المشروع الشخصي والمهني هو نهج متبنى من طرف التلميــذ انطلاقا من مواجهة بين الذات( الميولات- القدرات- التمثلات) والمحيط (الوسط الاقتصادي والاجتماعي)، ويعتمد على نظرة طويلة المــــدى تنطلق من انتقاء الأهداف المناسبة للميولات الآنيـــة ممـــا يفتـــرض توقع العراقيل وتقويم حظوظ الإنجاز.

المشروع الشخصي والمهني بناء معقد يتطلب مساعدة الأسرة وكل الشركاء التربويين مما يعطي للتربية بعدا أوسع مما يساهم في إحداث التحولات الإيجابية المنتظرة في مسار التلميذ الدراسي والتكويني، مما يكسبه حركية بناء مستقبله وبناء شخصيته والاتجاه بها نحو الرشد.

ففي عالم تسود فيه الاعتباطية والتسويف وترك الأمور للصدفة، فإن العمل بالمشروع الشخصي والمهني يعطي معنى لمجريات الأمور خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمستقبل الذي هو الشغل الشاغل للتلميذ رجل الغد.

المشروع الشخصي والمهني لا يكون محددا بصفة نهائية، بل ينمو ويترعرع مع نمو وترعرع التلميذ خلال مساره الدراسي، مما يستدعي إدخال التغييرات والتحسينات عليه، وهذا يتطلب على مستوى الفعل:

  • أن يتبنى التلميذ منطق البناء المتدرج للوسائل التي تساعد على القيام بالاختيارات الصائبة.
  • أن يتوفر على مصادر المعلومات حول مختلف المسالك الدراسية الممكنة.
  • أن يعرف كيف يستثمر المعلومات.
  • أن يعرف كيف يقتنص الفرص المتاحة وينفتح على أخرى.
  • أن يميز بين واجباته وحقوقه.
  • أن لا يتخذ القرارات إلا بعد التزود بالمعلومات.
  • أن يتعلم كيف يعلم ذاته.
  • أن يكون مبادرا.

ومن بين مكونات المشروع الشخصي والمهني الأساسية، والتي يمر منها التلميذ خلال مساره الدراسي والتكويني: مسألة الاختيار الذي يعتبر سيرورة تتطلب قطع مراحل قبل الحسم.

الاختيار يمكن أن يكون عفويا وتلقائيا ويمكن أن يترك جانبا بعد تفكير كما يمكن أن يصبح استلابا إذا كانت المؤثرات الخارجية قوية.

فمفهوم الاختيار المهني شكل، و منذ بداية القرن المنصرم، موضوع اهتمام العديد من المفكرين و قد أفرز العديد من النظريات منها:

ý   نظريات تربط الاختيار بالعوامل الخارجية كالصدفة وسوق الشغل والمحيط الثقافي والاجتماعي الخ… ( BACHRACH ).

نظريات تربط الاختيار بالعوامل الداخلية كالنمو النفسي والجسدي للفرد وحاجته الفيزيولوجية والأمن والحنان الخ.. ( MASLOW ) ، وأخرى تؤكد على المؤهلات والكفاءات، وأدت إلى تطوير الروائز البسيكوتقنية ( PARSONS ) .

النظرية العامة وهي محاولة للجمع بين النظريات السالفة الذكر وقد كونت القاعدة الإجرائية لعملية التوجيه. حيث صنف ( HOLLAND ) المهن والشخصيات إلى ست فئات وبحث في ضرورة معرفة الشخص لذاته كي يتجه إلى صنف المهن التي تلائم شخصيته.

نظريات تعتمد على نموذج القرار ( HILTON ) وترتكز على مفهوم التنافر المعرفي ( LA DISSONNACE ) ل ( FESTINGER )، وهي الحالة النفسية التي يعيشها الفرد بعد القيام باختيار صعب. إلا أن ( HILTON ) بحث على إحداث هذا التنافر المعرفي لذى التلميذ قبل اتخاذ القرار وذالك بدفعه إلى القيام بجرد للجوانب الإيجابية والسلبية لما سيتم اختياره.

النظريات التنموية ( GISNBERG-SUPER ) التي تقوم على أساس تطور الفرد والمهن ومعرفة الذات إذ تنظر إلى الاختيار كسيرورة تتميز بمراحل متتالية تمكن الفرد من الوصول إلى النضج والقدرة على اتخاذ القرار.

وهذه النظريات هي التي اعتمدها الباحث ( PELLETIER ) في ميدان التوجيه وأفرزت طريقته البيداغوجية المعروفة بتقنية تربية الاختيارات ( ADVP )، وهي الطريقة التي تسعى جميع الدول لاعتمادها. وتستهدف تنمية الاختيارات الدراسية والمهنية لدى التلميذ وتعتبر أن القيام باختيار واضح يتطلب نجاح التلميذ في القيام بأربعة مهام تنموية مرتبطة بمراحل نموه الفكري و   المعرفي وبمختلف العمليات والكفاءات المتمكن منها . وتتم هذه المهام عبر أربعة مراحل:

  • مرحلة الاستكشاف: يكتشف التلميذ أثناءها مختلف الفرص المتاحة له وينفتح على تجاربه كما يتمكن من إغناء معلوماته حول المهن وحول معرفته لذاته.
  • مرحلة التبلور: فالمرحلة السابقة تؤدي إلى وضع التلميذ في حالة غموض، حيث تختلط عليه الأمور مما يدفع به إلى الشعور بهاجس توضيح الرؤيا والشروع في تنظيم معلوماته حول المهن وبالتالي تقليص مجال اهتماماته.
  • مرحلة التخصيص: هي المرحلة التي يجب الوصول إليها بعد النجاح في المهمتين السابقتين والتي تدفع بالتلميذ إلى القيام بمقارنة بين تطلعاته وقدراته وبين ميولاته الحقيقية والفرص التي يتيحها الوسط فيصبح ميوله محددا ويقوم بتقويم لحظوظ تحقيقه.
  • مرحلة الإنجــاز: في هذه المرحلة ينتقل التلميذ من النوايا إلى التفكير في الواقع، وتفرض عليه مراجعة المراحل والمعطيات التي اعتمدها في اتخاذ القرار والتأكد من مدى ثباته ويقينه ووضع خطة للتطبيق وجرد للعراقيل مع تهيئ اختيار احتياطي لحماية مشروعه.