منذ أربع سنوات ووزارة التربية الوطنية تقوم  بإنزال العديد من اجراءات الرؤية الاستراتيجية التي تحتاج الى تشريعات وقوانين، لانها تمس جوهر منظومة التربية والتكوين والمبادئ المؤسسة للمدرسة العمومية،  خاصة فيما تتعلق بالمجانية وتكافؤ الفرص و لغة التدريس، في غياب تام لمراقبة المؤسسة التشريعية وفي سبات عميق للاحزاب السياسية و  للنقابات و باقي هيئات المجتمع المدني، ولا أحد تساءل من أين لوزارة التربية الوطنية أن تحدث ما يسمى ب” البكالوريا الدولية” في السلك التأهيلي و المسالك الدولية في الاعدادي، و التي هي في الواقع بكالوريا مفرنسة ومسالك مفرنسة لا غير،  وليست فرنسية حتى، و تم اتخاذها كقنوات التفافية لإعادة و تمرير الفرنسة الى التعليم الثانوي بسلكيه التأهيلي و الاعدادي، و يتم البحث الآن عن صيغة أو  قناة التفافية أخرى لتمرير الفرنسة الى السلك الابتدائي، لتعم الفرنسة كل منظومة التربية و التكوين، كما كان الامر في بداية الاستقلال، ليتم بعد ذلك الانتقال الى فرنسة باقي القطاعات و المجالات كتدريس العلوم الانسانية في الجامعة وقطاع العدل و جزء من الادارة،  التي خرجت من الفرنسة في غفلة من اللوبي الفراكوفوني خلال الستينيات و السبعينيات، حيث لازال منسوب  الحس الوطني في شخصية  المغاربة و أحزابهم مرتفعا في تلك الفترة.
لعل الجميع يتذكر الأجواء التي تم فيها ابتلاع سم ” البكالوريا المفرنسة” في طعم ” البكالوريا الدولية”، سنة 2014،  في غياب تام لأي رد فعل  لا من المؤسسة التشريعية(البرلمان بغرفتيه) ولا من المجتمع المدني ولا من الاحزاب السياسية، و تم تسويق ذلك إعلاميا، يتصوير  هذه البكالوريا  على أنها بوابة التفوق المدرسي والنجاح المهني وأن حامليها من التلاميذ المحظوظين دون غيرهم من حاملي البكالوريا العادية، و تم جعلها في البداية مفتوحة على اساس الانتقاء كتكتيك مرحلي ، وتم جعل الولوج اليها محدودا:
– أولا : بهدف جس نبض المجتمع.
– ثانيا:  لجعلها مرغوبة من طرف الجميع.
– ثالثا :  بهدف تجريب خطة إعادة ” الفرنسة” الى منظومة التعليم العمومي، بسياسة “بقعة الزيت” تفاديا لردود فعليا غير متوقعة من المجتمع و قواه الحية.
و فعلا نجحت الخطة 100%،  حيث جعلت معظم الطبقة المتوسطة، و خاصة الموظفين، و  رجال التعليم بالخصوص، يتسابقون الى تسجيل أبناءهم في هذا المسلك، و يحتجون على إقصاء أبناءهم، مطالبين بجعلها مفتوحة أمام كل من يرغب فيها و إلغاء عملية الانتقاء اعتمادا على النقط، و بهذه الخطة الجهنمية  تم جعل سم ” الفرنسة” مرغوبا من طرف الجميع، و لم تتفطن أقلية من التلاميذ و الاباء بالخدعة إلا بعدم نزل قرار تعميم فرنسة كل السلك التأهيلي تحت شعار ” تعميم “البكالوريا الدولية”،  و تم فتح مسالك للفرنسة في السلك الاعدادي بنفس الطريقة ونفس الاهداف، هكذا وجد معظم التلاميذ أنفسهم غير قادرين على استيعاب المواد العلمية باللغة الفرنسية، كما تبين لهم أن هذه لباكالوريا التي سميت ” دولية” ظلما وتمويها، ليس في الحقيقة سوى فرنسة للمواد العلمية لا غير و لا علاقة لها حتى ببكالوريا دولة فرنسا..
و الآن  في العديد من الأكاديميات، لم يعد هناك اختيار للتلاميذ بين الشعب المعربة والشعب المفرنسة، بل أصبحت هذه الأخيرة معممة و مفروضة على كل التلاميذ، فعندما يقوم  الآن معظم التلاميذ  الناجحين من السلك الاعدادي بطلب و اختيار التوجه الى الشعب العلمية المعربة في السلك التأهيلي ، يتم رفض طلباتهم و يتم  إعادة توجيههم رغما عنهم  الى الشعب العلمية المفرنسة، على أساس أن ليس هناك تدريس للمواد العلمية بالعربية نهائيا، مما نتج عنه اختيار أغلبية التلاميذ التوجه  للشعب الادبية فارين من الشعب العلمية، و هذا ما يتناقض مع توجه الوزارة التي تسعى الى جعل أكثر من 60 % من التلاميذ يختارون الشعب العلمية. هكذا بدأت الفرنسة  اختيارية ومرغوبة و انتهت اجبارية مرفوضة. رغم أنها عبارة عن اجراءات تربوية و تدابير إدارية غير قانونية و غير دستورية.
———–
 محمد أقديم
إطار في التخطيط التربوي