عند انتهائي من الثانوية ودخولي كلية الهندسة كنت أظن أنني عبقرية في الرياضيات، وأظن أن هذا هو حال معظم طلاب الفروع العلمية بشكل عام. لكن ما حصل أنني تلقيت كل ما كنت أعرفه في الرياضيات في أول محاضرة رياضيات 1 في الجامعة وهنا كانت الطامة الكبرى!

وبدأت أشعر بالهلع بشأن ذلك… وتلا ذلك سلسلة من الدرجات التي تدعو للفخر!

ربما تكون أنت أو أحد أشقائك الصغار أو طفلك حتى، قد عانيت من أمر مشابه وهو كون المعلومات وخاصة الرياضية منها، تجد سبيلًا لأن تختفي من دماغك في لحظات الاختبارات الحرجة. رغم كونك قد ذاكرت بشكل جيد قبل الاختبار لكن لم تستطع بأي شكل استرجاع المعلومات!

ماذا يحدث يا ترى وعلى من يجب إلقاء اللوم؟
ما هي الصدمة الرياضية؟
صدمة الرياضيات
لا يمكن إلقاء اللوم على أحد! وفي الواقع تشير الدراسات إلى أن الكثيرين يعانون مما يسمى Math Trauma، وهي نوع من أنواع الانغلاق الذهني فيما يتعلق بالمسائل الرياضية، أنت لست سيئًا في الحساب بل مصابًا بصدمة!

تتجلى صدمة الرياضيات كخوف أو قلق من الوقوع في الخطأ، وهذا الخوف يشكل عائقًا أمام تحقيق الأشخاص لأهدافهم وهذا يشمل الأهداف التعليمية والمهنية.

لهذه الصدمة مصادر عديدة، لكن قد يكون للوسط المحيط تأثير مباشر على تفاقم أو حدوث هذه الحالة، وهذا يشمل الأفكار البالية! مثل كونك “شاطرًا في الرياضيات” يعني أن تكون سريعًا ودقيقًا بالحساب!

كان ذلك صحيحًا وضروريًا في العصر الذي كان يعمل به الإنسان عمل الكمبيوتر، لكن الآن تشير الأبحاث إلى أن ربط السرعة والدقة مع الحساب يضعف من قدرات المتعلمين الذهنية.

إن الذين يعانون من إتمام اختبار محدود الوقت غالبًا ما يعانون من الخوف الذي يؤدي إلى انغلاق كلي للذاكرة العاملة، وتصبح عملية تذكر القوانين الرياضية البسيطة أمرًا شبه مستحيل، وهذا يعزز فكرة أن “كونك شاطرًا بالرياضيات يعني أن تكون سريع البديهة والتذكر ودقيق النتائج!”.

أما عن الذين ينجحون في هذه الاختبارات ويظنون أنهم جيدون جدًا في التعامل مع المسائل الرياضية، هم في الواقع معرضون لأن يطوروا “معرفة رياضية هشة“. وهم يميلون للابتعاد عن التحديات لكونهم يخشون الاعتراف أنهم قد لا يكونون بنفس السرعة في الحل في اختبار آخر، وهذا يعزز فكرة “أنت حافظ مش فاهم”.

تكوين معرفة رياضية متينة
تعود أصول الأسطورة الخبيثة التي تفيد بأن “استرجاع الحقائق بشكل سريع أمر جيد” من أفضل النوايا في الواقع، فمن لا يرغب برؤية ولده يتفوق على زملائه في الحساب وغيره؟

لكن توضح الأبحاث أن القدرة على استرجاع الحقائق بسهولة تبدأ بالفهم المنطقي للحقائق الرياضية. أي أن الخطوة الأولى لخلق ذاكرة رياضية هو فهم كيف تعمل هذه الرياضيات في الأصل.

تخطي مرحلة الفهم المنطقي لأي أمر يؤدي لحدوث ما يسمى بالمعرفة الهشة وعليه سوف تحصل صعوبات التذكر في الأوقات الحرجة؛ فعندما يقوم شخص بمجرد الحفظ فإن كل معلومة جديدة تمثل جزيرة لوحدها وتسبح بحرية في دماغك إلى أن تضيع فيه من غير رجعة.

لكن عند القيام بفهم الأنماط الرياضية وإنشاء روابط في دماغك بين المعلومات سيحدث العكس تمامًا وستبدأ المعلومات بالتدفق بسلاسة وسهولة!

إذًا ما الحلول التي يمكن أن يتبعها الأهل لمساعدة أطفالهم في مرحلة مبكرة؟
من غير المفيد أن يتعلم الطفل فقط محتوى الكتاب، ما عليك فعله هو أن تفكر وطفلك خارج الصندوق ومحاولة توظيف الرياضيات في أمور أخرى غير الاختبارات المدرسية.

يمكن للعب بالأرقام والأحاجي والألعاب الرياضية مثل السودوكو أن تخلق حاجة عند الطفل لتشغيل دماغه رياضيًا، والطلب من الأطفال توضيح أفكارهم من خلال الصور أو الأغراض يعزز من من مفهوم “أهمية أفكارهم”، وهذا بدوره يساعدهم على التغلب على الخوف من الوقوع في الخطأ.

عدم معرفة الجواب الصحيح لا يعني أن التفكير خاطئ بشكل تام، فالطلب من الطفل أن يشرح فكرته يساعد في معرفة مقدار معرفته الحالية، وبناءً عليه يمكن اختيار الخطوة التالية في عملية التعلم.

أيضًا لا أحد يحب أن تتم الاستهانة بقدراته، وهذا المفهوم موجود عند الأطفال أيضًا. لا تجعل طفلك يشعر أن إجابته الخاطئة تعني أنه “غبي” وأن هذه نهاية العالم.

الأساليب العنيفة والسلبية في التعليم تعتمد على جعل المتعلم يشعر بالذنب لخطأه وسيكون لها تأثير سيئ للغاية على ثقة المتعلم بقدراته المعرفية.. المختصر ألا تجعل طفلك يشعر أنه يجب أن يعاني حتى يصبح جيدًا في الحساب!

هنالك الكثير من الخطوات التي يمكن أن يساعد بها الأهل أطفالهم، أهمها التروي والصبر ومحاولة خوض المغامرة معهم لكي تحل المشكلة كليًا!

وفي الختام، إن كنت أحد الناجين أو ممن يعانون من صدمة الرياضيات، لا تقلق أنت لست وحدك على الإطلاق وتذكر أن هنالك دومًا سبل لتجاوز هذه المشكلة وكلها تبدأ عند فهم أن الرياضيات مجال فياض وجميل للغاية، وأننا كلنا في الحقيقة أفضل مما نظن عندما يتعلق الأمر بالحساب!

وكما قال ألبرت أينشتاين:

“الرياضيات البحتة، بطريقتها الخاصة، هي شعر من الأفكار المنطقية”

 

المصدر أراجيك