قالت كل من ليزا والش وجوليا بويم وسونجا ليوبوميرسكي في مقال لهن على موقع مجلة «أيون» الأمريكية، إن النجاح يتحقق بعد الوصول إلى السعادة وليس العكس.

وأوضح التقرير أننا تعلمنا من قبل آبائنا أن العمل بجد وتحقيق النجاح يؤديان إلى السعادة. إن فكرة وجوب الكدح لتحقيق النجاح وبلوغ السعادة متجذرة في مختلف جوانب الثقافة الأمريكية مثل إعلان الاستقلال، والحلم الأمريكي، وقصص «روكي وسندريلا». معظم الناس يريدون أن يكونوا سعداء، لذلك نحن نلاحق النجاح مثل الجزرة المثبتة على عصا – معتقدين أن السعادة تكمن في الالتحاق بالكلية، والظفر بوظيفة الأحلام، أو الحصول على ترقية أو راتب ضخم. ولكن بالنسبة للعديد من الكادحين، ما يزال النجاح والسعادة بعيدي المنال دائمًا. والمشكلة هي أن المعادلة قد تكون مقلوبة.

تؤكد الكاتبات أنهن يعتقدن أن السعادة تسبق النجاح الوظيفي وتؤدي إليه وليس العكس. ففي العلوم النفسية، تتعلق السعادة بالرفاهية الشخصية والمشاعر الإيجابية. يميل الأشخاص الذين يتمتعون بمزيد من الرفاهية إلى أن يكونوا أكثر رضا بحياتهم، وكذلك الشعور بإيجابية أكبر. كما تشير الأبحاث إلى أن هذه المشاعر الإيجابية – مثل الإثارة والفرح والصفاء – هي التي تعزز النجاح في مكان العمل.

لنستعرض معًا الدراسات التي تفحص حياة الأشخاص في لحظة بعينها. وهذا يسمح للباحثين بتحديد ما إذا كانت السعادة والنجاح مرتبطين أم لا. بالنسبة إلى أقرانهم التعيسين، فإن الأشخاص الأكثر سعادة يشعرون بالرضا تجاه وظائفهم؛ كما أنهم يتلقون دعمًا اجتماعيًا أكبر من زملاء العمل وتقييمات أداء أفضل من المشرفين. من الجدير بالذكر أن الرؤساء يمنحون الموظفين السعداء تقييمات أداء أعلى بسبب «تأثير الهالة»، حيث يؤثر الانطباع الإيجابي في أحد المجالات – مثل السعادة – على الرأي في مجال آخر – مثل القدرة على العمل. على سبيل المثال، تيم سعيد، لذلك لا بد أنه جيد في وظيفته أيضًا. ومع ذلك، هناك أيضًا بعض الأدلة على أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الرفاهية يحققون أداءً أفضل في مجموعة من المهام المتعلقة بالعمل؛ حيث وجدت دراسة محورية أن وكلاء المبيعات الذين لديهم نظرة أكثر إيجابية يحققون مبيعات بنسبة 37% من بوالص التأمين على الحياة أكثر من زملائهم الأقل إيجابية.

ترتبط السعادة بالتميز في العمل في مجالات أخرى أيضًا – تنوه الكاتبات. يميل الأشخاص المتفائلون إلى التفاني من أجل منظماتهم؛ وهم أقل عرضة للتغيب عن العمل أو ترك وظائفهم. بينما يميل الأشخاص الذين يتمتعون بصحة أفضل إلى كسب رواتب أكبر من أولئك الذين لديهم صحة أقل.

ومع ذلك، فإن مثل هذا البحث له حدوده، لأنه لا يمكن أن يحدد ما يأتي أولاً – السعادة أم النجاح. يمكن أن تساعد الدراسات المطولة هنا، لأنها تتابع الناس على مدار أيام أو أسابيع أو أشهر أو سنوات لمعرفة كيف تغيروا مع مرور الوقت. وفقًا للدراسات المطولة، فإن الأشخاص الذين يبدأون بالسعادة يصبحون ناجحين في النهاية أيضًا. فكلما زاد رضا شخص ما في وقت مبكر، زاد احتمال أن يكون على يقين بشأن نوع الوظيفة التي يريدها، وكذلك ملء المزيد من طلبات العمل، والعثور على وظيفة. وقد وجدت دراسة رئيسية أن الشباب الذين يتمتعون بصحة أفضل من أقرانهم قبل التخرج في الجامعة كانوا أكثر عرضة لتلقي مقابلات متابعة العمل بعد ثلاثة أشهر.

كما أن المشاعر الإيجابية تنبئ بحجم الإنجاز والأرباح اللذين سيتحققان مستقبلاً – تضيف الكاتبات. في إحدى الدراسات، كان من المحتمل أن يعمل الأشخاص السعداء الذين يبلغون من العمر 18 عامًا في وظائف مرموقة ومرضية ويشعرون بالأمان المالي في سن 26 عامًا. وفي دراسة أخرى، ظهر أن الأشخاص الذين كانوا أكثر ابتهاجًا عند بدء الدراسة الجامعية يحصلون على دخل أعلى.

لكن لا يكفي إثبات أن السعادة تأتي قبل النجاح؛ إذ نريد أن نعرف، هل يسبب أحدهما الآخر؟ ففي نهاية المطاف، قد يكون هناك متغير غير محسوب، مثل الذكاء أو الانبساط، هو ما يؤدي إلى السعادة وإجادة العمل.

يمكن للتجارب جيدة التصميم التحكم في هذه المتغيرات – تشدد الكاتبات. على سبيل المثال، قسمت الدراسات الأشخاص بشكل عشوائي على المواقف التي تجعلهم يشعرون بحالات عاطفية سلبية أو إيجابية، ثم قاموا بقياس أدائهم اللاحق في المهام المتعلقة بالعمل. أظهرت هذه التجارب أن الأشخاص الذين شعروا بالعواطف الإيجابية يضعون أهدافًا أكثر طموحًا، ويواصلون المهام الصعبة لفترة أطول، وينظرون إلى أنفسهم والآخرين بإيجابية، ويعتقدون أنهم سينجحون.

تبدو التوقعات المتفائلة للأشخاص السعداء واقعية أيضًا: في كل من مهام الترميز الكتابي ومهام استبدال الأرقام، يميل الأشخاص ذوو المشاعر الإيجابية إلى أن يكونوا أفضل وأن يكونوا أكثر إنتاجية من ذوي المشاعر السلبية. وتوحي الأدلة التجريبية بأن الأشخاص الأكثر سعادة يتفوقون على الأشخاص الأقل سعادة، وأن سلوكهم الإيجابي ربما يكون السبب.

من خلال مراجعتنا لأكثر من 170 دراسة متنوعة، ظهر أن الرفاهية تعزز النجاح الوظيفي بعدة طرق. إن هذا لا يعني أن الأشخاص غير السعداء لا يمكن أن ينجحوا، بل على العكس من ذلك، يوضح التاريخ أن الأفراد المصابين بالاكتئاب مثل أبراهام لنكولن وونستون تشرشل يمكنهم تحقيق نجاحات لا تصدق. تتكيف المشاعر السلبية والإيجابية مع المواقف – فهناك وقت للحزن، تمامًا كما هو الحال مع السعادة.

لذا، تحذر الكاتبات رواد الأعمال من توظيف أشخاص سعداء بإفراط أو الضغط على الموظفين ليكونوا أكثر تفاؤلاً. لقد أدت هذه الاستراتيجيات إلى نتائج عكسية في الماضي – كما هو الحال مع الفسحة الإلزامية التي فرضت على العاملين في سلسلة متاجر Trader Joe في الولايات المتحدة، حيث جعلت هذه السياسة العمال أكثر بؤسًا. يجب على الشركات التي تأمل في تعزيز السعادة تبني أنشطة إيجابية، مثل القيام بأعمال الخير والتعبير عن الامتنان.

قال الفيلسوف برتراند راسل في عام 1951: «إن الحياة الجيدة، كما أتصورها، هي حياة سعيدة. لا أقصد أنه إذا كنت في صحة جيدة، فستكون سعيدًا؛ بل العكس». عندما يتعلق الأمر بترك انطباع جيد في العمل، فإننا نوافق على ذلك. إذا كنت تريد أن تكون ناجحًا، فلا تتكاسل وتنتظر العثور على السعادة، بل اسعَ خلفها.

ترجمة : عبدالرحمن النجار

كاتب: Lisa C Walsh – Julia K Boehm – Sonja Lyubomirsky