هل وكيف ولماذا ولى عهد

“كاد المعلم أن يكون رسولا” ؟

——–

هل و كيف و لماذا ولى عهد ” كاد المعلم أن يكون رسولا”؟

كان انفراد المدرس بحمل “رسالة المعرفة و التربية” هو الذي كاد أن يجعله منه رسولا، ذلك الانفراد هو صار منذ فترة ليست بالقصيرة( الحرب العالمية2) موضوع نقاش و مراجعة و محل منافسة شرسة من طرف فاعلين جدد( وسائط – حوامل) ولجوا  مجال إنتاج المعرفة و عرضها و نشرها و تسويقها لتكون في متناول المستهلك، الذي يمكن أن يكون متلعما( تلميذا – طالبا) أو معلما( أستاذ) كذلك، كما يمكن غيرهما ممن لا علاقة له بفضاء تلقين و تلقي رسالة المعرفة( المدرسة)، بل  زحفت بعض وسائط و حوامل المعرفة التي  تنافس المدرس في أداء رسالة المعرفة على المدرسة و اقتحت حرمها، لتضع النهاية لعهد انفراد المدرس بأداء رسالة المعرفة و لاحتكاره لسلطة المعرفة.

  فبعيدا عن الظروف الاجتماعية المزرية، التي يعيشها المدرس، و ذات العلاقة بالسياسة التعليمية المحلية( الوطنية)، و المرتبطة بالأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية  العامة السائدة في العالم، التي فرضت نوعا من الاختلال و عدم تكافؤ الفرص في  الولوج الى المعرفة في العديد من المجتمعات و البلدان.

 بعيدا عن كل تلك الملابسات و الحيثيات يمكن القول أن الكثير من الإعتبار فقده المدرس، ليس بسبب مما يعيشه من ظروف اجتماعية مزرية مرتبطة بوضعه المادي و المعاشي و ظروف اشتغاله فقط، و انما فقد المدرس ذلك بفقدانه للسلطة المعرفية التي كان يحتكرها خلال فترة  تاريخية طويلة.

 لقد ولى العهد الذي “كاد فيه المعلم أن يكون رسول”، العهد الذي كان فيه المدرس( الشيخ -العالم – رجل الدين – الاستاذ- المعلم ) المصدر الوحيد للمعرفة،  زمن ندرة المعارف، زمن هيمنة المعارف الشفوية، زمن الذاكرة و الحفظ و الاستذكار و الاستظهار، و لى الزمن الذي كانت تقاس فيه سعة علم و حجم معرفة العالم بقدرة الحفظ و التخزين في الذاكرة، زمن تبعية المعرفة للمدرس،  زمن انحسار و انحصار  الكتابة و الكتاب,  و ضيق مجال انتشار القلم و الورق.

لقد حل عصر الوفرة في المعارف و استقلاليتها عن المدرس( العالم – الشيخ – رجل الدين  -المعلم – الاستاذ..)، لقد استقلت المعرفة عن المدرس، كما  استقلت  البضاعة و المنتوج عن المنتج. و لم تعد تابعة له، لقد تم فك الارتباط بين المدرس و المعرفة بانتقال المعارف من صدور الرجال  إلى سطور الكتاب.

 فوفرة المعارف بضخامة الانتاج و كثرة  التأليف و تطور  الطبع و شساعة النشر و تعدد وسائط و حوامل المعارف و قوة  التسويق، كل ذلك قلص من دور الاستاذ في تزويد المتعلم بالمعارف، حيث أضحت وسائط أخرى تنافسه بقوة و شراسة، فأفقده ذلك تلك السلطة المعرفية التي كان محتكرا لها.

  و العرض التربوي و  المعرفي  صار أكبر  و أكثر من الطلب ، و تطور وسائل التعليم و تقنيات التدريس و آساليب التلقين( الديداكتيك)، و ضخامة الانتاج و  الابداع البيداغوجي، كل ذلك أفقد المنتج( المدرس – المؤلف – الكاتب) سلطته و مكانته السابقة:

– أولا و مرحليا لصالح المنتوج( المادة العلمية المدرسة- النص)،

–  تاليا و آخيرا و حاليا  لصالح المستهلك( المتعلم – المتلقي)،

لقد انقلب مثلث العلاقات التربوية( المدرس – المعارف- المتعلم) الذي كان فيه المدرس الضلع الرئيسي، فصار هذا  المثلث  يتمحور حول المتعلم ( المستهلك للمعارف)،

وقع ذلك بشكل موازي  تماما، لما حدث في عالم الاقتصاد( الصناعة – التجارة – الخدمات) ، حيث صارت مثلث  العلاقات الاقتصادية( المنتج – الموزع- المستهلك) يتمحور حول المستهلك، لان التطور الصناعي الكبير و التقدم التكنولوحي الهائل جعل  العرض من المنتوج  أكبر من الطلب عليه، بعدما كانت المنتج هو المتحكم فيها، في زمن الندرة الاقتصادية، زمن تخلف وسائل الانتاج، حيث العرض من المنتوجات قليل أمام طلب كثير و متزايد من المستهلكين، الذين كانوا يتزايدون بوثيرة هندسية.

————–

محمد أقديم

مستشار في التخطيط التربوي