يعتبر التعلم من الأمور التي يجب الاهتمام بها وبجودتها نظرًا للأهمية التي تحظى بها والتي تنعكس بصورة مباشرة على تفكير الشخص وتحصيله… لهذا، فيسعى الكثيرون إلى تعلم الكثير والرفع من قيمة هذا الأخير إلى حدود المثالية التي لا تقبل الأخطاء، ظنًّا منهم أن السعي إلى المثالية في التعلم أمرٌ سيصحح بكيفية دقيقة مسارهم التعلمي وسيساعدهم في التقدم وتقديم الأفضل.

إلى جانب هذا، سنحاول من خلال هذا الموضوع أن نتطرق إلى الجانب المظلم من المثالية في التعلم وكيف يمكن لهذه الأخيرة أن تنعكس نتائجها لما لم نتوقعه، محاولين، في النهاية، إبراز أهم النقاط التي يُمَكّن التزامها من تجاوز جانبها المظلم.

الجانب المظلم من المثالية
إن السعي للوصول إلى أقصى مدى من التعلم أو رفض الاعتراف بالخطأ أو عدم الاقتناع في حال أضاع الشخص فرصة ما أو نقاط ما… من أهم المظاهر التي تستدعي التوقف قليلًا، خاصةً إن انعكس الأمر بشكل مبالغ فيه على نفسية الشخص ومدى ارتياحه وتقبله. في هذا الصدد، تقول طبيبة النفس الفرنسية أرييل أددا في كتابها أن الأشخاص الذين يسعون إلى أقصى ما يمكن تقديمه يقعون في الغالب في السعي إلى الكمال والمثالية، مما يضر بهم.

أيضًا، تشير الطبيبة إلى وجود أربع نتائج سلبية أساسية لـ “الجانب الأسود من المثالية” تتمثل في:

1- تدني تقدير الذات
عندما لا يصل الشخص إلى مبتغاه، فإنه يبدأ في إقناع نفسه أن السبب ليس لصعوبة الأمر أو لخطأ يمكن التعلم منه وتجاوزه في المرة القادمة، بل يبدأ في لوم نفسه وإقناعها أنه فاشل وأن العيب منه ومن عدم قدرته على فعل ذلك نظرًا لجهله أو تقصيره… كل هذه الأفكار السلبية تنعكس بشكلٍ أساسي على تقديره لذاته والذي يبدأ في التدني شيئًا فشيئًا.

2- الغضب
تقول د. أددا أن أغلبية مرضاها ممن يعانون من مشاكل في التحكم في عواطفهم أو أولئك الذين يتمتعون بإصرار كبير لتحقيق الأفضل، غالبًا ما يقسون على أنفسهم ويثورون بموجة من الغضب لعدم تمكنهم من السيطرة على انفعالاتهم أو تحقيق مرادهم الذي يدنو إلى الوصول إلى الكمال وفعل المبتغى.

3- النوم والقلق
إن الشخص الذي يصل تفكيره إلى المثالية لا بد وأن يعاني من صعوبة في النوم ليلًا، وذلك لكثرة التفكير فيما لم يستطع فعله خلال اليوم أو في أهدافه التي يسعى إلى تحقيقها غدًا…

هي إذًا مخاوف كثيرة تحيط بالشخص ليلًا وتحول دون تمكنه من النوم نظرًا لتراكم الأفكار من تقييم للذات ولوم لها على الخطأ وتسطير للأهداف…

4- الإحباط
إن النتيجة المضادة تمامًا للمثالية المرجوة هو الشعور بالإحباط والتراجع إلى الخلف بدل التقدم للأمام. من أهم مظاهر الأمر ألا يقبل الشخص الخوض في تجربة ما أو القيام بحل مسألة ما إلا أن تيقن من نجاحه وتمكنه من فعل ذلك. الأمر الذي سيحد من تعلمه المبني في الأصل على اكتشاف المجهول وارتكاب الأخطاء بغية التعلم.

التغلب على الجانب المظلم من المثالية
من أجل تجاوز هذا الأمر بسلبياته ومشاكله، يمكن اتباع مجموعة من النصائح والنقاط البسيطة التي يمكن أن تصنع فارقًا في الأمر، والتي يمكن تقديمها على النحو التالي:

السعي للأفضل .vs المثالية
يجب على الشخص أن يغير نظرته لما يسعى إليه؛ فالأهداف هنا تصنع فارقًا أساسيًا في تشكيل الطريقة التي يمكن اتباعها لتحقيق التعلم دون أي قلق أو توتر من القادم أو المجهول. في هذا الصدد، اجعل من الكيفية هدفك وليس النتيجة، وركز على طريقة تحقيقك للتعلم بدل النتائج التي ستصبح بذلك ترتبات حتمية لما ستقوم به دون الحاجة إلى أي توتر قد يربك توازنك وما تسعى إليه.

اعرف نفسك أكثر
إن معرفتك لنفسك ولقدراتك الخاصة ستمكنك من تحديد إمكانياتك وقياس قدراتك، والتي ستشكل بذلك قاعدة أساسية لما يمكنك فعل وأيضًا لما ستصبو إليه؛ أي أن تسطيرك للأهداف التعلمية يجب أن يتم بشكلٍ متوازٍ مع قدراتك الخاصة، حتى لا تصعد بسقف توقعاتك لقمة لا تستطيع الوصول إليه (على المدى القصير) وبالتالي تفقد ثقتك في نفسك دون الوصول إلى أي نتائج مرضية.

نوّع نشاطك
إن التعلم لا يقتصر على مجال محدد ولا على درس فقط. لهذا، فعدم تمكنك من استيعاب شيء ما لا يعني فشلك في التعلم ككل. وبالتالي، حاول أن تنوع نشاطك وطريقة تعلمك بما يتناسب مع ما تريد وتحب أن تفعل. ينصح هنا، أن تشارك في الأنشطة الموازية وتبحث لنفسك عن هوايات خاصة تساعدك من تعزيز ثقتك في نفسك وتغيير نظرتك نحو النجاح والسعي الدائم للأفضل.

كافئ نفسك
المكافأة هنا لا تقصر فقط على الاحتفال بالنجاح أو الوصول إلى المبتغى، بل يجب أن تكافئ نفسك كلما قدمت أفضل ما عندك مهما كانت النتيجة المتوصل إليها (وإن لم تكن الدرجة العالية كالتي كنت تطمح إليها)، فالمهم أنك تعي بينك وبين نفسك بعدم تقصيرك وتقاعسك عن أداء ما يجب القيام به مع بذل قصار جهدك.

بالتزامك بهذه النقطة ستتمكن من تغيير نظرتك نحو المثالية في التعلم متجاوزًا لجانبها المظلم.

المصدر: أراجييك