام حول الذات و حول المحيط و تغذية المشروع الشخصي بذلك…
ـ الوصول إلى التحفيز و الدافعية عند التلاميذ، لتجاوز “الهنا” و “الآن” المدرسيين، ليصبح للتعليم معنى و يفرز اهتمام التلاميذ…

5-4 ثلاثة ميادين للتطبيق:
الوضعيات التي يطبق فيها المشروع:
الوضعيات التربوية” اليومية” التي يمكن أن تجعل التلميذ فاعلا في تعماته،
الوضعيات التربوية التي تنتج عن تنظيم الحياة المدرسية و التي تجعل الفرد يعي بوجوده كفرد جماعي sujet collectif و يكون هويته الاجتماعية،
الوضعيات التربوية التي تخول مساعدة الفرد على بناء اختيارات توجيهه و بلورتها مرتكزا على معرفة الذات
و المحيط و التحكم في هذه المعرفة.
*تتكامل كل هذه المقاربات و يتكامل عمل جميع الفاعلين و الشركاء.

6-4 مثال لأهداف العمل بالمشروع الشخصي للتلميذ:
حددت المصلحة الأكاديمية للإعلام و التوجيه S.A.I.O بمدينة “رين” Rennes بفرنسا أهداف العمل بتربية المشروع الشخصي كالتالي:
· أن نساعد التلميذ على التموقع في محيط اجتصادي socio-économique في تحول دائم و في نظام تكوين يتغير باستمرار،
· أن نمكن التلميذ من إبراز إمكاناته و التعبير عن اهتماماته و أن نيسر استقلاليته و تحمله المسؤولية،
· أن نجعل التلميذ واعيا بثوابت مفهوم الاختيار و المعيقات الموجودة،
· أن ندفع التلميذ لوضع سيناريوهات و استراتيجيات قابلة للتكييف (توسيع حقل الممكن)،

7-4-تنمية المهارات و الكفايات المرتبطة بتربية المشروع:
بالإضافة إلى الأهداف التي سطرتها مصلحة للإعلام واللتوجيه بأكاديمية “رين” Rennes ندرج مجموعة أخرى من الأهداف على شكل سلوكات و كفايات، يجب أن تتوفر في التلميذ لينخرط في تربية المشروع

8-4-جدول تنمية المهارات و الكفايات
تهم المجموعة الثانية من الأهداف، القدرات و السلوكات المطلوبة “للانخراط في المشروع” و تهدف إلى جعل التلاميذ قادرين أن:
– يجمعوا معلومات بأنفسهم و يكتسبوا تقنيات البحث الوثائقي بإتقان،
– يمارسوا فكرهم المقارن و حسهم النقدي،
– يطوروا طرقا للتقويم الذاتي و يكونوا واعين ب “نقط قوتهم”
– و قدراتهم على الإقناع في ميدان معين،
– يشعروا بأنهم مسؤولون جزئيا عن تبعات أعمالهم،
– يعملوا بشكل مستقل،
– يحدسوا مسبقا آثار عملهم،

5-المشروع الشخصي للتلميذ و الممارسات التربوية:

1-5-المواد و المضامين:
يكتسب التلاميذ ، من خلال مضامين الحصص الدراسية، معلومات هامة حول سوق الشغل و الاقتصاد
و يفترض أن يكتسبوا كذلك أدوات استنفار و استعمال هذه المعلومات و المعارف و وضع علاقة بين هذه المعارف “المدرسية” و المعارف “النافعة”. لكن هذا لن يتم إلا بانخراط المدرس في المشروع الشخصي للتلميذ. لتحقيق هذا الغرض سطرت فرنسا ثلاثة أهداف رئيسة:
1. بناء المساعدة الشخصية على التوجيه حول المعارف الخاصة بسوق الشغل و الاقتصاد و النشاطات المهنية،
2. وضع برامج نشاطات نوعية محددة تتمحور حول اختيارات التوجيه،
3. تيسير الربط بين العمل و النتائج المدرسية و التوجيه، في إطار سيرورة المساعدة الشخصية،

2-5-القدرة على الاستعلام:
هناك كفايات يجب تطويرها داخل و خارج الحصص الدراسية، و بما أن المعلومات ضرورية لكل منهجية مشروع، يجب إكساب التلاميذ الكفايات اللازمة التالية:
– جمع و معالجة المعلومات،
– معرفة مصادر المعلومات و القدرة على ترتيبها حسب الأهمية و التعامل معها على أساس أنها نسبية ثم إدماجها،
– البحث في مصادر خارج فضاء المدرسة،
– العمل على الأهداف العرضانية transversaux المرتبطة بتطور القدرة على الاستعلام،
– تعلم التحكم في الإمكانات الوثائقية و ضبطها،

3-5-التقويم و المشروع الشخصي:
أنواع التقويم السائدة في المدارس هي التقويم الإجمالي évaluation sommative و هو تقويم إقراري évaluation sanction يمكن أن تكون نتائجه التربوية سلبية نفسانيا بالنسبة للتلميذ: في تمرين الإملاء مثلا، يتم خصم نقطة من عشرين عن كل خطأ يرتكبه التلميذ و يؤدي تراكم الأخطاء (عشرين خطأ تساوي ناقص عشرين نقطة)إلى الحصول على نقطة”صفر” ثم لا تحتسب باقي الأخطاء و هذا ينقص من أهمية ارتكاب الأخطاء و بالتالي من أهمية إصلاحها و تفاديها و هذه ثغرة تربوية كبيرة تكون نتائجها سلبية بالنسبة للتلميذ كما يرى “مندل” Mendel (1990) . يقول “ألان”Alain :” إن النقطة السلبية هي التي تصنع التلميذ السيئ” و يقول “غاستون باشلار” Gaston BACHELARD : ” معرفة كل شيء ما هي إلا غلط مصحح”. يجب إذن الاعتماد و الوقوف في تصحيح الفروض و الامتحانات على الطريقة و المنهجية أكثر من الاعتماد على الأخطاء…

4-5-التلميذ كفاعل في تعلماته و في مصيره:
على عكس التربية التقليدية يجب اعتماد تربية تلائم حاجيات الأفراد و تمدهم بالقدرة على التكيف بسرعة مع الأوضاع الجديدة و امتلاك المنهجيات و الكفايات و المهارات عوض شحنهم بالمعلومات و المعارف. تطابق هذه المقاربة حاجيات المراهقين للاستقلالية و الحرية و المشاركة الفعلية و هذا من شأنه أن ينمي الرغبة في العمل و الاجتهاد و يساعد على تنمية قدرات نوعية تيسر بناء المشاريع. إن التلميذ يصبح فاعلا مشاركا لأنه يعرف إلى أين يتجه و بالتالي يضع خطة عمل و يبلور استراتيجيات للدراسة…يجب التأكيد على أهداف المجمعة و التطويع الاجتماعي socialisation و مساعدة التلاميذ في هذه الحالة على الانخراط في العمل الجماعي و التمكن من البحث لإعادة بناء المعرفة باستمرار.

6- بعض تقنيات التدخل:
1-6- الاشتغال على التمثلات:
بموازاة أنشطة الإعلام المدرسي و المهني يمكن تطوير ممارسات ترتكز على معرفة الذات و اعتماد برامج للتوجيه التربوي غالبا ما تكون مستوحاة من تنشيط التطور الميولي الشخصي A.D.V.P و ربطها بالمشروع الشخصي…
تهمش أنشطة الإعلام المدرسي و المهني، كما هي ممارسة اليوم، مفهوم التمثل رغم أهميته الكبيرة فتكون بذلك قليلة النجاعة و ضعيفة لأن الفرد يخرج منها بالقليل لكونه يحضرها في الغالب دون هدف محدد و لا يحتفظ عند الخروج منها إلا ببعض الصور التي تلائم تمثلاتة الأصلية. إن الفرد ليس صفحة بيضاء لأنه يتلقى المعلومات عبر مصفاة تمثلاته حول محيطه و حول نفسه و حول حاضره و مستقبله و بالتالي يجب اعتبار البعدين التاليين:
ـ أن يكون الشاب في حالة بحث عن المعلومات و أن تطابق هذه المعلومات اهتماماته الخاصة و تنطبق على وضعه الحقيقي، كي يكون هناك استيعاب للمعلومات الجديدة.
ـ يجب كذلك أن تأخذ تمثلات الفرد العفوية بعين الاعتبار لأنها دائما حاضرة و مؤثرة و يمكن أن تعيق استيعاب المعلومات.
ـ يجب الاشتغال على حالة التنافر لحث الفرد على التفكير عوض تزويده مباشرة بالمعلومات.
إن التمثلات تولد توقعات و انتظارات و تحدد مسبقا طبيعة تفاعل الفرد مع المحيط و هي تتغير حسب الجنس و الانتماء الاجتماعي و المهني و تتغير و تتطور مع الزمن… نورد فيما يلي مثالا عن الاشتغال على التمثلات من طرف مستشار في التوجيه بإعدادية فرنسية:

المثال: طلب المستشار في التوجيه من التلاميذ وصف مقاولة صناعية للتبريد، توجد بمنطقتهم و لم تسبق لهم زيارتها، و تقديم تمثلاتهم عنها. احتفظ بما كتبوه في الموضوع ثم نظم لهم زيارة للمقاولة المذكورة و طلب منهم إعادة وصفها من جديد فجاءت تمثلاتهم الأخيرة مختلفة عن تمثلاتهم الأصلية.

2-6- معرفة الذات:
ا – معرفة الذات و بناء الذات:
يلعب البناء الذاتي دورا مهما في تربية المشروع حيث يكتشف الفرد ذاته فيزداد تحفزا و يقوم كذلك باختيارات توجيه و يتخذ قرارات مبنية بشكل أفضل لأنه يعرف كفاياته و قدراته و سمات شخصيته و اهتماماته و يعرف كيف يتعامل مع نظرة الآخرين التي غالبا ما تمثل مرآة يرى نفسه من خلالها و تسجنه في تمثل لذاته يتأسس على رأي الآخر. إن معرفة الذات تساعد الفرد، بشكل كبير، في التحرر من رأي الآخر و الاعتماد عليه بشكل جزئي عوض أن يجعل منه أساسا لكل قرار أو اختيار… ن يجعل منه أساسأن

ب – استفتاءات الاهتمامات:
أكثرها شيوعا هي الاستفتاءات التي تمكن التلميذ من استكشاف سمات شخصيته و اهتماماته و كفاياته في مجال البرهنة و الاستدلال و سلوكاته و مواقفه الاجتماعية و ميولاته المهنية…
إنها متوفرة على الورق أو على شكل برانم معلوماتية و أغلبها قديم في تصوره و يرتكز على بعض النظريات المتسمة بالثبوتية fixiste تعود للستينات أو السبعسنات.

3-6-برامج التوجيه التربوي:
يمكن أن تعتمد على ممارسات متنوعة و متعددة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

ا – المقاربة السيرية:
تستعمل في إطار برامج التوجيه و بالتالي في بناء المشروع و تساعد الفرد على بناء صورة إيجابية حول نفسه (أنظر أعمال “غوجلاك” GAUJELAC و “بيرطو”BERTEAUX . تتمثل في أن يبحث الفرد في تاريخه ليجد كل نقط النجاح حيث تبرز من خلال السرد معاني الحياة و يتم الإمساك بالصورة حول الذات…إن القيام بالحكي السيريLe récit autobiographique يعد بمثابة إعادة اكتشاف للذات بتفاعل مع إنسان راشد كما يمكن اللجوء لنشاطات اللصق collages أو التعبير بواسطة الصور photo-langage (J. BAPTISTE 1978),.

ب- تربية الاختيارات:
وضع الكنديون “بيلتيي” PELLETIER و “بوجولد”BUJOLD و “نوازو” NOISEUX أوضاع تعلم تهدف إلى “تنشيط النضج الميولي” جمعوها في سلسلة “التربية على اختيارات مجرى الحياة” éducation au choix de carrière تغطي مدة الدراسة الإعدادية. يقابلها بفرنسا تربية الاختيارات des choix éducation. تهدف هذه التربية عإلى جعل التلاميذ قادرين على اتخاذ قرارات و الانخراط في منظور زمني و تكسبهم معارف (التكوينات و المهن و الكفايات الذاتية و الاهتمامات…) و تكسبهم طرق عمل (الاستعلام و تصور الذات و العلاقة مع الآخرين…) كما تعلمهم سلوكات ( التسامح و البحث و حب الاستطلاع…)

ج – تنشيط التطور الميولي و الشخصيA. D.V.P :
يتعلق الأمر ببرنامج تنشيط يهدف إلى معرفة أفضل بالذات و بالمحيط من خلال مهام تجمع في أربعة مجموعات تطابق المراحل الأربع التي تكون سيرورة الاختيارprocessus de choix : مرحلة الاستكشافexploration و مرحلة البلورة cristalisation و مرحلة التمييز spécification و مرحلة التحقيقréalisation

د – اكتشاف النشاطات المهنية و المشروع الشخصي:
وضعها الفرنسي “جون غيشار” J. GUICHARD تحت تسمية La découverte des activités professionnelles et projet personnel و وضع لها نسختين أخريين خاصتين الأولى تحت اسم
découverte des activités professionnelles et projet personnel et insertion(D.A.P.P.I) و الثانية تحت اسم découverte des activités professionnelles et projet personnel technique(D.A.P.P.T) و هي ترتكز على ثلاثة مبادئ:
· التلميذ له انتظارات و تمثلات حول ذاته و محيطه و التدخل يهدف لجعله يجود و يغني مشاريعه العفوية،
· تضع التربية الفاعلة التلميذ في موقف تنافرdissonance ليخلخل تمثلاته و يدمج المعطيات الجديدة،
· تستند الطريقة على اكتشاف الحقائق الحالية للعمل المؤهل travail qualifiant و تهدف إلى تجاوز الصياغات على شكل اهتماممات و نوايا دراسية أو أفكار مختزلة مبسطة simplificatrice .
و أهدافها هي جعل التلميد:
* يعيد النظر في تمثلاته العفوية، المنظمة و المقولبةstéréotypées و المختزلة للمهن،
* واعيا بأهمية الاختيارات و التجارب و الفرص…أثناء تحديد المشاريع الشخصية و خلال عملية الإدماج،
* يعمق التفكير بواسطة تحليل المهن على شكل نشاطات،
* ينخرط في النشاطات الشخصية،
* يحلل مختلف المسالك الدراسية و التكوينية المتاحة
عمليا تركز الطريقة المذكورة على نشاطات تجميع بطاقات مهن و تحليل سير ذاتية لأشخاص يمارسون هذه المهن…

ه – سيكوبيداغوجية المشروع:
تم بناؤها من طرف السويسريين “بيمارتان” PEMARTIN و “لوغريس” LEGRES تحت تسمية La psychopédagogie du projet personnel، و هي مستوحاة من النموذج النظري التطوري و توظف مفاهيم مستقاة من التحليل النفسي و من أشغال “فالون” H.WALLON و تعتمد على:
– تتالي المراحل التي تركز على الفرد و تلك التي تركز على العلاقات التي تتأسس مع المحيط الخارجي،
– دور الخلافات أثناء تطوير المشاريع (التنافر و الاختلاف)،
– التفاعل بين النمو العاطفي و الوجداني و النمو الفكري و المجمعة La socialisation ،
حدد المؤلفان متتالية من مراحل تطور المشروع معتمدين في ذلك على مراجع و على الممارسة الميدانية و وضعا تمارين تستجيب لأهداف تربوية مختلفة تقابل كل مرحلة من المراحل…

4 – خاتمـة:
نرى أن هناك ضرورة لتطوير ممارساتنا كأطر توجيه انطلاقا من تعشيق تفكير جماعي يهدف إلى تدارك النقص الحاصل في التكوين النظري ثم الاشتغال على التربية على التوجيه و المشروع الشخصي للتلميذ و من تم تحديد الأهداف الملائمة لتجويد عملنا ثم البحث عن تبني و تكييف تقنيات قابلة للاستعمال و لو على مستوى التجريب في بداية الأمر، تنطلق من أرضية نظرية تبررها و تقاس بعد تجريبها ثم تغنى النظرية المعتمدة من خلال التفكير المستمر و التجريب و الاكتشاف و تبادل التجارب الفردية و الجماعية و تجميعها و خلق نواة للبحث و التكوين و التجريب و أقترح أن نركز على سيكوبيداغوجية المشروع الشخصي للتلميذ لما توفره من وسائل عمل تستحق أن نطلع عليها و نعمل على تكييفها و تجريبها قصد الاتجاه نحو إيجاد نموذج يلائم تلاميذنا و خصوصياتنا..

الكاتب : مصطفى شـركي

المراجع:
– J. CHARPENTIER, B. COLLIN, E. SHEURER: “De l’orientation au projet de l’élève”, éditions Hachette Education, 1993,C.N.D.P,Paris Cedex 05
– R. ETIENNE, Anne et René BALDY,P. BENEDETTO: ” Projet personnel de l’élève”, éditions HACHETTE, Nouvelle pédagogie pour demain, ParisD.PEMARTIN et J.LEGRES: ” Les projets chez les jeunes”,Issy- Les Moulineaux, E.A.P, 1988