لم تتخذ الحكومة عبر مشروع قانون مالية العام المقبل، تدابير عبر الضريبة على الأجور من أجل تحسين دخول الموظفين والمأجورين، وتؤكد على أن الزيادة في الأجور التي همت الموظفين والحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، يراد من ورائها دعم القدرة الشرائية، غير أنه يتجلى أن هاجس التحكم في العجز يدفع الحكومة إلى التأكيد على رغبتها في الضغط على كتلة الأجور، في وقت يؤكد مراقبون على تراجع القدرة الشرائية بسبب تحملها نفقات لتلبية حاجيات كان يفترض أن تدرج ضمن الخدمات العمومية مثل التعليم والصحة.

مفارقات كثيرة تكشف عنها خارطة الموظفين بالمغرب، فعددهم دون المستوى المسجل في باقي البلدان، غير أن الحكومة تعتبر أن كتلة الأجور من بين الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ودفع ذلك الحكومة إلى سلوك سبيل التعاقد خارج الميزانية، خاصة من أجل توظيف معلمين وأساتذة، غير أن ذلك يكشف عن مفارقة أخرى، ما دام عدد المحالين على التقاعد مرتفع في قطاع التربية والتعليم، علما أن صافي المناصب المالية المحدثة في الوظيفة العمومية، مافتئ يتراجع في الأعوام الأخيرة لسيادة هاجس التحكم في كتلة الأجور.

عدد ضعيف
ارتفع عدد موظفين الدولة في العشرة أعوام الأخيرة بنسبة 4,03 في المائة، منتقلا من 542 ألف إلى 564 ألف، غير أنه تقرير الموارد البشرية المرفق بمشروع قانون المالية، يبرز حدوث انخفاض طفيف لذلك العدد اعتبارا من 2016، بفعل التأثير المزدوج لانطلاق عملية التوظيف بالتعاقد على مستوى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وارتفاع أعداد الموظفين المحالين على التقاعد لبلوغ حد السن أو نتيجة للتقاعد المبكر.

غير أنه يتجلى أن المغرب يخصص 16 موظفا مدنيا لكل 1000 نسمة، ذلك معدل يبين، حسب التقرير، عدم وجود أي تضخم في عدد الموظفين بالمقارنة مع باقي الدول، إلا أن توزيعه الترابي وبين الإدارات تعتريه تباينات، ويتجلى أنه بالمقارنة مع الساكنة النشيطة البالغ عددها 12 مليون نسمة، فإن الإدارة العمومية المدنية توظيف 47 موظفا مدنيا لكل 1000 نسمة من الساكنة النشيطة. وسجلت نسبة تغطية الموظفين المدنيين لمجموع الساكنة تراجعا طفيفا منذ 2016، حيث استقرت في 1,69 في المائة.

ويعتبر عبد الرحيم الهندوف، الكاتب العام للاتحاد الوطني للموظفين، أن “عدد الموظفين في الوظيفة العمومية المدنية والعسكرية والجماعات المحلية، مقارنة بعدد السكان، ضعيف بالمغرب، حيث لا يتجاوز 9 في المائة، مقابل 20 في المائة في الجزائر و16 في المائة في تونس و20 في المائة في فرنسا، و15 في المائة في البلدان الاسكندنافية، بل إن الناتج الداخلي الخام ضعيف، كما أننا لا نحقق إلا معدلات نمو تصل في أفضل الأحوال إلى 4 في المائة”.

صافي الوظائف
ويتجلى عند قراءة التقرير أن عدد الوظائف المحدثة في عشرة أعوم الأخيرة لم يتعد 70 ألف منصب عن خصم عدد المحالين على التقاعد من عدد المناصب المالية المحدثة، فهذه الأخيرة بلغت ما مجموعه 241 ألف منصب مالي، دون احتساب 70 ألف منصب تم إحداثها عبر التعاقد من أجل توظيف الأساتذة على مستوى الأكاديميات الجهوية للتكوين، غير أنه يبدو أن 71 في المائة المحدثة خلال تلك الفترة، همت قطاعات التربية والتعليم العالي والداخلية والصحة، فقد تم تخصيص 76 ألف منصب لوزارة الداخلية، و69 ألف منصب للتربية والتعليم و25800 للصحة.

وحذف في العشرة أعوام الأخيرة حوالي 170 ألف منصب عبر الإحالة على التقاعد، حيث يعود ما يناهز 60 في المائة من المناصب المالية المحذوفة برسم تلك الفترة بالأساسي لقطاعي التربية والتعليم العالي، بينما مثلت تلك التي تهم الصحة والداخلية على التوالي 12 و11 في المائة.

وتتوقع الحكومة أحالة 69 موظف على التقاعد بين 2019 و2024، حيث سيصب ذلك 40 ألف موظف من قطاعي التربية الوطنية والتعليم العالي، أي ما يمثل 14,74 في المائة من موظفين القطاعين، بينما ستهم الإحالة على التقاعد أكثر وزارة الصحة والاقتصاد والمالية والعدل والداخلية.

ونظمت منذ 2012 وإلى حدود النصف الأول من العام الجاري، حوالي 1759 مباراة لشغل 110 آلاف منصب مالي مفتوحة للتباري من أجل التوظيف، حيث تجلى أن وزارة التربية الوطني والتعليم العالي والبحث العلمي، رامت شغل 38601 منصبا، والداخلية 34541 منصبا والصحة 14313 منصبا.

وإذا كان تبني مرسوم يحدد شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية، قد ساعد على توظيف 28 خبيرا بالإدارات العمومية، في العام الماضي والنصف الأول من العام الحالي، فإن التعيين في المناصب العليا المصادق عليه من قبل مجلس الحكومة هم 1071 تعيينا.

وتأتي وزارة التربية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في المقدمة من حيث عدد التعيينات في المناصب العليا بنسبة 30,1 في المائة، تليها وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة بنسبة 9,8 في المائة، ووزارة الفلاحة والصيد البحري بنسبة 7,8 في المائة، ثم وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك بنسبة 6,4 في المائة.

توزيع غير متكافئ
يتمركز 90 في المائة من الموظفين في وزارة التربية والتعليم العالي، والداخلية، والصحة، والعدل، والاقتصاد والمالية، وإدارة السجون، فيما تصل هذه النسبة في باقي الوزارات إلى 9,4 في المائة. ويبين توزيع الموظفين حسب سلام الأجور ترتيب 109 آلاف في السلمين الخامس والسادس، و87658 بين السلمين السابع والتاسع، بينما يصل المرتبون في السلم العاشر ومافوق إلى 368 ألف موظف.

ويتجلى أن عدد الموظفين في أسلاك الوظيفة العمومية المرتبين في السلم 10 فما فوق، انتقلت نسبتهم من 50 في المائة في 2009 إلى 65 في المائة في العام الحالي، وهو ما يرده التقرير إلى التحسن الذي عرفته نسبة التأطير داخل الإدارة العمومية، في ظل المراجعات التي عرفها نظام الترقي بالإضافة إلى عمليات توظيف فئة الأطر بأسلاك الوظيفة العمومية.

ويفضي تحليل بنية الموظفين حسب الفئات العمرية، إلى استنتاج أن الموظفين الشباب دون سن 35 عاما يمثلون نسبة 25,7 في المائة من مجموع الموظفين، بينما يشكل المتراوحة أعمارهم بين 35 و50 سنة نسبة 40,5 في المائة، والذين تتجاوز أعمارهم 50 عاما نسبة 33,8 في المائة.

ويبرز توزيع الموظفين حسب الجهات وجود تباين كبير بينها، حيث يتمركز 70 في المائة من الموظفين بجهات الرباط- سلا-القنيطرة، والدار البيضاء- سطات، وفاس- مكناس، ومراكش- آسفي، وطنجة-تطوان- الحسيمة، علما أن الحكومة التزمت بدعم المصالح الخارجية للدولة بالموارد البشرية والمالية اللازمة لتزيل الجهوية المتقدمة.

كتلة أجور وفوارق
يفيد التقرير الحكومي أن نفقات الموظفين ارتفعت في العشرة أعوام الأخيرة بنسبة 51,51 في المائة، لتنتقل من 74 مليار درهم إلى 112 مليار درهم، غير أنه يتجلى أن وتيرة ارتفاع نفقات الموظفين مرت بمرحلتين، حيث كانت قبل 2012 في حدود 9,3 في المائة كمعدل سنوي بفعل الإجراءات ذات الصلة بمراجعة الأجور التي أقرت في إطار جولات الحوار الاجتماعي، وتباطأت بعد ذلك التاريخ، حيث لم تتعد 2,1 في المائة، وهو ما يعزى إلى التأثير المزدوج لإحداث وحذف المناصب المالية، والتدابير المتخذة من أجل التحكم في تطور تلك النفقات.

وتعتبر الحكومة أن حصة الموظفين من الناتج الداخلي الخام سجلت بين 2009 و2019، سجلت معدلا سنويا بلغ حوالي 10,40 في المائة، معتبرة أن ذلك المعدل من بين أعلى المعدلات المسجلة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث يتأرجح ذلك المعدل حول 10 في المائة.

وتشير إلى أن حصة نفقات موظفين الدولة تحتل المرتبة الأولى ضمن النفقات العمومية، حيث تمثل 31,48 في المائة من الميزانية العامة برسم العام الحالي، وما يقرب من 33,46 في المائة كمعدل سنوي في العشرة أعوام الأخيرة، بينما تمثل تلك النفقات ضمن ميزانية التسيير حوالي 53,44 في المائة.

وتتمركز 90 في المائة من نفقات الموظفين المدنيين في ست قطاعات، ممثلة في التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي بنسبة 49,8 في المائة، يليها قطاع الداخلية بنسبة 19,5 في المائة، ووزارة الصحة والعدل والاقتصاد والمالية والشؤون الخارجية التي تستحوذ على التوالي على 10,3 و4,8 و2,8 و2,6 في المائة.

وتحوز فئة الأطر المرتبة في السلم العاشر فمافوق على 68,89 في المائة من نفقات الموظفين، بين يستفيد الموظفون المرتبون في سلام الأجور الأقل من 6 في المائة من 13,14 في المائة، والموظفون المرتبون في سلام الأجور من 7 إلى 9 في المائة من 17,97 في المائة من نفقات الموظفين.

ويشير التقرير إلى أن المتوسط الشهري للأجور بالوظيفة العمومية ارتفع في العشرة أعوام الأخيرة بنسبة 32,21 في المائة، حيث انتقل من 6 آلاف درهم إلى 8 آلاف درهم، ويتجلى أن المتوسط الشهري للأجور الصافية يختلف حسب القطاعات، حيث وصل في قطاع العدل إلى 11710 درهم، مقابل 10 آلاف درهم في الصحة، و9421 درهم في التربية الوطنية والتعليم العالي، و7829 درهم في الاقتصاد والمالية و6873 درهم في الداخلية.

ويتقاضى الموظفون المرتبون في سلالم الأجور الأقل من 6 أجرة شهرية صافية تبلغ في المتوسط 4647 درهم، وتصل في السلالم من 7 إلى 9 إلى حوالي 5501 درهم، بينما ترتفع في السلم 10 فما فوق إلى 9571 درهم، علما أن شرائح الأجور تتراوح بين 3000 درهم إلى 40 ألف درهم فما فوق.

ويتصور محمد الهاكش، العضو السابق للجنة التقنية لإصلاح التقاعد، أن المغرب يعرف فوارق صارخة في الأجور في الوظيفة العمومية، حيث أن أدنى أجر في الوظيفة العمومية في حدود 3041 درهم، وأعلى أجر يصل إلى 50 ألف درهم، الذي يتقاضاه أستاذ في كل كلية الطب، مشيرا إلى أن الأجر الأعلى يمثل 17 مرة مستوى الأجر الأدنى، بينما في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تصل تلك النسبة إلى 3,4 مرة، قائلا “إذا قارنا الحد الأدنى بمستويات الأجور لدى رؤساء بعض المؤسسات العمومية، سنتحدث عن تفاوت بخمسين مرة”.

تيل كل عربي