بمجرد انتشار فيديو لطيار تركي احتفى بطريقته بأستاذ له سابقا، كان ضمن ركاب الطائرة، اعترافا بعطائه وفضله، وهو يقاوم عَبراته قبل أن تفيض، تناقله النشطاء على صفحاتهم بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، منوهين بالفكرة ومشيدين بها، عاد دور الأستاذ ومكانة المدرس في المؤسسات التعليمية المغربية إلى الواجهة بقوة، وعاد الحديث عن الاحترام الواجب كنه لمربي الأجيال والتباين الواضح في رمزيته بين الأمس واليوم.

سلوك الطيار التركي مع معلمه يحيي موضوع العلاقة بين الأستاذ وتلميذه في المؤسسات التعليمية المغربية، سواء داخل الفصل أو خارجه، ويعيد إلى الذاكرة، أيضا، الاعتداءات التي تطال المدرسين من قبل بعض تلامذتهم في حالات متفرقة، منها ما يصل إلى المستشفيات لتلقي الإسعافات، وهو ما يخالف تماما ما ورد في الفيديو التركي الذي استأثر باهتمام نساء ورجال التعليم، وغيرهم من المشتغلين في قطاعات أخرى، معبرين عن تأثرهم به، وداعين إلى حذو منهج الدول الصاعدة، من قبيل تركيا، في الحظوة التي يتمتع بها الأساتذة، لأن “المعلم كاد أن يكون رسولا”، بتعبير أمير الشعراء أحمد شوقي.

علي أوعبيشة، أستاذ الثانوي التأهيلي بمدينة مريرت، تفاعل مع الموضوع قائلا إنه “من الصعب جدا فصل المدرسة عن الواقع الذي نعيشه ويؤطرنا جميعا، لأن المدرسة المغربية لم تستطع أن تغيّر الذهنية المهيمنة، بقدر ما أصبحت أكثر فأكثر تابعة لها، وتعيد إنتاج القيم السائدة نفسها”.

وأضاف أستاذ مادة الفلسفة، في تصريح خص به هسبريس، قائلا: “أعتقد أن علاقة المتعلم بالمدرّس لا يمكن أن تمثل حالة استثنائية، فقيم اللاتسامح والعنف واللاتواصل السائدة هي القيم نفسها التي تحكم الحياة المدرسية والممارسة الفصلية، باستثناء حالات قليلة”.

وأردف أوعبيشة أن “الحل لن يكون تجزيئيا أو تقنيا أو قانونيا، لأن الكثير من المعارف المدرسية تتضمن تناقضات كثيرة تحرض المتعلمين على اعتناق منظومة قيمية تتعارض مع القيم الإنسانية النبيلة”.

وختم علي تصريحه بالقول: “مع ذلك، تظل مثل هذه الفيديوهات التي ترسم علاقة طيبة وأخلاقية بين المتعلم ومدرّسه مهمة جدا، بالنظر إلى مكانة الميديا الآن في التأثير على الناس؛ إذ أصبحت أكثر قوة من المقررات والمعارف التربوية”.

من جهته، عبّر محمد بوراس، أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي بميدلت، قائلا: “ما قام به الطيار التركي إزاء معلمه مؤثر ولا يمكن إلا نثمنه ونقدره نحن كرجال التعليم، في بلد تنعدم فيه هذه المشاهد المؤثرة والتربوية المفعمة بروح التقدير والاحترام تجاه المدرس والمربي على الخصوص، والمدرسة بشكل عام، حتى وإن وجدت هنا في المغرب فهي استثناء لكي لا أقول منعدمة”.

وجزم أستاذ اللغة الفرنسية في تصريحه لهسبريس بأن “التهميش والتبخيس لدور المربي كيفما كان نوعه أريدَ به إنتاج جيل من الضباع بتعبير محمد كسوس، يعيش على الإلهاء والجهل، وذلك عبر عدة قنوات، كالإعلام الذي لا يتوانى في إنتاج وتلميع قدوات جديدة وتقديمها للشباب كبديل لرجال الفكر والعلم”، ليتساءل: “كيف إذن نستغرب غياب هذه الروح لدى شبابنا وتلامذتنا إن كان الكل متحامل على المدرس والمدرسة؟”.

تجدر الإشارة إلى أن الربان التركي بعد علمه بأن أستاذا سابقا له كان مسافرا على متن الطائرة التي كان يقودها، فاجأه والمضيفون والمضيفات بالورود، امتنانا وعرفانا له، وهم يقبلون يده على طريقتهم وسط تصفيقات باقي الركاب ممن ذرف بعضهم الدموع متأثرا بمشهد عاطفي وإنساني قل نظيره.

المصدر : هسبريس