مع الانفتاح المعرفي والعلمي الذي طرأ على العالم من خلال الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، صارت الحياة مفتوحة للناس بشكل أوسع وصارت كل المعلومات متاحة أمام هذا الإنسان الذي يجلس برفقة هاتفه الذكي لساعات طويلة وهو يتصفح تلك المعلومات بشكل أقرب للعشوائية، بالإضافة إلى نقلة نوعية في الفكر العملي والدراسي بالنسبة للجيل الجديد والذي لم يعد يقنع بأي كلية يدخلها بعد الثانوية وأي وظيفة تؤمن له معيشة (مستورة) بل صار يبحث عن شيء يشبع حاجاته النفسية للنجاح والتفوق بعيداً عن المعتقدات التي كانت سائدة عن كليات القمة والوظائف الحرة والمشاريع الخاصة، وباتت الكلمات المطروحة في السنوات الأخيرة تتنوع بين الشغف والحلم وإثبات الذات وبناء المستقبل الخاص والمهنة الشخصية والتفوق والإبداع والتميز وصارت كلمة (عادي) سبة في حد ذاتها..

ولذلك أصبح اختيار التخصص الجامعي أكثر صعوبة رغم انفتاح المعلومات أمام الطالب والفرصة المتاحة أمامه والتي لم تكن موجودة قبل عشر سنوات في التعرف على الاختصاصات الجامعية ومستقبل كل منها من خلال عدة وسائل قد تكون الذهاب إلى الكليات أو ببساطة سؤال الناس على مواقع التواصل الاجتماعي عن الأمر.

هذا العام بالتزامن مع انطلاق دليل التخصصات الجامعي من أراجيك، تواصلنا مع المستشار المهني المعتمد من مؤسسة (CPP) الأمريكية، وخريج معهد الأبحاث CAPT بدرجة Master Practitioner، المهندس سامي الزين ليساعدنا ويخبرنا عن الطريقة الصحيحة التي يمكن للطالب اتباعها في اختيار التخصص المناسب له، والذي كان أول رد فعل له عندما طلبنا منه إرشادنا لكيفية اختيار التخصص المناسب أن قال:

ليس هناك وصفة سحرية تدعى كيف تختار التخصص المناسب، هي عملية رسم مسار مهني ووضع خطة مستقبل بناء على تحليل معطيات ونتائج جملة من التقارير النفسية التخصصية التي تعتمد أدوات اختبارية مقيدة مثل MBTI Career Analysis – STRONG Interest Inventory – TKI – FIRO-B وما شابهها، ومن ثم محاورة المستشير حول أفضل الخيارات المناسبة له، لرسم ما يسمى بمنطقة الراحة المهنية وتحديد خياراته تمهيداً لوضع خطة عمل لها.

سامي الزين مهندس إلكترون واتصالات، حصل على درجة ماستر في علوم الويب وربطه بالروبوت التعليمي، خريج جامعة دمشق، عمل بالتدريس في بعض الجامعات السورية، وانضم لحاضنات الأعمال الرائدة في بلده منذ نشأتها عام 2006، وأسس مشروع إنترنت الأطفال الآمن بالتعاون مع الجمعية السورية للمعلوماتية، إلى جانب كونه حكم دولي في بطولات الروبوت التعليمي لليافعين FLL ومن مؤسسي مسابقات الروبوت التعليمي في سوريا، درب عدداً كبيراً من القائمين على برنامج الروبوت آنذاك في سوريا وشارك حكماً عربياً ثم دولياً في بطولات عدة في الأردن ولبنان ومصر وتركيا.

بدأ سامي منذ عام 2005 العمل والمشاركة في أتمتة جملة اختبارات دولية للقياس المهني والوظيفي قامت بتعييرها للبيئة العربية عموماً و السورية خصوصاً د. إيمان عز رئيسة قسم القياس والتقويم في جامعة دمشق – كلية علم النفس، وعمل معها طوال ثماني سنوات على تجريب وتعيير الاختبارات وتنفيذها مع طلاب الثانوية العامة لمساعدتهم في اختيار التخصص الأنسب لهم.

في بداية عام 2013 توجه سامي لدراسة علم أنماط الشخصيات وفق نظرية العالم السويسري كارل يونغ بعد أن أثار اهتمامه الشح الشديد في المراجع العربية وانتشار الدجل والخرافات وتسلط مدعو التنمية البشرية على بعض مفردات هذا العلم غير المطبق أو المعروف عربياً وإقليمياً (وحتى أوروبياً نوعاً ما) في حين أن الولايات المتحدة وبعدها كندا طورت أبحاثاً و دراسات لا تعد ولا تحصى حول تطبيقاته و طرق الاستفادة منه في بناء نسيج مجتمعي براغماتي متجانس يضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

على مدار السنوات الخمس الماضية، أُجيز سامي بدايةً في علم أنماط شخصيات الأطفال MMTIC لرائدته العالمة إيليزابيث مورفي، ثم أجيز من معهد أبحاث الارشاد المهني GS Consultants مرشداً مهنياً باستخدام أدوات القياس المقيد وتقاريره MBTI Career Analysis – STRONG Interest Inventory ثم حصل على درجة الماستر المهني MBTI Master Practitioner  في مزاولة الارشاد المهني والتوجيه الأكاديمي والشخصي من CAPT مركز أبحاث أنماط الشخصية الأمريكي الشهير الذي أسسته إيزابيل مايرز وماري ماكاولي عام 1968 ليصبح مرجعاً ومركز اشعاع لكل أبحاث تطوير انماط الشخصية وربطها بالتطبيقات الأخرى حول العالم.

يدير المهندس سامي اليوم شركته الخاصة المتخصصة في إعداد مناهج الروبوت التعليمي وتنفيذها ضمن المدارس و الهيئات التعليمية المتخصصة، إلى جانب عمله مرشداً مهنياً وباحثاً لتطوير علم الأنماط وتخصيصه و تعييره للبيئة العربية.

ما المقصود بالإرشاد المهني؟

الإرشاد المهني هو مجموعة اللقاءات والمقابلات والورشات والأدوات الاختبارية التي يخوضها المرء مع مرشد مهني ومستشار مجاز Certified Practitioner Counselor من إحدى الهيئات الدولية الكبرى المشهود لها بالأبحاث والتجارب و المؤلفات من قبل فريق من العلماء والباحثين على مدار ما يقارب القرن من الزمن هو العمر الفعال لنشأة الارشاد المهني بمفهومه الحديث منذ مطلع القرن العشرين، و التي بمعظمها تتمركز في الولايات المتحدة الأأمريكية الأب الشرعي لعلم الارشاد Counseling في العالم وأبرزها وأشهرها NCC – CAPT – CPP والتي أصدرت مجموعة من البرامج والماجستيرات ذات شهادات متنوعة تغطي جوانب متعددة في الارشاد المهني.

هل يجب عليّ خوض أدوات اختبارية عند إجراء الاستشارات المهنية؟

لا طبعاً ليس بالضرورة، اللقاء والحوار الأولي بينك و بين المستشار المختص في الإرشاد المهني هو ما يحدد حاجتك لواحدة من هذه الخيارات:

  • استشارة وتوجيه فحسب
  • استشارة مع أداة أو مجموعة أدوات اختبارية
  • استشارة مع توجيه و متابعة Coaching

يتفق عادة المستشار المهني مع الشخص الراغب في الإرشاد (وفق الستاندرات المهنية الأمريكية ووفق ما يوجه للقيام به المستشارون والمرشدون المهنيون) على عدد الجلسات المطلوبة، الأدوات الاختبارية اللازمة، ساعات الاستشارة الهاتفية إن لزم، وتدون في عقد مبسط بينهما وفق أجور ثابتة تخضع لمقترحات و توجيهات من مكتب العمل الأمريكي التابع لوزارة العمل، والتي نجدها مذكورة بشكل واضح ضمن موقع Pay scale الشهير.

هل الإرشاد المهني أو الأدوات الاختبارية المهنية أو الشخصية تخبرني حقاً بأفضل المهن المناسبة لي؟

لا طبعاً، لا يحق لأحد أن يخبرك بأفضل المهن لك، أنت من يحدد ويقرر ويرسم خريطته بنفسه، وبحال قام مرشد ما (مرخص أو غير مرخص) أو وجّهك اختبار ما (مرخص أو غير مرخص) لدراسة في مجال ما أو العمل في مهنة ما، فأنت تتحمل مسؤولية تعاملك معه، ومن حقك الطبيعي أن تتقدم بتقرير شكوى بحقه إن كان مرخصاً من جهة موثقة، وتسحب شهادته على الفور.

هل يخبرني المرشد المهني بخريطتي المهنية؟

المرشد المهني هو شخص محترف يعرف كيف يفرد أمامك ” كل أوراقك وميولك و ميزات شخصيتك كنمط فردي أو مهني، ويرتبها بشكل علمي وفق أسس علم الارشاد المهني، ويرشدك نحو “كيفية” رسم المسارات المهنية المتعددة التي تخولك للنجاح والعمل ضمن منطقة الراحة Your Comfort Zone.

أنت من يرسم خريطته المهنية – بإشراف مختص – حين تطلب إشرافه و توجيهه، و هو يبدي نصائحه وتوجيهاته من نمط (الذين يمتلكون عادة هذه النقاط وهذه الميول وفق العينة الإحصائية كذا، ظهر بأنهم نجحوا في مجال كذا و كذا، ومن المحتمل بنسبة جيدة أن تنجح أنت مثلهم بحال استكملت رؤية الصورة الكلية الخاصة بك..) والقرار والاستفسار منك أنت..

هل يحتاج كل فرد للإرشاد المهني؟

ليس بالضرورة، هناك نماذج متعددة لأشخاص ناجحين لا يحتاجون لاستشارة تحدد مسارهم المهني أو الوظيفي أو العلمي، إنما قد تكون الاستشارة لمثل هؤلاء عامل مساعد لا يقوم به المرء في أحواله العادية وهو (فرد كامل الأوراق و الاحتمالت الخاصة بشخصيته الأصلية والمهنية أمامه ضمن جلسات هادئة تتيح له رؤية كامل مواهبه وملكاته و نقاط قوته on the same page كما يقول الإنكليز، وبالتالي توليد لحالات جديدة مما يسمى Aha-Effect وهو أن تقول بعد الاطلاع العميق “أيواااا.. فعلاً من الممكن أن أستغل كذا من مجال كذا و أدرس شهرين في مجال كذا لأزيد نجاحي في نقطة كذا و أوفر كذا و …”.

كيف نستخدم أدوات اختبارية “أمريكية” علماً أنها مصممة ضمن عينات اختبارية أمريكية ليست بعربية؟

على العكس، هذه نقطة تميز لأدوات اختبارية مقيدة مثل MBTI – MMTIC – STRONG – FIRO – CPI 260 وغيرها، لأنها صُممت وتم تعييرها في بيئات يكون أثر البيئة والمجتمع فيها ضعيف للغاية، فتعتمد في قياساتها واستقراءاتها بشكل أكبر على حقيقة الفرد وردود أفعاله الطبيعية (أما مجتمعاتنا التي تفرض واقعاً لا يرحم علينا، فالوعي و اللاوعي الخاص بنا موجه بشكل قطيعي Gregarious نحو الوعي المجتمعي الجمعي الذي ولدنا فيه للأسف) لذلك تأتي هذه الأدوات الاختبارية لتقيسنا مقارنة مع (عينة نقية أو شبه نقية) وفق مصطلح احصائي شهير يسمى The Norm Scale.

تعريف أداة Strong:

ما هو STRONG Interest Inventory؟

هو “مخزون اختباري استقصائي” لقياس التوجه والميل المهني والدراسي والوظيفي يتيح لقاصديه تنفيذ أداة قياس اختبارية تعطي في نتيجتها تقارير متنوعة بحسب طبيعة الشخص المختبَر والتوجه المطلوب. حيث تتمحور حول معلومات تتعلق بالوسم الوظيفي العام له، ميوله، نمط شخصيته وبأبرز التخصصات المهنية المناسبة له.

تم إطلاق أول نسخة من الأداة الاختبارية عن طريق البروفسور E.K. Strong عام 1927تحت مسمى Strong Interest Vocational Blank وكانت تقوم على قياس الميول الأساسية لدى الفرد وكيفية ربطه بالمهن المناسبة انطلاقاً من هذه الميول.

تتابع مشوار التطوير وصولاً لعام 1956 حين وضع John Holland النموذج الأولي لكود RIASEC  المهني وقام بدمجه بأداة STRONG وتطوير النسخة الأكثر استقراراً من الاختبار في نهاية عام 1974.

RIASEC:

كود RIASEC ينطلق من وصف أنماط الشخصيات “مهنياً” بستة Themes (سمات مهنية) أساسية:

  • Realistic: The Doers
  • Investigative: The Thinkers
  • Artistic: The Creators
  • Social: The Helpers
  • Enterprising: The Persuaders
  • Conventional: The Organizers

تبنت مؤسسة CPP دعم أبحاث و تطوير البرنامج، وتم إصدار نسخ متعددة من التعديلات والمراجع الإحصائية التي تعمل باستمرار على تحسين نتائج القياس وربطها بالواقع الأمريكي، كان أبرزها عام 1994 ثم عام 2012.

أبرز الباحثين وأصحاب الأيادي البيضاء في تطوير مراجع وأدوات وتقارير STRONG كانت العالمة الراحلة Judith Grutter والتي صاغت جزءاً مهماً من النسخة المعروفة لتقاريرSTRONG   “الصور المرفقة هي مقتطعات من أحد أنواع التقارير”، وهي مؤسسِة مركز أبحاث GS Consultants العامل حتى اليوم على استقطاب الباحثين والمهتمين في تطوير وتحسين عمل الأداة الاختبارية الأقوى و الأشهر على مستوى العالم.

لماذا STRONG هو الأكثر مصداقية ودقة لاختيار التخصص الجامعي؟

تتميز أداة STRONG باستقرار ودقة مرتفعين كونها تستند إلى علم الاحصاء في نتائجها، ولا تعتمد أي نتيجة لا تصدقها وتثبتها الأرقام.

فمثلاً، تقارن نتائج التقارير الخاصة بقياسات ل Themes & Interests مع عينة اختبارية ضخمة تدعى GRS- General Representative Scale تضم جداول قياس لآلاف المختبرين المعياريين ومدى الترابط الاحصائي inter-correlation بين قياسات متعددة تؤكد مصداقية وفعالية الاختبار، أي ما يدعى بـ Validity & consistency.

بالمقابل فهي تقارن الخيارات المهنية Occupational Scales مع ما يزيد عن 68 ألف قياس لموظفين حققوا 3 شروط أساسية قبل خضوعهم للاختبار ودخولهم في العينة الإحصائية:

  • استقرار وظيفي استمر أكثر من ثلاث سنوات في عملهم.
  • حالة راحة وانسجام عالي في مهنتهم.
  • نتائج عملهم توافق أعلى المعايير ضمن الوظيفة نفسها.

وتم ربط النتائج مع الموقع الوطني للمهن والتوظيف الأمريكي O*NET الذي يضم أكثر من 1000 خيار مهني ووظيفي.

المصدر