تنتج المؤسسات التعليمية سنوياً أفواجاً كبيرة من أصحاب الشهادات الجامعية والشهادات العليا لينضموا لمن سبقوهم إلى رحلة البحث المضنية عن العمل. في المقابل، لا يطرح سوق العمل فرصاً كافية تستوعب هؤلاء القادمين الجُدد. لذلك عند الإعلان عن وظيفة جديدة، يتلقى صاحب العمل مئات السير الذاتية لمتقدمين أغلبهم يمتلكون المؤهلات المطلوبة (وأحياناً الزائدة على المطلوب) والتي لا يملك سوى بضع ثوانٍ لتصفح كل واحدة منها هذا إن تصفحها أصلاً.

هنا يُطرَح سؤال قوي: ما الذي يجعل السيرةالذاتية فريدة بحيث تمتاز عن غيرها من الأوراق المتكومة على مكتب صاحب العمل؟ ما الذي يمكن أن تحتويه بحيث تجذب انتباهه ولا تنتهي في سلة المهملات البلاستيكية في زاوية مكتبه أو سلة المهملات الإلكترونية في زاوية شاشته؟ بعبارة أخرى، ما الذي يجعل السي في غير تقليدي؟

كلمة السر هي البورتوفوليو (محفظة أو حقيبة المؤهلات)، وهي بكل بساطة تدعيم السيرة الذاتية أو حتى استبدالها بنماذج صورية أو عينات تبرز وتلخص وتسوّق خبرات ومهارات المتقدم للعمل. مثلاً إن كنت تعمل في حقل من حقول التصميم البصري مثل الهندسة، أو التصميم الداخلي والديكور، أو الأزياء وغيرها وتقدمت لوظيفة في هذا المجال، فإن عبارات مجترة تذيل بها سيرتك الذاتية مثل (أمتلك التفكير الإبداعي والخبرة الميدانية و ….) لم تعد تكفي وحدها، لا بد من إرفاق عينات صورية لتصاميم وديكورات تعكس ذلك التفكير الإبداعي أو الخبرة الميدانية.

وهذا لا يقتصر على مهن الهندسة والتصميم فحسب، يمكن تكييف المحفظة الذاتية لأي حقل وظيفي. فمثلاً إن كنت ترغب في الانخراط بالحقل الإعلامي فقم بعمل قناة يوتيوب مثلاً لفقرات تحقق مشاهدات عالية، ثم أرفق رابطها في محفظتك الذاتية عند تقدمك لجهة إنتاج معينة، العديد من الرموز الإعلامية بدأت مشوارها على اليوتيوب ومن ثم تلقت عروضاً حتى دون أن تراسل أحداً. إن كنت ترغب في الكتابة الاحترافية بأحد المواقع المرموقة، فلا تراسلها مباشرة ولكن ابدأ بالكتابة في إحدى المدونات غير المعروفة لتنشر لك كتاباتك ثم اختر منها أجودها وابعثها لتلك الجهة التي كنت تخطط لمراسلتها في البداية.

للمعلمين الذين يتقدمون المدارس الخاصة، من الحيوي أن يجمعوا عينات لمشاريع طلابهم والنشاطات التي أشرفوا عليها أثناء تدريبهم العملي في الجامعة وإلحاقها بمحفظتهم المهنية. كما أن هناك نماذج أخرى للبورتوفوليو إلى جانب ما سبق مثل الإنفوغرافيك، والسجل الأدائي (log book)، والتقييمات الإيجابية للزبائن، والإحصاءات التي تعكس نجاحات إدارية… إلخ.

بالأماكن عمل محفظة على شكل ملف ملموس يضم هذه العينات والصور وإرفاقها بالسيرة الذاتية، أو إلكترونياً يمكن تصميم البورتوفوليو على شكل موقع إلكتروني يحوي ما سبق من أدوات أو صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى ملف عرض الشرائح (السلايدات) وإدراج روابطهم في السي في. باختصار عند تقديمك للوظيفة فأنت تعرض مؤهلاتك وخبراتك كسلع لمن يرغب في شراء ذلك، لذا يجب عليك، أن تروّج لمؤهلاتك بنفس التقنيات التي تستخدمها شركات التسويق للترويج لسلعة ما.

هناك جوانب عدة يتفوق بها البورتوفوليو على السيرة الذاتية التقليدية، أبرزها:

أولاً: البورتوفوليو أمتع تصفحاً من السيرة الذاتية الرتيبة؛ حيث إننا أصبحنا نعيش في زمن التواصل البصري مثل الصورة والفيديو. زمن تحتضر وتُختصر فيه وسائل التواصل الأخرى مثل الوسائل المكتوبة. فكما قيل سابقاً (صورة واحدة تغني عن ألف كلمة). قراءة السير الذاتية المهنية عملية مملة جداً يعرف مرارتها جيداً مديرو الموارد البشرية HRs، لذلك تزويدهم بسيرة ذاتية مختصرة ومنمقة بصور وإنفوغرافيك ومدعمة بروابط إلكترونية لقناة يوتيوب أو صفحة إنستغرام سيشدُّ انتباههم لها ويميزها عن السير الذاتية للمتقدمين الآخرين تماماً كالزهرة بين الأعشاب.

ثانياً: البورتوفوليو يعطي مصداقية أكثر لمؤهلاتك: عند إدراج عينات أو نماذج واقعية تجسّد قدرات المتقدم للوظيفة سينتج محفظة تضم الجانب العملي والتطبيقي لقدرات المتقدم وتجسّد خبرته، ما يضيف وزناً ويُضفي مصداقية لما كُتب بالسيرة الذاتية من مؤهلات نظرية ويضخُّ الحياة بين الأسطر والكلمات المكتوبة. معظم أرباب العمل يفضلون الخبرة والمهارات الفنية على المؤهلات والشهادات الأكاديمية والبورتوفوليو هو الوسيلة الأفضل لإبراز ذلك. لا أحد يريد شراء سمك في البحر. أعطهم سمكة جيدة يتذوقونها وسيشترون بعدها البحر نفسه.

ثالثاً: عند استخدامك الأدوات الذكية والإبداعية في محفظتك الذاتية ستعطي انطباعاً بأنك شخص مبدع ومبتكر قادر على استخدام الوسائل التكنولوجية والعصرية وتلك صفات يرغب جميع أصحاب الأعمال في توفرها بكوادرهم. حتى وإن لم تملك خبرات مهنية سابقة، هناك طرق عدة تساعدك في عملية تصميم بورتوفوليو قوي وغني، اختر منها ما يناسبك:

– إذا كنت ترغب في العمل بشركة كبيرة لها وزنها في السوق، حاول التدرب أو التطوع بتلك الشركة ووثق جميع المشاريع أو الأعمال المنجزة وأضفها لمحفظتك المهنية عند التقدم لاحقاً في العمل في تلك الشركة. طبعاً ذلك يُمكّنك أيضاً من عمل شبكة معارف تزيد من فرص توظيفك.

– إن تعذر تطبيق ما سبق بإمكانك التقدم لوظيفة أو حتى التطوع بشركة أقل شأناً لكن في نفس المجال لتحصيل خبرات ذات علاقة تدعم بها محفظتك الذاتية ومن ثم التقدم لشركة أكبر شأناً.

– إذا تعذر تطبيق ما سبق، قم بعمل مشروع وهمي كما لو أنك تعيّنت بتلك الشركة وقدمه للشركة لإخبارهم بما يمكنك إضافته لهم لو تم تعيينك.

لذلك بادر بعمل محفظة مهنية قوية وابدأ حتى وإن كنت على مقاعد الدراسة لتستخدمه لاحقاً في رحلة البحث عن الوظيفة. إن كنت تعمل حالياً فأنت أيضاً يجدر بك إنشاء وتنمية بورتوفوليو خاص بك فمن يدري، قد تحتاجه مستقبلاً للتقدم لترقية في نفس عملك أو التقديم لوظيفة بمؤسسة أخرى.

مدونات الجزيرة